الإنسانية ثقافة بحرينية

بقلم: هناء الصفار

مديرة الاتصال بهيئة تنظيم سوق العمل

نحتفل اليوم الموافق 30 من يوليو مع دول العالم باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2013، ويأتي احتفالنا هذا العام بطعم متميز، إلا وهو تجديد الثقة الدولية بمكانة البحرين على الخارطة الدولية في مجال مكافحة هذه الجريمة، والتأكيد على ريادتها في خلق المشاريع الكفيلة بالتصدي لهذه الجريمة وإيجاد الآليات التي تمكن الضحية أو المشتبه بتحوله إلى ضحية من الحصول على كافة الوسائل التي تضمن حقه.

مملكة البحرين وإن كانت الأولى والوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تحقق الفئة الأولى بتقرير وزارة الخارجية الأمريكية المتعلق بتصنيف الدول في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص، إلا أننا وبكل صراحة لم نقم بإعادة اختراع العجلة، ولم نقم بإعادة بناء ثقافة وأخلاق مجتمعنا، لأنها ببساطة جزء من ثقافة ودين وأخلاق مجتمعنا المبنية على التسامح والتعاون والرحمة، وإن كان هناك استثناءات وهي حالة طبيعية لا ننكرها.

المتتبع لوضع العمالة الوافدة في المملكة يلحظ بصورة جلية أسلوب التعامل الراقي مع هذه العمالة سواء في القطاع التجاري أو بالقطاع المنزلي، ويمكنه أن يسجل عددًا من القصص الإنسانية المفعمة بالرحمة والطيبة الخالصة التي يشتهر بها شعب البحرين أضعاف عدد حالات الإساءة.

فعلى سبيل المثال ومن خلال تجربة شخصية، أثناء ترددي على أحد المستشفيات الخاصة، وجدت امرأة بحرينية تدخل وتخرج من إحدى الغرف، وأثناء تبادل الحديث روت أن المريضة التي تقوم بمتابعة حالتها هي عاملتها المنزلية، والتي تعمل لديها منذ العام 1993 أي مدة 24 عامًا، مضيفة، أنها تعد جزءًا من أهل البيت فهي التي ساهمت في تربية الأولاد وإدارة شؤون المنزل على مدى السنوات الماضية، هذه لمحة من تعامل إحدى الأسر مع عاملة تقديرًا وعرفاناً بجهودها ورحمة بها، فحرصت على توفير العلاج لها بالقطاع الخاص وتحمل تكلفته وهي غير ملزمة بذلك.

وهناك قصص ليس آخرها دعوة إحدى الأسر لعاملتها المنزلية السابقة للحضور من بلدها إلى البحرين لتحضر حفل زفاف أحد أبنائها الذي أشرفت على تربيته، وأسر أخرى تحتفل بعيد ميلاد العاملة وغيرها من القصص التي لا تتسع هذه الزاوية لسردها، والتي تظهر المعدن الطيب لشعب البحرين ومدى الرحمة والعطف الذي يفيض به على الآخرين بغض النظر عن المكانة الاجتماعية أو اللون والجنس للآخر.

ما قمنا به – كجهاز حكومي – على مدى السنوات الماضية تمثل في أننا أبرزنا هذه الثقافة المجتمعية من خلال التعاون مع وسائل الاعلام إيمانًا بأنها اللسان الفصيح المعبر عن فكر وثقافة وأخلاق أي شعب، والمرآة العاكسة للمشهد بكافة تفاصيله، والشريك الرئيس لنجاح أي مشروع والوسيلة الأقرب لإيصال المعلومة وترسيخها في ذهن المتلقي.

وقد أثمرت الجهود المشتركة مع الإعلام إيجابًا على إظهار حجم الوعي الذي يتمتع به المجتمع البحريني، وهو ما ينظر إليه العالم بعين الاهتمام، ويرى فيه دليلًا على أن كافة الجهود المبذولة تأتي وفق استراتيجية متكاملة ورؤية موحدة من القيادة السياسية إلى الشعب، وأن هذه المشاريع تعكس اقتناعًا شعبيًا بها وليست حبرًا على ورق أو ذرًا للرماد في العيون.

اليوم نحن أمام تحدٍ جديد، وهو يتمثل في تصحيح بعض الممارسات والأفعال التي قد لا تكون بنية الاساءة أو الاستغلال، ومنها على سبيل المثال المنع من الخروج من المنزل حرصا على حمايتها من التعرض لأي مضايقات، هذه الممارسات والتي لا تصاحبها نية الاساءة والاستغلال لا تعد اتجارا ولكنها مخالفة للقانون ومتى ما ترافقت معها النية السيئة فتتحول إلى اتجار… التحدي اليوم زيادة إدراك المجتمع وتعريفه ببعض هذه الممارسات ونحن على ثقة بأن غالبية المجتمع ستتجنبها مباشرة لأن احترام حقوق الآخر تعد جزءًا من ثقافتهم وأخلاقهم ودينهم.