سعود علي
في الوقت الذي تشهد فيه البحرين ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار مواد البناء وما يعكسه على المواطن، يتهرب مقاولون من مشاريع بدأوا بتنفيذها دون إكمال البناء، في أعقاب حصولهم على جزء مالي كبير من مستحقاتهم، وهو ما أثار ردود فعل متباينة لدى البعض. هذه المشكلة أثارت تساؤلات لدى المواطن عن الدور الرقابي للجهات المعنية على هذه الفئة؟ ومن الجهة التي ستحمي حق المواطن؟ وإذا كان ارتفاع مواد البناء سبباً في ذلك، ما ذنبه في أن يكون الضحية؟ . يؤكد النائب الشيخ جاسم السعيدي يجب أن يكون هناك التزام بين المتعاقدين سواء كانت شركات أو أفراد، وفي التجارة عرف راج بين الطرفين وهو ”ما كان عليك غنمه عليك قرمه”، وإذا كانت الخسارة على الطرف الأول فيمكن أن تكون على الطرف الآخر”. ويضيف السعيدي ”المتعاقدان بينهما عقد مبرم يبدأ بتاريخ معين وينتهي بتاريخ معين، ومن شروطه المبلغ المتفق عليه، ومن المفترض أن يتوقع الطرف الأول وهو المقاول ارتفاع أسعار مواد البناء في أي وقت”. وحول مشاكل المقاولين مع المواطنين يقول النائب السعيدي”أعتقد أن المقاولين تجنوا على كثيرين سواء شركات أو أفراد، فهم يأخذون الأموال ومن ثم يقولون للطرف الآخر عليك بالمحاكم”، مبيناً أن أحد الوزراء قال له ”هناك أكثر من 50 قضية ضد المقاولين”. وعن الدور الرقابي يؤكد النائب السعيدي أن دور الرقابة ضعيف جداً بل هي معدومة في مثل هذه المسألة، ويضيف” لقد تطرقت لهذا الموضوع في الفصل الأول للمجلس، لكنه لم يخرج إلى النور بعد، فهو قيد العمل وسنعيد صياغته مرة أخرى إن شاء الله في دور الانعقاد القادم، حتى نضع قانوناً صارماً يضمن حق الجميع.” ؟ الموضوع خارج سيطرتنا! عضو مجلس بلدي الوسطى وليد هجرس رأى أن أسباب هروب المقاولين تعود إلى قبول المقاول أكثر من طلب في نفس الوقت فوق طاقته، والبعض الآخر يقوم بهذا الأسلوب خوفاً من عدم الحصول على زبون آخر، وأيضاً يوقع المقاول العقد مع الطرف الآخر حتى يربطه ويلزمه معه ويقوم بأخذ مبلغ مقدم حتى لا يستطيع الذهاب إلى مقاول آخر، فيقدم له سعر خيالي يغري به الطرف الآخر، وما إن يبدأ بالبناء حتى يكسب ثقة زبونه يبدأ بالتباطؤ، إذ إن أكثر الضحايا الذين يقعون في ذلك هم عديمي الخبرة حيث لا يعرف اسم المقاول، كما إن هناك سبباً غير مباشر يؤثر تأثيراً كبيراً على سرعة إكمال البناء”. وفيما يتعلق بهروب المقاولين من مشاريع الحكومة، ينتقد هجرس طريقة الحكومة في طرحها للمناقصات، ”لأنها تبحث عن أقل الأسعار دون الأخذ في الاعتبار اسم المقاول المتعاقد معها، فيتأخر المشروع والضحية هو المواطن”. ويضرب هجرس مثالاً على طرق النصب، ويقول : ”البعض منهم يبدأ بأخذ مبالغ على عدة أشخاص ثم يعلن إفلاسه ويغلق المحل، لذلك أنا أنصح المواطنين قبل الذهاب إلى أي مقاول أن يتحرى عن سمعته في السوق، حتى لا يقع لمثل هذه المشاكل”. وعن الدور الرقابي الذي تقوم به البلدية في هذا الجانب يوضح هجرس” للأسف ليس من اختصاصنا رقابة هؤلاء المقاولين ، فنحن جهاز رقابي على البيوت الآيلة للسقوط مثلاً، أما العلاقة التي تقوم ما بين المقاول والمواطن فليس لنا دخل فيها، وعليه أنا أطالب بقانون يحمي المواطن والمقاول معاً لأني أعرف مقاولين أيضاً متضررين من ذلك، وقد أغلقوا محلاتهم بسبب تخلف الطرف الآخر من دفع المستحقات المتبقية عليه”. ؟