خطر يتفاقم ويهدد صميم المجتمع … (2 – 2)

مها الصالحي:
واستكمالا لتحقيقنا عن هذه الظاهرة، التقينا الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل أسامة العبسي الذي قال: إن القانون عرّف هذه العمالة لمن لا يعمل في المؤسسة التي صدرت له منها الترخيص، بل في أماكن أخرى غير مصرح له العمل فيها، وعادة ما نوعز هذه العمالة إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى: عمال مسجلون على مؤسسات لم تعد قائمة لأي سبب كان، مثلا هناك مؤسسات قامت على أساس جلب العمال وعند وصولهم أقفلت، أو مؤسسات كانت قائمة وقانونية، ثم لظرف اقتصادي لم يستمر العمل فيها، والعمال الموجودون يتركهم صاحب العمل” ليسترزقوا” من أماكن أخرى أوفر له من شراء تذاكر سفر لكل عامل، لنفرض كانوا عشرة، لو اشترى تذاكر سعر التذكرة 120 دينارا معدل هؤلاء سيكون نحو ألف ومئتي دينار، فيفضل الأسهل أن يتركهم في السوق من التسفير، وهؤلاء يعدون ضمن المؤسسة غير القائمة، وتعدادهم 30 ألف عامل.


الفئة الثانية: العمالة التي تركت العمل من رب عملهم من دون إنذار وتسربت إلى السوق وهؤلاء عددهم 11 ألف عامل.
لكن الخطورة في الفئة الثالثة التي نعتبرها الأخطر، وهي تلك العمالة التي تسربت إلى السوق بموافقة صاحب العمل، أي أن صاحب العمل لديه مؤسسته القائمة، لكن عماله بالاتفاق معهم يعملون في السوق خارج مكان المتفق عليه في العقد، وهذا العامل يدفع عنه الرسوم والتجديد ولم يبلغ عنه. إذن هو نظامي من كل الجوانب، لكن وجوده في السوق يعتبر من العمالة غير النظامية، وهذا العدد كتخمين من حملاتنا التفتيشية، لكن يظل الرقم تقريبي بين 25 إلى 30 ألف عامل.

وردا على سؤال هل الهيئة مقصرة؟ يقول العبسي: جوابي أن الهيئة لم تقصر، لكن من الممكن أن تعمل المزيد، ولا نقول إننا مكتفون بما قدمنا من عمل، مادام هناك عامل متسرب في السوق، فلابد لنا من بذل مزيد من الجهد في العمل واجب القيام به، فمبدأ التقصير سأتركه لأقول تحت أي قوانين نحن نتعامل ونحدد ما هي الآليات الموجودة عندنا”.

ويستطرد العبسي “اليوم مسؤول المفتشين مع فريق المفتشين الموجودين لا يستطيع القبض على أحد، والسبب بسيط، ليست لدينا صلاحية لتحديد حرية أي عامل، ولأجل أن يتم ذلك لابد من وجود رجل أمن كي يقوم بهذه العملية، ومن ثم استكمال الإجراءات لتسفيره، لكن المهمة الموكلة لجهتنا هي تحرير المخالفات، وتغريم صاحب العمل الذي يسمح للعامل بالعمل في السوق برضاه، أو يحرر رخصة لعامل أو مجموعة عمال ويتركهم يسترزقون كيفما شاءوا، وعند حصول ذلك نقوم بتغريمه 1000 دينار على كل عامل، هذا إذا كانت للمرة الأولى، مع الحبس ثلاثة أشهر، وفي حال تكرارها تتضاعف الغرامة، ولو كان عشرة عمال مخالفين لدى صاحب العمل ستكون الغرامة 10 آلاف دينار كتراضٍ قبل أن تدخل كقضية في المحكمة”.

المشكلة في الإيواء
إذن، والحديث للعبسي “في حال أردنا القبض على أي عامل لابد أن تكون معنا قوة أمنية، وثانيا يجب أن تكون هناك طاقة استيعابية في مراكز الإيواء؛ لأنهم ليسوا بسجناء، فلا يجوز القبض عليهم وزجهم مع المجرمين الواجب إيواؤهم في مراكز خاصة وتجهيزهم بما يلزم لاستكمال الإجراءات حتى شراء التذاكر ومن ثم تسفيرهم”. ولو وجدت هذه القوة التي لم تمانع وزارة الداخلية من توفيرها، إلا أن مراكز الإيواء هي بحد ذاتها مشكلة في حال امتلائها.

سوق سوداء
يضيف “نحن نتكلم عن تجارة قائمة عن سوق سوداء موجودة، فإذا أردت أن أقبض وأرِّحل عاملا مخالفا لا أعالج الأعراض فقط وأترك المرض، فهذه “السوق” ناتجة عن عوامل كثيرة بعض العوامل ممكن السيطرة عليها والبعض الآخر نسعى للضغط عليها، لكن اليوم بإمكان أي شخص أن يستخلص سجل تجارة ويتقدم إلينا ويقول أنا مواطن بحريني لدي مؤسسة أو مشروع، واحتاج عمالا، وما علينا إلا أن نعطيه عدد العمال الذي يغطي نشاطه؛ لأننا لا نفرض سوء النية، فلابد من تلبية احتياجات مؤسسته حتى يحدث العكس”.

