خطر يتفاقم ويهدد صميم المجتمع … (2-1)

بين الحين والآخر تظهر على السطح قضية استقدام منفلت للعمالة الآسيوية دون حسيب أو رقيب، ثم يجري الحديث عن “هروب العمالة الوافدة”، وتأخذ هذه المشكلة في أحايين كثيرة ظاهرة مخيفة في المجتمع، ليس في مسألة مزاحمة البحرينيين في أعمالهم الدونية، مثل غسل السيارات وبيع السمك والخضراوات والفواكه في الشوارع العامة والمناطق السكنية، أو المخالفات في خدم المنازل التي اعتبرتها وزارة العمل أخيراً: “أن إيواءهم يعد جريمة”، وإنما الخطورة تكمن من تجار “الفري فيزا” الذين يتاجرون بالبشر، ويتركون هذه العمالة تتسكع في الشوارع بحثاً عن لقمة العيش بأي طريقة كانت، إلى حد انتشار جرائم السرقة وأعمال الفاحشة، وما إلى ذلك من مشاهد تبدو أن هذه المسألة أصبحت ظاهرة -فعلاً- مخيفة تهدد المجتمع في صميمه.

قبل كل شيء، ينبغي الإقرار أن هؤلاء العمال أو الخدم لم يأتوا البحرين عن طريق التهريب، وإنما جاءوا بتأشيرات رسمية عن طريق مطار البحرين الدولي ونقاط العبور الأخرى بكفالة رسمية تمت وفق الإجراءات المتبعة، سواء عن طريق الشركات والمؤسسات، أو المستحقين من الأشخاص العاديين. أما رميهم في الشوارع لا يأتي بتجريم هذه العمالة، بل بالأشخاص الذين جلبوهم، وتاجروا بهم مقابل مبلغ من المال؛ لتخليص معاملاتهم، فالمذنب الحقيقي في هذه الظاهرة ليس هؤلاء العمال البسطاء، بل المتاجرون بالبشر، ومن سمح لهم القيام بذلك، وتوفير التسهيلات لهم للحصول على كم هائل لهذه التجارة الرائدة التي بدأت تنخر عظم مجتمعنا وانتشارها بشكل ملحوظ رغم مخالفتها لـ “أنظمة وقوانين العمل في القطاع الأهلي”.

الأمور تبدو متداخلة ببعضها بعضًا، ولكن الجريمة المفترضة في الأصل تسجل ضد الذين كفلوا هؤلاء العمال للعمل في البحرين، ومن ثم يأتي الدور على الآخرين والجهات الأخرى التي تشجع هذه الظاهرة بالباطن والعلن عبر التعامل، وإيواء العمالة المسمى بـ “بتاركة للعمل” (حيث احتجت هيئة تنظيم سوق العمل على تسميتها بـ “الهاربة”، كما يبررها مدير إدارة التفتيش إبراهيم الفاتح، إن هذه العمالة ليست ممن ارتكب جريمة وهرب، بل هي لجأت إلى عمل آخر لأسباب عديدة). المهم أن التعاقد معها مقابل العمل لديهم بنظام العمل الجزئي أو الكلي توسع هذه المشكلة، وكأن الكل يساهم في تضخيمها وتستصعب بالتالي على كل الجهات المسؤولة ملاحقتها.
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل أسامة العبسي سيبقى الوضع كما هو ما دمنا نتعامل مع هذه الظاهرة بمعالجة الأعراض دون التعامل مع أساس المشكلة، معتبرها “سوقا سوداء” مع أعداد السجلات الهائلة التي تفتح سنويا، مع 1200 طلب يوميا لتراخيص عمل، وخصوصا سجلات المقاولات التي تتزايد، حيث أكثر من 10 آلاف سجل مقاولات في البحرين على لسان رئيس لجنة المقاولات سمير عبدالله ناس، أي شركة مقاولات لكل 60 مواطنا.

