الانحراف عن أهداف إصلاح سوق العمل سيؤدي إلى خسارة الجميع!

بقلم: علي أحمد رضي، الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل

الأفكار العشرة الأساسية للمقال:
1. تنظيم العمالة الوافدة يجب أن يكون أداة لهدف جعل البحريني الخيار المفضل للتوظيف لا العكس!
2. سياسة الرسوم تهدف إلى التأثير على سلوك الطلب على العمالة باتجاه رفع الإنتاجية وليست عقابا أو مصدرا للإيرادات!
3. يصعب علينا تفسير المفارقة بين خطاب “انهيار” المؤسسات الصغيرة وواقع زيادة حجم طلبات تصاريح العمل في هذه الفئة من قطاع الأعمال؟
4. نحن نؤمن بسياسات قائمة على الأدلة لا التخمينات أو التكهنات!
5. قرارات تحديد مستوى الرسوم, وتحصيلها الشهري تمت عبر التشاور وبالاتفاق على التدرج!
6. عدم الالتزام بدفع الرسوم سيؤدي إلى ارتفاع حجم سوق العمالة غير القانونية!
7. مؤشرات العام 2008 لسوق العمل تؤكد على أن معدلات توظيف الأجانب تفوق نظيرتها لدى البحرينيين بثلاثة أضعاف! مقابل تدني نسب البحرنة إلى أدنى مستوى لها في تاريخ البحرين!
8. الاستمرار في الاعتماد المطلق على العمالة الوافدة الرخيصة التكلفة ومتدنية المهارات في كافة القطاعات وكافة المهن سيؤدي إلى نتائج وخيمة على العمالة البحرينية! هل نحن مجتمع يقبل بزيادة حجم العمالة الوافدة على حساب تقلص فرص العمل للمواطنين؟  تخفيض ووقف الرسوم أم تقليص الطلب على العمالة الوافدة: أيهما أجدى على المدى الطويل؟
9. في ظل أجواء الأزمة الاقتصادية العالمية يجب علينا وقاية اقتصادنا على أسس مستدامة وعالية الإنتاجية وليس بالاستمرار في الطلب المتزايد على العمالة الوافدة غير الماهرة!
10. تحقيق أهداف الرؤية الاقتصادية 2030 يتطلب حسا عاليا بالمسئولية الاجتماعية تجاه استفادة البحرينيين من نتائج النمو الاقتصادي!

شهدت الفترة الأخيرة اهتماما واسع النطاق في أوساط الرأي العام بنشاط هيئة تنظيم سوق العمل مما يعكس تفاعلا حيويا مع ما نقوم به من جهود مستمرة لتنظيم العمالة الوافدة. نحن بالهيئة نهتم كثيرا بكافة الآراء لأننا جادون في الالتزام بنهج إصلاح سوق العمل الذي دشنه صاحب السمو ولي العهد الأمين في العام 2004, وتمت ترجمته عبر مشاورات ديمقراطية في البرلمان ومجلس الشورى إلى قانون 19 لعام 2006 وكان الأساس الذي قامت عليه كافة إجراءات وسياسات الهيئة منذ بدء نشاطها الفعلي منتصف العام الماضي.

هناك العديد من الملاحظات والانتقادات السلبية مقابل القليل من الثناء والتقدير الايجابي. وذلك أمر لا يزعجنا بل يدعونا إلى التأمل والتفكير, والأهم من ذلك أنه يشكل مناسبة هامة لفتح حوار بناء وإيجابي لصالح الوطن ومواطنيه كافة.

سوق العمل ليست فقط رسوم تصاريح عمل وإجراءات انتقال العمالة الوافدة, أو جهود توظيف وتدريب, أو أجور لائقة, أو علاقات عمالية سليمة وحوار اجتماعي فعال, بل هي تشمل كل ذلك معا في ترابط يحتم توزيع الأدوار بين المؤسسات المعنية ومنها هيئة تنظيم سوق العمل.

دورنا تم تعريفه بوضوح في قانون 19 لعام 2006, وبالتحديد في المادة الرابعة منه. ولا يخفى على أحد أن بعضاً من مهامنا الأساسية يصعب عليها أن تلاقي الثناء والإطراء مثل سياسات وإجراءات الرسوم أو سياسات البحرنة أو سياسات انتقال العمالة الوافدة, خاصة أنها سياسات هدفها المساهمة في إحداث تغيير وليس الإبقاء على الوضع الراهن وإلا لما كانت هناك حاجة للإصلاح من الأساس.