مسجلة ولا تعمل
وقال العبسي: “إن البحرين فيها أكثر من 65 ألف سجل تجاري، نسبة منه للمقاولات، فالبحرين وعلى لسان رئيس لجنة المقاولات سمير عبدالله ناس في مقابلة على شاشة التلفاز قال فيها 10 آلاف سجل مقاولات، فإذا افترضنا أن عدد سكان البحرين تقريبا 600 ألف مواطن، ستكون هناك شركة مقاولات لكل 60 مواطنا سواء كان طفلا أو امرأة أو رجلا، والمعروف أن سجلات المقاولات هي السجلات الأكثر التي تستخدم فيها العمال، فهل نحتاج هذا العدد من المقاولين؟ وعلى لسان سمير ناس أيضا أضاف العبسي، هناك أقل من 300 مؤسسة مقاولات مسجلة لدى المجلس النوعي للتدريب في قطاع المقاولات. وبالتالي هي التي تعمل، ورغم أني أرى أن مؤسسات المقاولات المسجلة، والتي تعمل أكبر من هذا العدد، لكن مهما ارتفع العدد، فلا يصل في أحسن الحالات إلى 15 % من المؤسسات عاملة.

سجل مرغوب
لماذا سجل المقاولات محبوب لدى الكثيرين؟ يجيب العبسي “محبوب لسببين. الأول كثرة عدد العمال الأجانب التي يعملون عليه أي الرخص المطلوبة له أكبر بكثير من عدد الرخص للمحال الأخرى، وثانيا لأن طبيعة نشاط العامل في قطاع المقاولات غير ثابت، ففي حالات التفتيش المفاجئة لهذا النشاط، ونسأل عن العمال يكون العذر متوفرا، وهو أن العامل في موقع العمل، أي أن مكانه متحرك وغير ثابت بخلاف المحال التجارية، وبهذا لا نستطيع أن تضبط مخالفات هذا القطاع بسهولة.

وردا على سؤال هل للهيئة السلطة في القبض على أحد العمال غير النظاميين يعمل في الشارع؟” يؤكد العبسي “نحن بلد قانون لا يمكن أن أقبض على أي شخص يحمل بيديه شيئا يبيعه، ولا أقبض عليه في حال تنظيفه لسيارة حتى أمسكه وهو يستلم من الآخر مبلغا من المال، لكن أقول مهما عمل قسم التفتيش ومهما نسقنا مع الداخلية والبلديات والمرور والصحة المختصة بجهة المطاعم والسياحة ورغم أننا نخرج بعشرات الحملات سيبقى الوضع كما هو؛ لأننا نتعامل مع الأعراض ولا أحد يتعامل مع أساس المرض الذي أصبح أرضية خصبة لانتعاش السوق السوداء، خصوصا مع أعداد السجلات التي ترخص سنويا ما يزيد الوضع تعقيدا”.
ما المطلوب من الهيئة؟ يتساءل العبسي، هل المطلوب منها أن تكون جهة بوليسية؟ فإذا حققنا بكل طلب من طلبات التراخيص، علما بأن هناك أكثر من 1200 طلب لتراخيص العمال في اليوم الواحد، فلابد لي من جيش من المفتشين ليغطي العملية! بعض أصحاب العمل عند فتح المشروع، يبقى في محله المستأجر ينتظر المفتشين، وبعد انتهاء المهمة ويصدر له الترخيص يغلق محله ويبيع التراخيص، وبالتالي لا أستطيع أن أثبت شيئا أثناء عملية التفتيش، لهذه الأسباب نحتاج تدقيقا أكبر على إصدار السجلات التجارية.

وأكد العبسي، الذي يؤلم حقا أن أهداف الغالبية من طلبات السجلات هي لغرض استصدار تراخيص لعمالة، أو لبيع هذا السجل على أجانب.
وأضاف رغم قناعاتي بالسوق الحرة، إلا أن البعض يسيء استخدامها مما يضر بالمواطن واقتصاده وأمنه الاجتماعي وتسبب ضغوطات على السوق، لهذا أقول مع نظام السوق الحرة لابد أن يواكبها مجموعة قوانين تضمن عدم استغلال هذا النظام.

أسباب للانتحار
ويستطرد العبسي قائلا إن سعر الرخصة في السوق وصل إلى 1600 دينار، فاذا استخرجت شركة مقاولات 20 رخصة عندها سنتكلم ببيعها عن 32 ألف ألف دينار، وكمعلومة أن أهم حوادث الانتحار للعمالة الأجنبية هي من شراء التأشيرة (الفيزة)؛ لأن العامل عند شرائها من صاحب العمل، يستدين من المرابين ويبيع ما يملك على أساس أن هذا المبلغ سيعوضه في الأشهر الأولى من العمل في البحرين، وعندما يصل يرسله صاحب العمل إلى الشارع؛ كي يسترزق بنفسه، ويطلب منه مبلغا شهريا مع تهديده بالترحيل إنْ تأخر عن الدفع. من جانب آخر يبدأ المرابون في بلدانهم بالضغط على عائلته في المطالبة بمبلغ الدَّين، ولكنه لا يستطيع تغطية هذا المبلغ، وأن الدَّين لا يسقط إلا بموت صاحبه، لهذا يقدم على الانتحار.

