البحرين… بين تنفيذ التعهدات الطوعية وعدم تمتع اللجنة

الوسط – محرر الشئون المحلية

في الوقت الذي أكد التقرير الحكومي، الذي قدم في شهر يونيو/ حزيران 2009 بشأن تنفيذ تعهدات البحرين الطوعية أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أبريل/ نيسان 2008 أثناء المراجعة الدورية الشاملة لملف البحرين الحقوقي، قيام الحكومة بعدة إجراءات لتنفيذ هذه التعهدات، اعتبرت الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان في تقريرها الموازي والذي أطلق في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن التقرير يعكس وجهة نظر الحكومة وليس منظمات المجتمع المدني،

 ونوهت إلى أن «اللجنة الإشرافية للمراجعة الدورية الشاملة لا ترقى إلى مستوى لجنة تتمتع بصلاحيات فعلية لرصد وتقييم أداء وإيفاء مملكة البحرين بتعهداتها إزاء تحسين مستويات حقوق الإنسان».

هذا وعرضت البحرين في الثاني عشر من شهر يونيو 2009 تقرير تنفيذ تعهداتها الطوعية التي قدمتها أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في السابع من أبريل 2008، وذكرت البحرين في تقريرها أن البحرين تدرس حاليا إمكان إنشاء فريق عمل وزاري يهتم بمتابعة تنفيذ التعهدات الخاصة بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وأنه تم الانتهاء من وضع مسودة خطة تربوية شاملة خاصة بحقوق الإنسان بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

كما أشار التقرير إلى أنه التزاما بتعهدها الطوعي الخاص بدعم المنظمات الأهلية، شرعت اللجنة الإشرافية بعقد سلسلة من الورش التدريبية في مجال حقوق الإنسان للجمعيات الأهلية والجهات الحكومية، وأنه من المقرر أن تقوم اللجنة الإشرافية بعقد المزيد من الورش التدريبية الخاصة بالمنظمات الأهلية خلال الفترة المقبلة.

وبشأن الإجراءات الخاصة بمجلس حقوق الإنسان، لفت التقرير إلى قيام مملكة البحرين بالاستجابة للمراسلات والإجراءات الخاصة التي قدمت خلال الفترة من يونيو2008 وحتى مايو/ أيار 2009، إذ قام المقرر الخاص بالاعتقال التعسفي والمقرر الخاص بتعزيز حقوق الإنسان في إطار الإرهاب في مايو الماضي بإرسال استبيان بشأن دراسة دولية عن الاعتقال التعسفي، وتعمد السلطات المختصة في البحرين بالرد على الاستبيان بتاريخ أقصاه 15 يونيو 2009.

كما قامت اللجنة الإشرافية بالتعاون في مجال بناء القدرات مع آليات الأمم المتحدة المختلفة، ومنها منظمة الصحة العالمية، كما سيتم التعاون مع «اليونسكو» في الأشهر المقبلة.

وبشأن وضع حقوق الإنسان على أرض الواقع، أشار التقرير إلى التوصية الخاصة برفع سن الحدث، وأن مجلس الشورى يعمل بالتعاون مع اللجنة الإشرافية للمراجعة الدورية الشاملة، على إعداد مسودة قانون ترفع سن الحدث إلى 18 عاما عوضا عن 16 عاما، وبأن تتم معاقبة الأحداث عبر مؤسسات تأهيلية متخصصة.

فيما اعتبرت الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان أن اللجنة الإشرافية للمراجعة الدورية الشاملة لا ترقى إلى مستوى لجنة تتمتع بصلاحيات فعلية لرصد وتقييم أداء وإيفاء مملكة البحرين بتعهداتها إزاء تحسين مستويات حقوق الإنسان.

كما أشارت إلى أن التقرير الموجز عن متابعة تنفيذ التعهدات الطوعية والنتائج والتوصيات الخاصة بالمراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان (2008 – 2009) المقدم من قبل حكومة مملكة البحرين إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، دليل على أن الأجهزة الحكومية لم تتكيف حتى الآن على المشاركة الحقيقية بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني.