إذن هي مشكلة تتداخل فيها عدد جهات وتشترك في التقصير لمتابعتها جهات أخرى، والأسباب عديدة كما سنبينه من خلال هذا التحقيق.
لا يحق لي محاسبته
والمتضررون من هذه الظاهرة جهات عديدة، بمن فيهم أصحاب العمل، يقول أحد المتضررين من أصحاب العمل، هرب مني عامل وكتبت بهذا الخصوص، حتى وصلت إلى مركز الشرطة لمساعدتي، قالوا لي سنبحث عنه، لكن عليك أن تدفع له راتب الفترة منذ تركه العمل وحتى انتهاء العقد مع شراء تذكرة التسفير.

ويضيف، في أحد الأيام وجدته في الشارع يمارس إحدى النشاطات واتصلت بالشرطة التي أجابتني بكل بساطة “لا يحق لك الإمساك به دون مذكرة”، وترك العامل يمارس عمله خارج نطاق المسموح له به، فلا الشرطة أمسكت به ولا أعطتني الحق في الإمساك به وتسليمه لهم.

سرقتني على حين غرة
ربة بيت احتاجت إلى من يساعدها في تدبير أمورها، فلجأت إلى خادمة غير مرخصة، تقول هذه السيدة، ارتفاع أسعار مكاتب الخدم الذي ارتفع بشكل جنوني دون مراعاة لميزانية المواطن ولا رقيب يحد من هذه الزيادة الرهيبة، ولهذه الأسباب قبلت بأول خادمة طرقت بابي للعمل، وفعلا بدأت العمل ثلاث أيام بالأسبوع وعندما انتهى الأسبوع الأول أعطيتها المبلغ المتفق عليه وخرجت، ولكنها لم تعد مرة أخرى استخسرتها؛ لأن عملها كان جيدا وتساءلت عن الأسباب، حتى اكتشفتها بنفسي عندما افتقدت بعض القطع الذهبية وقد اختفت تماما كما اختفت هذه الخادمة.

حملات إلكترونية
حسين المرخي مأمور الضبط القضائي “مفتش” توجهنا إليه والتقينا به أثناء وجود أحد أصحاب العمل “بحار” يشكو من عامل لديه ترك العمل دون إخطاره، ثم توجه العامل إلى هيئة تنظيم سوق العمل يشكو عدم استلامه رواتب شهرين، صاحب العمل بالوصولات الموجودة لديه يثبت خلاف ذلك، حسين المرخي مفتش في الهيئة يتأكد من صحة المعلومات.

يقول المرخي هذه بعض المهام التي نقوم بها، والأهم هي الحملات التفتيشية الروتينية “دورية” وحملات إلكترونية نسميها “الذكية” والتي نقوم بها من خلال الفحص الإلكتروني والكشف عن هؤلاء الذين لم يدفعوا كهرباء أو أية رسوم تؤكد أن الشركة مازالت قائمة، وحملات نقوم بها على أساس الشكاوى التي تصلنا من جهات أخرى، كالبلدية والسياحة والهجرة والجوازات، إضافة إلى عدد من المفتشين المختصين في مقابلة أصحاب العمل.

