عبدالله خليفة
أجيبُ عن سؤال (هل ثمة إمكانية لاستعمار هندي للخليج العربي؟)، بالقول إنه ممكن، ولابد هنا من النظرة الواسعة لتاريخينا السابق والراهن، ولتطور العالم المعقد.
فقد استأجرتُ بريطانيا في السابق درة مستعمراتها وهي الهند في التحكم عن بُعد في الخليج والجزيرة العربية، وهو تاريخ مشهورٌ معروف، ثم حين رأتْ الخيرَ الوفير في المنطقة استفردتْ هي بنفسها في هذه المنطقة واعتبرتها حكراً عليها.ودارت الأيامُ الرأسمالية وتضعضعتْ بريطانيا وراحت درتها أو ضرتها القارة الهندية تصعدُ مزيحة سيدها القديم عن منصب التفرد في قارة آسيا، وتغلغلت جيوشُها السلمية في أمكنة الفراغات السكانية والسياسية والاجتماعية، ومضت تحتلُ المناصبَ التقنية والعمالية الواسعة وتبدل نسيجَ الخليج الذي كان عربياً رويداً رويداً، حتى سادت فيه من دون إطلاق رصاصة واحدة.
ثم تبدل طابع التغلغل السلمي الهادئ وتغيرت المسكنة فإذا العمالة الهندية نمر من إضرابات وتحديات ولافتات تطالب بتغيير الحياة الاقتصادية في الخليج طبقاً لمن يعمل وليس لمن يسترخي في فلله وقصوره.
قال كاتبٌ عربي من دولة الإمارات المتحدة (العربية) إن الإضرابات العمالية الهندية وراءها تنظيمٌ يساري متطرف هدفه الدفاع عن حقوق العمال الهنود المستغـَلين في المنطقة بأشكال بشعة.
وأن يستطيع تنظيمٌ هندي ويساري متطرف كذلك أن يدبر كل هذه الاضرابات والاعتصامات والمظاهرات فهو أمر خطر، وألا يكون معروفاً كتنظيم هندي بارز وأن يعبر حدود الخليج وأقطاره كلها بهذه البساطة والتوقيت المتزامن فهو أمر أخطر.
ولكن المسألة ليست مسألة تنظيم فهذا تنظيم خارق بالفعل، ولكنها دوائر النفوذ الحكومية والخاصة الهندية وقد بدأت تفرض أجندة جديدة على دول الخليج، وتستغل مساحات الحريات النقابية والاجتماعية في هذه الدول لكي تغير طابع العمالة الهندية في الخليج.
ولقد وُجِدت الظروف السيئة غير الإنسانية للعمالة الأجنبية منذ زمن بعيد، وكانت المنظمات اليسارية العربية في الخليج هي التي تصدت لمثل هذه الظروف من دون أن تحصل على أي تشجيع من الحكومات الهندية والباكستانية والبنغلاديشية وغيرها من أجل عمالها الوطنيين.
وتأخذ المسألة أبعاداً أكبر مع تبدل مراكز الرأسماليات العالمية في قائمة النفوذ الدولي، فلم تعد الرأسماليات الشرقية في روسيا والهند والصين وإيران وإسرائيل، بقابلة لحصصها من الأسواق والمواد الخام ومن الأرباح.
ويحدث ذلك خاصة في الرأسماليات الشرقية الكبرى كروسيا والهند والصين المتسمة بإمكانيات تصديرية كبيرة، وتأخذ الهند موقعاً خاصاً في هذا، فهي بلاد عملاقة من حيث عدد السكان، وهي تستقبل الشركات العابرة للقارات التي أحدثت ثورة صناعية وتقنية هائلة في هذا البلد الذي كان فقيراً، وهي قد امتصت مدخرات العمالة الهندية في الخليج بقوة، ولكن لم تعد هذه المداخيل كافية، وتتطلع إلى أهدافٍ أخرى مثل توطين العمالة الهندية، وتحويل العمال المهاجرين إلى مواطنين ومؤثرين في سياسات هذه الدول الصغيرة المحدودة السكان وغير المتعاونة مع بعضها والمضطربة سياسيا واجتماعيا.
ومن هنا كانت سفرات وزراء العمل الخليجيين على بساط الريح السحري للبحث عن عمالات أخرى في الدول المجاورة للهند وكان هذا أقوى اجتهاد رسمي خليجي.
وستكون للرأسمالية الهندية بعد سنوات أو عقود مكانة عاملية كبرى، لن تقل عن نفوذ الولايات المتحدة في عز قوتها السابق. فهي دولة نووية ومسلحة وجيوشها كثيفة العدد، وهي لا تتمدد بالقوة المسلحة بل بقوة العمل الهائلة الساكنة ثم بقوى السلع المتطورة عما قريب.
ومع تغير موازيين القوى الدولية واحتلال الهند مقعدها في الأعضاء الدائمين ورفض الشعوب الغربية المتنامي للنزهات العسكرية المؤلمة في الخارج، ووجود أعداد سكانية هائلة في الهند يمكن الاستغناء عنها لمصلحة التقدم الإنساني الخير، حينذاك يصبح الاستعمار الهندي لمناطق النفوذ وللبلدان التي تمتعت فيها بصداقات قوية حقيقة واقعة.
وسوف تظهر قوانين جديدة من الأمم المتحدة تتوجه لردع تلك الدول ذات النمط غير الإنساني التي تعامل العمالة الأجنبية بفظاظة وقهر وظلم، ويتم تغيير القوانين والجوازات والمواطنة.
لقد قامت دول الخليج باقتطاع نفسها من محيطها العربي، ثم وسعت السياحة في المحيط الهندي ووصلت في ذوبانها إلى بحر الصين.
وجلبت هذه الأعداد الكثيفة من المهاجرين حتى صارت جزءاً من تضاريسها.
وتقوم قواها السياسية والاجتماعية بصراعات يومية حول تبليط الشوارع ووضع المصابيح ولبس النعال ولعدم التهام الشواطئ من قبل حيتان البحر والبر، ثم تخسر المليارات من الدولارات في غمضة عين من واشنطن.
وهي تضخم أجهزة دولها بالعاطلين وترعى الرفاه الواسع للنساء ليجثمن مستقرات في بيوتهن، والعالمان البعيد والقريب يغزوانها وينهبانها ويحتلانها فإلى متى تظل في هذه الصراعات السياسية اليومية وفي الخطط الوهمية بالتطور والعصرنة؟
نعم هناك احتمال لاستعمار هندي وربما حتى بنغلاديشي وصيني.