وأعربت الجمعية عن تقديرها لوزير الدولة للشئون الخارجية رئيس اللجنة الإشرافية للمراجعة الدورية الشاملة، نزار البحارنة, على محاولاته الهادفة إلى الارتقاء بحقوق الإنسان وحمايتها في البحرين, وجهوده في إشراك منظمات المجتمع المدني والحقوقيين في هذا الجهد ومن ذلك إشراك الجمعية في اللجنة الإشرافية.

وأكدت الجمعية أنها تسلمت مسودة التقرير الموجز بتاريخ 1 يونيو الماضي, في حين كان اجتماع اللجنة الإشرافية بتاريخ 4 يونيو, لذلك لم يتسنَّ لها مراجعة التقرير ومناقشته بصورة وافية في اجتماع اللجنة.

واعتبرت أن هذا التقرير يعكس وجهة نظر الحكومة وليس منظمات المجتمع المدني، وخصوصا أن عددا من مقترحات الجمعية وبعض المنظمات الأهلية المتعلقة باتباع آلية التدقيق في سجل البحرين ومراجعة بند تعهداتها في كل جلسة لم تلق أية استجابة من الأجهزة الرسمية البحرينية, ما جعل التقرير ينفرد بوجهة النظر الرسمية وحدها, ولا يعكس مرئيات المجتمع المدني في البلاد.

وجاء في تقرير الجمعية: «لا يمكن القول إن اجتماعا يضم في غالبيته العظمى مسئولين حكوميين ضمن اللجنة الإشرافية ويجتمع بضع ساعات كل ثلاثة شهور يشكل إطارا صحيحا للشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني, والصحيح أن التقرير يعده الفريق المعني بالوزارة».

وأضافت: «لا يمكن القول إن إعداد التقرير يستند إلى مشاركة متكافئة, أو على التشاور مع ذوي المصلحة الوطنية من الجهات الرسمية والأهلية, فاللجنة التي صاغت التقرير لجنة حكومية في وزارة الخارجية. والقول إنه تم عرضه على أعضاء اللجنة الإشرافية صحيح, وعرضه على الموقع الالكتروني الخاص بالمراجعة الدورية الشاملة صحيح, لكن ذلك ليس كافيا بل كان يجب تشكيل لجنة صياغة تنبثق عن اللجنة الإشرافية وتضم ممثلين عن الجهات الرسمية والأهلية المشاركة تكلف بإعداد التقرير وصياغته, ثم تعرضه على اللجنة الإشرافية الأم للمراجعة النهائية الشاملة وذلك قبل اعتماده».

وأشارت إلى أنه سبق لفريق المراجعة الدورية الشاملة في وزارة الخارجية أن طلب من الجمعية وبعض المنظمات الأهلية إبداء الملاحظات على بعض القوانين المعنية بحقوق الإنسان أو ذات العلاقة باختصاصها، إلا أن تلك الملاحظات لم تدرج في التقرير, الأمر الذي يؤكد أن التقرير يعكس وجهة النظر الحكومية فقط.

وعلقت الجمعية: «مع تقديرنا لآلية عمل اللجنة الإشرافية للمراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان, إلا أن هذه اللجنة تعقد اجتماعات متباعدة في مواقيتها ومواعيدها ويسودها حوار حذر بشأن أوضاع حقوق الإنسان, الأمر الذي يتنافى مع مبادئ الصراحة والشفافية والوضوح المطلوبة لعمل لجنة إشرافية متخصصة من هذا القبيل».

ولفتت الجمعية إلى أن التقرير استعرض عددا من القوانين والقرارات التي يعتقد بأنها تعزز من حقوق الإنسان في مختلف المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية, منها قانون أحكام الأسرة (الشق السني)، وهو القانون الذي لم يتناول أحكام الفقه الشيعي, ما يعني أنه ليس قانونا للأسرة البحرينية وإنما هو تكريس للطائفية التي تتنافى كلية مع مبادئ حقوق الإنسان في المساواة والعدل وتكافؤ الفرص.