مصادر للتفتيش

استكمالا للتحقيق التقينا مدير إدارة التفتيش إبراهيم الفاتح الذي قال: لدينا 10 مصادر نتلقى منها الحالات اليومية التي من خلالها نتحرك، منها ما يصلنا من شكاوى الناس والإعلام وما ينشر للقراء في الصحف اليومية، فنقوم بالتفتيش الدوري، ولا ننسى أن ننوه عن النظام الذي استحدثته الهيئة من يوم إنشائها وتدشين خدماتها، والذي يسهل على الجميع العمل بشكل سلس، فكل سجل يتم إصداره لأي تاجر أو مستثمر بحريني أو أجنبي ويحتاج عمالة أجنبية يأتي لفتح حساب عندنا بحضور صاحب السجل شخصيا، نعطيه الخدمة نفسها التي تقدمها البنوك من رقم حساب ورقم سري ويبدأ العمل معنا إلكترونيا، فأكثر من 90 % خدمات متبادلة هي إلكترونية.
ويضيف الفاتح، استمرار هذه الظاهرة كمن يدق مسمارا في نعش اقتصاد البلد، ولابد من تفعيل كل أدواتنا المادية والقانونية؛ حتى تكون أكثر إنتاجية وفاعلية في محاربة هذه الظاهرة، مع توحيد جهود كل الجهات المشاركة لمكافحتها، مع ذلك لا نستطيع أن تقول إن الهيئة ليست مسؤولة، لكن القانون حدد لنا واجبات ومهام لابد القيام والالتزام بها، لنأخذ مثالا على ذلك، في التعامل مع القضية لابد من ركنين أساسيين لبنائها، أولا رؤيتي لعامل في منشأة غير منشأته المدون عليها، ويزاول عمله ثم التأكيد على أنه استلم عليه أجرا، لتنطبق عليهم “الفري فيزا” العمالة غير النظامية والهيئة في هذه الحالة تتابع إجراءاته حتى الترحيل. أما العامل الذي يعمل بالطريقة نفسها، أي بطريقة غير نظامية، لكنه في الشارع وليس في مؤسسة، أيضا يعمل بشكل غير قانوني، لكن القانون لم يعط لهيئتنا تغطية هذا الجانب، بل أعطاه لجهة أخرى، فأصبح من اختصاص جهة أخرى، فالاختصاصات وزعها القانون على عدة جهات، ومتى ما تكاتفت كل الجهود في محاربة هذه الظاهرة نكون قد وصلنا إلى الهدف المنشود.

عملنا تكاملي

وبخصوص التعاون ما بيننا والجهات الأخرى، قال الفاتح: هناك تعاون مع وزارة الداخلية المتمثلة في الإدارة العامة لخفر السواحل والهجرة والإقامة وإدارة المرور أو في القيادات الأمنية (المديريات) المتوافرة في المحافظات الخمس، والقاعدة التي تربطنا مع الجهات الأخرى، إذ ننطلق بصفة الضبطية القضائية، تمنح لنا من وزارة العدل ووزير العدل، تختص في الضبط القضائي، أي ضبط المخالفات. أما الداخلية، فمهمتها القبض، لهذا نقول إن عملنا تكاملي.

أعداد المفتشين تتضاعف

لمتابعة العمالة غير النظامية “السائبة”، قال الفاتح، نحتاج تفعيل أدواتنا المادية والقانونية، حاليا يصل فريق التفتيش لنحو 60 مفتشا، وهذا العدد نوقش في البرلمان وسيزداد خلال هذه السنة ما بين 110 ـ 120 مفتشا، وخلال 90 يوما يتم تجهيز المفتش في دورات تدريبية وبرنامج تدريبي شامل ابتداء من الجوانب القانونية تنتهي بحملات تدريبية ميدانية، وما تركز عليه هو كيفية التعامل مع العامل وصاحب العمل بشكل يضمن الجانب الإنسانية وبشفافية واحترام حقوق الإنسان بغض النظر عن جنسيته وعمله.

وأضاف، استمرت الجولات التفتيشية بهذا العدد خلال الفترة من 1 يناير وحتى 31 من ديسمبر 2011 من العام الماضي ونفذنا 16941 جولة على مختلف المناطق التجارية، تم خلالها ضبط 397 لأصحاب العمل مخالفين لأحكام القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل، وتركزت على استخدام عمال أجانب دون تصريح وعددهم 559 عامل أجنبي، وكانت اكبر عدد من هذه المخالفات في العاصمة المنامة وعددها 163 منشاة مخالفة، واقل مخالفات في محافظة المحرق بمعدل 50 منشأة.

وأكد الفاتح أن القانون سمح للعامل بترك عمله في حال الضرر، أو لأسباب أخرى كتحسين وضعه الذي يلبي طموحه ويطور منه، شرط أن يخبر صاحب العمل برسالة استقالة، ويجب أن تصل إلينا رسالة مسجلة من العامل نفسه يخبرنا بذلك، ومن جهتنا نقوم بأخبار كفيلة.

وأضاف، المرسوم الذي صدر عن جلالة الملك أضاف فيه شرطا جديدا يضاف إلى الشروط الأخرى، وهي جواز بلوغ العامل عاما في مكان عمله الأصلي قبل طلب الانتقال إلى مكان عمل آخر.