البشر… البضاعة غير الشرعية الأكثر ربحا


عبيدلي العبيدلي

رغم ارتفاع صوت المدّعين بانقشاع غيوم الأزمة المالية العالمية، إلا أنها وتداعياتها لا تزال تسحب ذيولها على الأوضاع الاقتصادية في الكثير من مناطق العالم، وخاصة تلك التي لاقتصادياتها علاقات مباشرة وثيقة مع الاقتصاد الأميركي، مثل بلدان الشرق الأوسط. وفي المراحل التي تشتد فيها الأزمات المالية، تطل برؤوسها مافيات التجارة غير الشرعية مثل الأسلحة والمخدرات، إلى جانب البشر الذين يتحولون إلى بضاعة تتلاعب بمصائرهم عصابات وصل نفوذ بعضها إلى مراكز عالية في أجهزة السلطات الحاكمة، وخاصة في بلدان العالم الثالث.

ومؤخرا نقلت وكالة انتر بريس سيرفس تحذيرات جديدة أصدرتها مجموعة من منظمات حقوقية، وعالمية أجمعت على «ارتفاع عدد الرجال الذين يقعون ضحية عصابات الإتجار بالبشر، وخاصة في بعض دول أوروبا الشرقية، لإجبارهم على العمل في أحوال تقارب العبودية، فيما تقهر النساء على ممارسة الدعارة أساسا». ولفت مدير الإعلام بمكتب منظمة الهجرة الدولية في بروكسل جان فيليب شوزي، إلى أن الأمر يتعلق «بمشكلة متنامية، ولم يبذل الجهد الواجب للتوعية بقضية الإتجار في الرجال»، مضيفا أنه «لابد من توعية الأهالي كوسيلة لمساعدة الضحايا».

والحديث هنا ليس عند مئات الآلاف من البشر هنا أو ملايين الدولارات هناك، إذ إن الإتجار بالبشر – كما تقول منظمة الهجرة الدولية في بروكسل – قد تحوّل اليوم إلى «تجارة عالمية ضخمة تتعامل بمليارات الدولارات، فيما يقدر عدد البشر الذين يقعون ضحية هذه التجارة ببضعة ملايين كل عام، وقد أصبح الرجال – دون التقليل من ما تعاني منه النساء – يمثلون نسبة عالية منهم». لقد نمت هذه التجارة كي تصبح، كما يقول عنها تقرير منظمة العمل الدولية أيضا «أكبر تجارة غير شرعية في العالم، حيث تقدر أرباح استغلال النساء والأطفال جنسيا بـ28 مليار دولار سنويا، كما تقدر أرباح العمالة الإجبارية بـ 32 مليار دولار سنويا، وتؤكد المنظمة أن 98 في المئة من ضحايا الاستغلال التجاري الإجباري للجنس هم من النساء والفتيات، ويتعرض نحو 3 ملايين إنسان في العالم سنويا للاتجار بهم، بينهم 1.2 مليون طفل، وينقل ما يتراوح بين 45 ألفا و50 ألفا من الضحايا إلى الولايات المتحدة الأميركية سنويا».

وتمتد هذه التجارة البغيضة في كل أرجاء المعمرة، ففي فرنسا الذي أطلق وزير الهجرة فيها أريك بيسون في مطلع هذا العام تحذيرا لعصابات المافيا العالمية تحذيرا يدعوهم فيه الكف عن استغلال المقيمين فيها، ملوِّحا بإمكانية اللجوء إلى إجراءات «تتوافق مع اللائحة الأوروبية الصادرة في العام 2004 والتي تضمن للمهاجرين غير الشرعيين إمكانية الإبلاغ عن تجار البشر، وفي المقابل سيحصلون على تقنين وضعهم كنوع من المكافأة وتصريح إقامة مؤقت». وكما يبدو أن صحوة الضمير الفرنسي هذه جاءت متأخرة بعض الشيء، فالكل يذكر الفضيحة التي تناقلتها وسائل الإعلام الفرنسية في العام 2007، والتي أثارت إدانات واسعة في صفوف المنظمات الخيرية، بعد أن تم «اكتشاف محاولة جمعية فرنسية غير حكومية تهريب أكثر من 100 طفل من إقليم دارفور المضطرب بغرب السودان من أجل ضمهم بالتبني لعائلات فرنسية مقابل أموال طائلة». أما في إسبانيا فيقدر تقرير صادر عن «اتحاد المرأة التقدمية» فيها «عدد الأجنبيات المجبرات على ممارسة الدعارة في إسبانيا بنحو 40,000 ، (الأمر الذي حمل) حكومة مدريد على صياغة قانون ينص على مصادرة ممتلكات وأموال العصابات التي تتاجر بالبشر لأغراض الجنس». حتى دولة مثل الصين لم تنجُ من شباك هذه التجارة، ففي مطلع هذا العام تم الحكم «على 15 صينيّا من تجار البشر بالسجن لمدد تصل إلى 11 عاما في مقاطعة شاندونغ شرقي الصين بتهم تهريب 111 شخصا قاموا بتهريب أشخاص إلى «إسرائيل» وجمهورية كوريا وماكاو ومقاصد أخرى بين العام 2006 ومطلع 2008».

أما على المستوى العربي فقد كشف التقرير الأميركي الصادر في العام 2006 عن «انتشار الاتجار بالبشر في 139 دولة بينها 17 دولة عربية، من بينها بعض الدول الخليجية»، ففي مصر على سبيل المثال، ينقل موقع «إيجبيت.كوم» قرار محكمة جنايات جنوب القاهرة بتأجيل «النظر في محاكمة المتهمين في قضية عصابة الإتجار بالبشر ببيع وشراء الأطفال حديثى الولادة، بغرض التبنّي، وهو الأمر المحظور قانونا في مصر».

وعلى مستوى مجلس التعاون الخليجي نجد وزير الشئون الاجتماعية والعمل الكويتي محمد العفاسي يذهب إلى الحد الذي يقول فيه إنه لا يخشي أن يكشف من هم تجار البشر، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة كشف تقرير صدر مؤخرا عن اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر يؤكد «تسجيل 10 قضايا متعلقة بجرائم الاتجار بالبشر حتى نهاية العام 2008. وتم إصدار أحكام بالإدانة في خمس قضايا واجه المتهمون فيها عقوبات بالسجن تتراوح بين ثلاث و10 سنوات بسبب المساعدة أو التحريض على ارتكاب جرائم الاتجار بالبشر».

الظاهرة باتت عالمية، ولم يعد اللون أو الجنس أو النوع الاجتماعي، أو العمر عائقا أمام تلك المافيات الباحثة عن الربح السريع والمتخفية وراء الكثير من المؤسسات بما فيها الخيرية، كما شاهدنا في حالة فرنسا التي ليست استثناء، كما لن تعد القوانين تشكل رادعا، لأنها هي الأخرى باتت عرضة لاحتيالات تلك المافيات القادرة على الالتفاف حولها.

وإلى أن يضع الإنسان حدّا لهذه التجارة البغيضة يستمر الإنسان ذاته البضاعة الأكثر ربحية في هذه التجارة غير الشرعية.