مسئوليات الهيئة في تنفيذ أهداف إصلاح سوق العمل تتمثل في العمل على تقليص فجوة تكاليف العمل بين البحريني والعامل الوافد وليست سياسات وإجراءات الرسوم إلا أداة من تحقيق غاية جعل البحريني الخيار المفضل للتوظيف عبر وضع إطار عادل للمنافسة في سوق العمل. لماذا نكرر مثل هذا الكلام الآن؟

لأننا نعتقد بأنه في خضم الانتقادات الموجهة لسياسات الرسوم تم إغفال – سواء بقصد أو من غير قصد – أهداف هذه السياسات. ونعتقد بأنه لو كانت القناعة قوية بهذا الهدف من منطلق المسئولية الاجتماعية ورفع الإنتاجية لكانت هناك مطالبات بزيادة الرسوم لا وقفها أو تخفيضها, لأن حجم الفجوة لازال كبيرا (بلغت 194 دينارا في أواخر 2008 في القطاعات التي تميل فيها الكفة لصالح العمالة الوافدة).

المسألة الهامة باعتقادنا ترجع إلى أسلوب تعاملنا مع موضوع العمالة الوافدة الذي يحتاج إلى مراجعة نقدية بناءة. إذا كنا كمجتمع يدرك بوضوح مخاطر الاعتماد المطلق على العمالة الوافدة وانعكاسات زيادة أعدادها على تركيبة مجتمعنا الديمغرافية والتكاليف العالية المرتبطة بهذه الزيادة, ألا يكون من الأجدى تقليص الطلب عليها من الأساس وتكييفه ليكون قادرا على توظيف العمالة المواطنة في وظائف ذات إنتاجية عالية وأجور لائقة تكفل لهم سبل العيش الكريم في وطنهم؟
 
في ظروف غيوم الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت بمد ظلالها القاتمة على مختلف اقتصاديات العالم المتقدم والنامي, نلاحظ أن هناك توجها عاما نحو تقليص الاعتماد على العمالة الوافدة, وأصبح العالم يتحدث عن تغير في مسارات الهجرة باتجاه عودة العمال الأجانب إلى بلدانهم, بل أن بلدا مثل اسبانيا على سبيل المثال قد استحدث برنامجا يتم بموجبه منح أربعة عشر ألف دولارا للشخص الواحد من العمال الأجانب لديهم لمغادرة البلد, ورصدت الحكومة الاسبانية ميزانية لهذا البرنامج يمكن أن يستفيد منها مئة ألف عامل أجنبي هناك.
 
تقليص أعداد العمالة الوافدة، لا تخفيض الرسوم أو وقفها، هو ما نحتاج إلى أن نقوم به في ظل ظروف الأزمة الاقتصادية العالمية, بل علينا أن ننتهز فرصة الأزمة لتغير نمط توليد الوظائف المعتمد على عمالة وافدة غير ماهرة ومتدنية الأجور, بحيث لا يكون هناك عامل مواطن مؤهل وعاطل مقابل عامل وافد يعمل وغير مؤهل. ويوفر واقع سوق العمل بمملكتنا أمثلة عديدة على أنه حيث تكون هناك وظائف ذات أجور لائقة وفرص للتدريب والتطور الوظيفي فإن البحريني هو أول من يكون قادرا على شغلها بكفاءة وإنتاجية عالية.
 
إن الحديث عن “إفلاس” و “انهيار” المؤسسات الصغيرة أمر يثير القلق لدينا بالفعل, فجميعنا يعلم مدى الأهمية الاقتصادية الكبيرة لهذه الفئة من المؤسسات. ولكن حتى لا ننجرف وراء سياسات قائمة على “التكهنات” أو “التخمينات” ينبغى أن ندعم هذا الحديث بالحقائق والوقائع.

ندرك تماما صعوبة النقاش حول وضع المؤسسات الصغيرة خاصة في ظل عدم وجود تعريف معتمد وواضح على المستوى الوطني لحجم ما يسمى “مؤسسة صغيرة”. هل هي المؤسسات ذات العمالة الأقل من خمسة عمال – عشرة عمال – عشرين عاملا؟ صندوق العمل (تمكين) على سبيل المثال يعرف المؤسسات الصغيرة بأنها التي تشغل أقل من مائة عامل، في حين تعتمد الهيئة على اعتبار المؤسسات الصغيرة هي تلك التي لديها أقل من عشرة عمال، مع العلم بأن مؤسسات حكومية أخرى لديها تصنيفات أخرى للمؤسسات الصغيرة.

