لمن كان له قلب
إبراهيم بوصندل
“الآن علينا أن نرى النتائج على الأرض وبالأرقام.. لنرى ما إذا كانت الاعتراضات في محلها أم لا، لنرى انعكاسات القرار على الرواتب وعلى بيئة العمل” تصريح علي رضي، الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل في صحف الأمس.
هذا التصريح يعزز ما قلناه بالأمس من أن البعض يريد أن يجّرب النار ليرى إن كانت ستحرق على الطبيعة أم لا، والاقتصاد ليس محل تجربة من هذا النوع، وأصحاب الأعمال ليسوا “حيوانات تجارب” على حد تعبير أحد أعضاء غرفة التجارة.
قد يقول قائل ولكن حرية انتقال العامل الأجنبي مطبقة في أغلب دول العالم . نعم ولكن دول العالم لا تعطي تأشيرات لسجلات وهمية يملكها كبار القوم وصغارهم، حينما كان القرار السياسي والشخصي أقوى وأولى من القرار الاقتصادي، ولا توجد بها مؤسسات أو أشخاص يعتبرون خطوطا حمراء أمام التفتيش العمالي فضلا عن المساءلة، ثم إن لكل دولة ظروفها وبيئة عملها المختلفة !!
لقد تكررت هذه المقولة في أكثر من مناسبة مثل قولهم: “لنطبق حزمة التشريعات كاملة ومن ثم نحكم عليها من خلال دراسة إيجابياتها وسلبياتها” وقولهم : لندع رسوم العمل تستمر لمدة طويلة ثم نحكم على النتائج إذ لا يمكن الحكم عليها بعد عشرة أشهر فقط. والحزمة المشار إليها تشمل رسوم العمل الأصلية (مائة دينار) عن كل عامل شهريا، حرية انتقال العامل، إلغاء نسبة البحرنة، وضع سقف على حصص الوافدين، تدريب البحرينيين الخ.
يؤسفنا هنا أن نقول إن ما بني على باطل فهو باطل، فالأرقام التي أُعتمد عليها في تحديد السياسة الاقتصادية واتخاذ القرارات كانت أصلا خاطئة، والنموذج الاقتصادي لم يكن مناسبا لنا، ولهذا جاءت النتائج باطلة، خصوصا وأن ذلك كله تم دون (مشاورة حقيقية) أضعها بين قوسين وأكررها (حقيقية) وليست صورية مع الأطراف المعنية الأخرى.
أليس من الأولى لكم أن تبدأوا في إعادة النظر في دراسة ماكنزي بأكملها، فمقولة (لنجرب) تنطبق أولا عليها، فقد وضح للجميع بأن أرقامها خاطئة، لقد كانت ماكنزي تتوقع زيادة العمالة البحرينية إلى (100.000) مائة ألف شخص من العام 2003 إلى العام 2013 ونحن اليوم في عام 2009، والأرقام الحالية لا تؤكد نظرية ماكنزي.
ترى متى ستدركون أن ما يجعل صاحب العمل يفضل العامل الأجنبي ليس فقط الفرق في الراتب، وأن رخص الأيدي العاملة الوافدة ما هو إلا عامل واحد من عدة عوامل.
يا جماعة الخير، بلدنا صغيرة جدا، وسوق البحرين مفرط الحساسية، والمنافسة (الشريفة وغير الشريفة) فيه شديدة، وأصغر القرارات تؤثر فيه، فكيف بقرارات رئيسية مثل رسوم العمل وحرية انتقال العامل، إذ أن هذه الأخيرة لن تكون في صالح المواطنين ما دام أن الكثير منهم يرفضون العمل في أغلب قطاعات القطاع الخاص، وبالتالي فقد تنحصر المنافسة بين الأجانب أنفسهم، وسوف ترتفع الأجور ولكن ذلك لن يوفر فرص عمل كثيرة للمواطنين، فلا المواطن سيقبل ولا صاحب العمل سيفضله ولا الأجنبي سيرحل.
ها أنتم قد طبقتم بند الرسوم، فماذا حصل للعمالة الأجنبية؟ نشراتكم تقول بأن النسبة لا تزال في ازدياد، بل إن أعداد العمال الوافدين شهدت ارتفاعا غير مسبوق.
الخلاصة أن هناك من يخلط، بعلم أو بدون علم، بين حرية انتقال العامل وبين نظام الكفيل، وقرار حرية انتقال العامل لم يدرس دراسة (حقيقة)، ولم تؤخذ فيه (بعين الاعتبار) كافة الآراء، ولا بد من اتخاذ خطوات كثيرة أخرى قبله، ثم إن هذا القرار قد يحسّن صورة البحرين في الخارج بصورة محدودة، أما في الداخل فإنه قد يحدث فوضى لا خطام لها، بل إنه قد يعطي غطاء قانونيا لسياسة وتجار العمالة الأجنبية والأيام بيننا.