كما أشارت الجمعية إلى قرار إجراءات انتقال العامل الأجنبي إلى صاحب عمل آخر، وهو قرار تنفيذي لحكم المادة (25) من قانون تنظيم سوق العمل التي أعطت «للعامل الأجنبي – من دون موافقة صاحب العمل – حق الانتقال للعمل لدى صاحب عمل آخر وذلك من دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب القانون أو نصوص عقد العمل المبرم بين الطرفين»، وهي المادة التي اعتبرت الجمعية أنه يكتنفها الغموض من حيث كونها أجازت انتقال العامل الأجنبي للعمل لدى صاحب عمل آخر شرط عدم الإخلال بحقوق صاحب العمل السابق المقررة في عقد العمل المبرم بين الطرفين, إذ لم يفلح القرار الوزاري المنفذ لهذه المادة في إزالة الالتباس القائم بشأن الحقوق المقررة لصاحب العمل بحسب عقد العمل المبرم بين الطرفين. كما لفتت إلى أن القرار لا يلغي نظام الكفيل الذي طالبت بإلغائه منظمات دولية متخصصة والمنظمات الحقوقية وهو ما نفاه وزير العمل مرارا, وقالت إنه يسمح بانتقال العامل من صاحب عمل إلى آخر وفق صيغة مازالت مبهمة، ناهيك عن أن هذا القرار التنفيذي لا يشمل العمالة المنزلية التي مازالت غير مشمولة بأحكام قانون العمل البحريني والتي يتطلب التحقق من ظروف عملها.

وأشارت الجمعية إلى رفض الحكومة في معرض ردها على الاقتراح برغبة المقدم من مجلس النواب التصديق على أربع اتفاقيات حمائية في مجال العمل، هي: الاتفاقية الدولية «87» بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم, والاتفاقية «98» بشأن تطبيق مبادئ حق التنظيم والمفاوضة الجماعية, والاتفاقية الدولية «135» بشأن توفير الحماية والتسهيلات لممثلي العمال في المنشآت, والاتفاقية الدولية «183» بشأن حماية الأمومة, إضافة إلى مجموعة أخرى من الاتفاقيات الدولية المهمة في مجال حقوق الإنسان, كاتفاقية المحكمة الجنائية الدولية, والبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب, والبروتوكول الاختياري الأول للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, والبروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري, والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم, إذ لم تنضم الحكومة إلى هذه الاتفاقيات بعد, ولم تعطِ مؤشرا إلى نيتها الانضمام إليها, والعبرة ليست في الانضمام فحسب وإنما في ترجمة أحكام هذه الاتفاقيات إلى تشريعات وطنية والجدية في تنفيذها.

ولفتت الجمعية إلى ما ذكره التقرير من أن مملكة البحرين سلمت تقريريها الأول والثاني بشأن تطبيق اتفاقية «السيداو» إلى «لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة» في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، وذلك بحسب الجداول الزمنية المحددة, والصحيح أن التقرير أحيل إلى هذه اللجنة بواقع تأخير أربعة أعوام, وأن ما جاء فيه من معلومات لا يعكس واقع التمييز ضد المرأة, وهو ما انتقده الاتحاد النسائي والجمعيات النسائية بشدة.

وأشارت الجمعية إلى أن التشريعات المحلية مازالت تفتقر إلى تعريف شامل للتعذيب، وذلك خلافا لتوصية لجنة مناهضة التعذيب الداعية إلى أن تتبنى البحرين تعريفا ينسجم مع المادة «1» من الاتفاقية.

كما قالت الجمعية في تعليقها على التقرير: «حتى الآن لا يوجد قانون يجرم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة, ولم تعترف السلطات باللجنة الوطنية لضحايا التعذيب والشهداء التي شكلها الضحايا, ناهيك عن عدم مقاضاة المسئولين عن ارتكاب جرائم التعذيب. كما لم تعترف السلطات حتى الآن بالتحالف البحريني من أجل الحقيقة والإنصاف والمصالحة الذي يضم 11 جهة أهلية معنية بالملفات الحقوقية والإنسانية, ولم تتخذ أي بادرة توحي برغبتها في المساعدة على إظهار الحقيقة وإنصاف المظلومين خلال مرحلة قانون تدابير أمن الدولة. ولم تصدق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب».

وانتقدت الجمعية عدم تطرق التقرير إلى أوجه حماية المال العام من الهدر ومراقبة أوجه التصرف به وسبل ترشيد وتوجيه إنفاقه نحو مشروعات تنموية وإنتاجية نافعة بما يخدم مصالح أفراد المجتمع؛ لأن الاستفادة من المال العام للصالح العام أحد الحقوق الاقتصادية للإنسان.