أسواق العمل الخليجية تحتاج إلى إصلاحات هيكلية

قال تقرير حديث للبنك الدولي إن التطورات السكانية العالمية ستؤدي إلى زيادة كبيرة في حركة انتقال العمالة خلال العقود المقبلة، ومن بينها أسواق العمالة في الخليج التي تحتاج إلى إصلاحات هيكلية لأن الإصلاحات الداخلية التي تهدف لتحفيز النمو وخلق الوظائف هي فقط التي يمكن أن تساعد بلدان المنطقة على التعامل مع الزيادة المطردة في أعداد الشباب. وفي الوقت ذاته أكد التقرير الذي نشرته صحيفة الاقتصادية السعودية أمس السبت أن عددا من الإصلاحات المطلوبة في السياسات والمؤسسات بالداخل لتشجيع خلق الوظائف في القطاع الخاص وتعزيز نمو إنتاجية العاملين ينسجم مع الإصلاحات المطلوبة لجذب الوظائف إلى المنطقة واقتناص الفرص في أسواق العمالة العالمية.

وأظهر التقرير الذي أصدرته إدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي بعنوان: “رسم ملامح المستقبل منظور طويل المدى لانتقال الأشخاص والوظائف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” أنه بحلول عام 2050 يمكن أن يصل الانخفاض في قوة العمل في بعض المناطق إلى ما إجماليه 215 مليون عامل فيما قد تشهد مناطق أخرى زيادة تتجاوز 500 مليون عامل.
في الوقت نفسه حذر خبير خليجي في أسواق العمل، من أن أسواق العمل الخليجية تواجه تحديات كبيرة ناجمة عن الخصائص الفريدة التي تتميز بها هذه الأسواق بالمقارنة ببقية دول العالم الأخرى.ومن ضمن النتائج التي توصل إليها التقرير أن الطلب على المهارات على مستوى العالم سيتطلب مؤهلات أعلى على كافة المستويات المهنية، ومع ذلك فإن المناطق التي تتمتع بوفرة في الأيدي العاملة ومن بينها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب الصحراء وجنوب آسيا ليست مستعدة بعد لتلبية هذا الطلب العالمي.
وفي هذا الصدد أشارت الكاتبة الرئيسية للتقرير ليلى زلاوي إلى أن مثال منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا واضحا بشكل خاص، فبحلول 2050 من المتوقع أن تشهد قوة العمل في أوروبا تراجعا بنحو 66 مليون شخص بينما يتجاوز نمو القوة العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 40 مليونا. وعلى مدار العقدين المقبلين، سيبلغ الطلب على المهارات المتوسطة في أوروبا ذروته.
وأضافت زلاوي إن تحسن نواتج التعليم وإسهام المرأة في القوة العاملة يمكن أن يزيد من قدرة العاملين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على اقتناص فرص التوظيف التي تتيحها السوق الأوروبية.
وأوضح التقرير إلى أن الهجرة ليست العلاج الناجع لمشكلات البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث تحتاج اقتصاديات المنطقة إلى خلق أربعة ملايين فرصة عمل سنويا. وأكد ان الإصلاحات الداخلية التي تهدف لتحفيز النمو وخلق الوظائف هي فقط التي يمكن أن تساعد بلدان المنطقة على التعامل مع الزيادة المطردة في أعداد الشباب.
وفي الوقت ذاته شدد التقرير على أن عديدا من الإصلاحات المطلوبة في السياسات والمؤسسات بالداخل لتشجيع خلق الوظائف في القطاع الخاص وتعزيز نمو إنتاجية العاملين تنسجم مع الإصلاحات المطلوبة لجذب الوظائف إلى المنطقة واقتناص الفرص في أسواق العمالة العالمية. وبالرغم من أن الهجرة تحتل مكانة بارزة على جدول أعمال السياسات الدولية اليوم إلا أن التركيز لا يزال منصب في المقام الأول على هجرة العمالة التي تتمتع بمهارات عالية وسياسات التكامل والمخاوف الأمنية. وعلاوة على ذلك وبحسب التقرير يتطلب الاستعداد للمستقبل تغييرات واسعة في مجالات التعليم والتدريب والحماية الاجتماعية وأسواق العمل وسياسات الهجرة في البلدان المرسلة والمستقبلة على حد سواء، مشيراً إلى أن السياسات الخاصة بانتقال العمالة سوف تشهد تعديلات مع تزايد الطلب العالمي على العاملين.
ومع ذلك لفت التحليل الوارد في التقرير إلى أن المعروض من المهارات قد يبقى عائقا مع الأخذ في الاعتبار طول الوقت المطلوب لتدريب العمالة الماهرة. وأضافت زلاوي أن: “تنمية المهارات عملية تدريب طويلة الأمد تبدأ بتعليم الطفل فأطفال اليوم هم من سيشكلون قوة العمل عام 2030 وستولد قوة العمل لعام 2050 وتتلقى تدريبها خلال الفترة المقبلة التي تتراوح بين 10 أعوام و20 عاما، فالتدريب من أجل سوق العمل العالمي لعام 2030 وما بعده يجب أن يبدأ الآن”.
من جهة أخرى قال الخبير في هيئة تنظيم سوق العمل في البحرين محمد دويتو أن موقع دول مجلس التعاون الخليجي في الخريطة الدولية للهجرة يتسم بمجموعة من السمات الخاصة الفريدة من نوعها، فالهجرة في هذه المنطقة الحيوية من العالم، ناجمة عن وضع معين لأسواق العمل فيها، تطور ضمن سياق تاريخي واقتصادي محدد، وعلى الرغم من سعي هذه الدول خلال العقود الماضية لتخفيض أعداد العمالة المهاجرة لديها، إلا أن جهودها لم تحقق النتائج المتوقعة.
ودعا ذلك إلى مراجعة نقدية بناءة لمفهوم هجرة العمالة “المؤقتة “ السائد لوصف العمالة المهاجرة في دول المجلس، ومدى ملاءمته لطبيعة الاعتماد على العمالة ، وخصوصا أن جميع أنواع أنظمة الاستقدام مبنية على كون الحاجة “مؤقتة”، وهي أنظمة بحاجة إلى التحديث ضمن سياسة واستراتيجية واضحة تجاه موضوع الهجرة وفق منظور تنموي يهدف إلى استقطاب الكفاءات والمهارات المكملة للموارد البشرية الوطنية المتوافرة، خاصة في أوساط الشباب والنساء من الداخلين لأول مرة إلى سوق العمل . وقال دويتو إن دول مجلس التعاون الخليجي تقف أمام خيار المبادرة لاعتماد مبدأ الوقاية من المخاطر بدلا من انتظارها، ويمكن الاتفاق على أطر العمل الممكنة بين البلدان المصدرة للعمالة وتلك المستوردة للعمالة ، بناء على مجموعة من القيم والمبادئ المتفق عليها بين المجموعتين.