نصف السجلات وهمية
وأضاف، كل العمالة غير النظامية جاءت عن طريق التأشيرة (الفيزة) باستثناء الشركات التي كانت تعمل وأفلست، ولا ننسى أن العاملين في الهيئة نحو 260 عاملا، بالمقابل هناك 30 ألف صاحب سجل يفكرون في البحث عن طرق للضحك على موظفينا، وهذا هو نصف عدد السجلات المسجلة، فالنصف الآخر استخرج لبيع التأشيرات (الفيز)، أو لتأجير السجلات على أجانب.

اعتماد الاقتصاد الحر
وعن سؤالنا وزارة الصناعة والتجارة عن الأعداد الكبيرة لرخص المقاولات، قالت وزارة الصناعة والتجارة لـ البلاد: “كقطاع تجارة محلية بوزارة الصناعة والتجارة نود أن نوضح أن من مهامنا الأساسية هي إيجاد التسهيلات، ووضع الإجراءات اللازمة لتسهيل وتيسير عملية تسجيل السجلات التجارية بشكل عام، والرقابة عليها؛ للتأكد من ممارسة الأنشطة المسوح لها حسب الأنظمة واللوائح تماشياً مع توجهات وسياسات مملكة البحرين باعتمادها الاقتصاد الحر، وسعيها لتكون المكان المناسب لاستقطاب الاستثمارات، وذلك بتسهيل إجراءات تسجيل السجلات التجارية. وهذا واجب قانوني ووطني ومسئولية هيئة تنظيم سوق العمل القيام بواجبها حسب القانون وبدون اتهام. وفيما يتعلق بسجلات المقاولات تحديداً، لقد تلمست الوزارة من خلالها تعاونها مع جميع الجهات الرسمية المعنية، ومنها هيئة تنظيم سوق العمل ووزارة الأشغال والإسكان ووزارة البلديات ووزارة العمل ولجنة المهن الهندسية وغيرها من الجهات المعنية. ولذا وضعت اشتراطات خاصة للسماح لتراخيص أنشطة المقاولات كافة، وتتمثل في القرار الوزاري الصادر عن وزير الصناعة والتجارة بتاريخ 16 أغسطس 2010 تحت رقم (72) لسنة 2010 بشأن شروط إصدار التراخيص التجارية لمزاولة أنشطة المقاولات وبعض الأنشطة الأخرى.

وأهم هذه الاشتراطات:

  1. توفر الملاءة المالية.
  2. الالتزام بتعيين مهندسين وفنيين وتسجيلهم لدى لجنة المهن الهندسية.
  3. اشتراط تسجيل السجل لدى وزارة الأشغال والإسكان، وأن يكون مستوفياً لاشتراطهم للتسجيل في الفئة (عدا مقاولات درجة ثالثة).
  4. في الترفيع لدرجة أعلى يجب تقديم كشف بالإنجازات السابقة ومواقع العمل ونسخ من العقود المبرمة (عدا مقاولات درجة ثالثة).
  5. تقديم تقرير مالي مدقق عند التجديد (عدا مقاولات درجة ثالثة).

كما اشترطت الوزارة بتوفير الآتي لجميع درجات المقاولات:

  1. شرط التفرغ.
  2. عدم قبول التوكيل.
  3. ألا يقل عمر صاحب الطلب عن 21 سنة.
  4. أن يكون لصاحب الطلب أو لأحد الشركاء مؤهل علمي لا يقل عن الثانوية العامة.
  5. أن يتم توفير عنوان اتصال متكامل.
  6. شرط التدرج من الدرجة الأدنى فالأعلى.

وهكذا نجد أن وزارة الصناعة والتجارة ممثلة بقطاع التجارة المحلية قد اتخذت كافة الإجراءات الاحترازية الممكنة؛ لتقنين إصدار السجلات التجارية وذلك بالتعاون مع كافة الجهات المختصة، ومنها هيئة تنظيم سوق العمل التي يبدو أن القائمين عليها الآن لا يتابعون محاضر الاجتماعات السابقة والمراسلات معهم. وكما أن ممثل هيئة تنظيم سوق العمل عضو في لجنة معوقات التسجيل التجاري وتبسيط الإجراءات التي تجتمع مع القطاع التجاري والمعنيين بالشأن التجاري من القطاعين العام والخاص بشكل منتظم. ولذا نستغرب تصريحهم بأن وزارة الصناعة والتجارة تقوم بالترخيص لأعداد كبيرة من سجلات المقاولات، ونعتبره كلاما غير موزون، وغير قائم على دليل.