ما هي المؤشرات التي تعتمد عليها الهيئة في رصدها لواقع المؤسسات الصغيرة في سوق العمل؟
هناك مؤشران مهمان باعتقادنا: الأول هو مؤشر حجم ومعدل نمو تصاريح العمل الجديدة للمؤسسات الصغيرة, والثاني هو مؤشر إنشاء وإغلاق المؤسسات حسب بيانات وزارة الصناعة والتجارة.

لاحظنا من خلال رصد حركة تصاريح العمل منذ تدشين الهيئة لخدماتها بأن ما نسبته 32% من تصاريح العمل الصادرة تؤول للمؤسسات الصغيرة. وبالمقارنة بعدد العمالة الوافدة في فئة المؤسسات الصغيرة نجدها تشكل 28% من إجمالي العمالة الوافدة وهو ما يؤكد على نمو المؤسسات الصغيرة بوتيرة أسرع منه لدى المؤسسات التي لديها عمالة أكثر من 10 عمال هذا بالإضافة إلى أن البيانات المتوفرة للهيئة تشير إلى أن العمالة الوافدة في المؤسسات الصغيرة في ازدياد منذ يوليو 2008 في المقابل كانت في تناقص من يوليو 2007 وهو ما يعني بأن المؤشر قد تغير من الانخفاض قبل أن تقوم الهيئة بتقديم خدماتها إلى الزيادة وهو ما يتناقض مع مبدأ تقلص هذه الفئة من المؤسسات. ولإدراك نوعية طلبات تصاريح العمل الجديدة يمكننا أن نلاحظ أن 40% من إجمالي الطلبات كانت لعمال شغيلة غير ماهرة وهو ما يعني استمرار أصحاب الأعمال على الاعتماد على العمالة الهامشية.

أما مؤشرات تأسيس وإغلاق المؤسسات خلال فترة الستة شهور الماضية تبين لنا أن الحركة طبيعية ولا يشوبها أي تغير مفاجئ أو ارتفاع غير طبيعي في أعداد إغلاق المؤسسات وفق بيانات وزارة الصناعة والتجارة. سنرحب بأي اقتراح من قطاع الأعمال يمكن أن يساهم في رصد واقع المؤسسات الصغيرة بأسلوب أدق ومنتظم.

أعتقد أنه من المهم الإشارة إلى أن عملية إصلاح سوق العمل تتميز عن الجهود السابقة في أنها تسعى إلى إحداث تغيير ذي أمد طويل, وأن هذا التغير رهن بتكامل سياسات الإصلاح والتوافق بين أطراف الإنتاج على الالتزام بهذه السياسات وعدم إبطاء مفعولها وإضعافها. سيكون التسرع في إصدار الأحكام النهائية غير منصف خاصة أن مجلس إدارة الهيئة قد أكد في اجتماعاته على أهمية رصد مؤشرات السوق بانتظام للوقوف على تحولات غير طبيعية ومفاجئة، ومن أجل ذلك عمدت الهيئة إلى تصميم وبناء قاعدة بيانات دقيقة وشاملة عن العمالة الوافدة مقترنة بالبيانات البيولوجية من بصمات الأصابع والتوقيع والصورة الشخصية ومدعومة بالوثائق الثبوتية المحفوظة إلكترونياً، مما يجعل هذه المعلومات، الموجودة الآن، مفتاحاً رئيسا في اتخاذ قرارات على المستوى الوطني فيما يخص العمالة الأجنبية ومن يلتحق بهم من أفراد عائلاتهم.
 
في الختام نود التأكيد على أن إصلاح سوق العمل سيشكل مساهمة أساسية في تحقيق الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030, وذلك يتطلب تعزيز الالتزام بأهداف الإصلاح الاقتصادي وتقوية الحس العالي بالمسئولية الاجتماعية تجاه استفادة البحرينيين من نتائج النمو الاقتصادي. ويعني ذلك أيضا تحقيق التوازن بين مصالح القطاع الخاص في النمو ومصالح العمالة البحرينية في الاستفادة من فرص العمل الناجمة عن هذا النمو.