التخلص من العمالة السائبة رئيس جمعية البحرين العقارية نظام كمشكي يرجع حدوث المشكلة إلى أسباب عدة، ويشرح ” حين يقدم المقاول على مشروع معين فإنه يدخل في جو تنافسي كبير مع بقية المقاولين، وبالتالي يقوم بوضع أقل سعر ممكن حتى يكسب المناقصة، وما إن يبدأ بالمشروع يصطدم بالواقع، فالمواد في ارتفاع مستمر ناهيك عن الرسوم المفروضة بين الفينة والأخرى، إضافة إلى صعوبة زيادة عدد العمال في حالة احتياجه لأن الرسوم المفروضة من الحكومة كثيرة.” ويؤكد كمشكي أن المقاولين مظلومون أيضاً، ويوضح ”لا توجد أية حماية لأصحاب المقاولات، ولا نسمع بأي قرار يتعلق بحمايتهم، بينما نجد أيضاً هروباً للعمالة بشكل ملحوظ والقانون للأسف معهم، لأنه يحق للعمالة والمهندسين أيضاً أن يتنقلوا من مقاول إلى آخر بكل سهولة، ولذلك أعتقد أن القوانين والقرارات هي السبب الرئيسي لهروب المقاولين.” ويطالب كمشكي الحكومة بتعديلات على القانون :”يجب التخلص من العمالة السائبة وهي كثيرة جداً تقدر بحوالي 25 ألف عامل”، متسائلاً ”أين ذهبوا هؤلاء العمال؟!،وإلغاء الرسوم، وتأييد أعضاء مجلس النواب في قراراتهم لأنهم تقدموا بمشروع لمجلس الوزراء يتضمن إلغاء رسوم صندوق العمل، وللآن لا نعرف سبب فرض تلك الرسوم علينا، أخيراً يجب سن قوانين وقرارات تحمي أصحاب المقاولات”. ؟ الضرر على الطرفين محمود محمد، مقاول، يعلق على موضوع الهروب بقوله ”مسألة الضرر عائدة على الجانبين سواء المقاول أو المتعاقد معه، فهناك أيضاً أناس يتخلفون عن الدفع وبالتالي يؤدي إلى هروب المقاول، في المقابل هناك أشخاص تضرروا من المقاولين وكل ذلك بداعي ارتفاع مواد البناء، وطبعاً هذا أمر غير مقبول”. ويضيف محمد ”هناك مشكلة أخرى أيضاً تتسبب في ارتفاع مواد البناء، فالمشاريع التجارية الضخمة المقامة حالياً في عدة أماكن في المملكة تساهم بشكل كبير في هذا التضخم الحاصل، فتجد 27 سيارة مثلاً تقل المواد إلى تلك الأماكن وسيارة واحدة للمواطن، فضلاً عن توقف الشاحنات على الجسر لفترة تصل إلى ثلاثة أيام، وهو ما يؤدي أيضاً إلى ارتفاع في مواد البناء بسبب النقص”. على الحكومة التدخل بإحلال طرف ثالث في التعاقد ”عماد النواخذة”، هو أحد المتضررين مع شريكه الخليجي، فقد كانت لديهما بناية اتفقا مع أحد المقاولين على بنائها، يقول النواخذة : ”كان من المفترض أن نتسلم البناية خلال سنة واحدة، لكن الأمر تأخر إلى ثلاث سنوات، واستمر المقاول في المماطلة وفي الأخير خسرنا حوالي 30 ألف دينار، وعليه وكلنا محامياً ضده، حيث كلفنا ذلك حوالي 1600 دينار، وما زالت القضية في المحكمة، ولا نعرف ما إذا كنا سنكسب القضية أم لا بعد تلك الخسائر، في المقابل قمنا بإكمال البناية بأنفسنا!”. ويرجح النواخذة سبب هذه المشاكل إلى ضعف الرقابة وعدم وجود آلية واضحة تنظم العلاقة بين الطرفين، ويعتقد أنه ”لا توجد حماية للطرف الآخر المتعاقد مع المقاول، فالمفروض أن العقد لا يكون بشكل مباشر بين الطرفين، فلابد من وجود طرف ثالث من جهة الحكومة حتى يكون العقد قانوني ويلزم المقاول إكمال البناء رغماً عنه”. خالد علي، متضرر آخر عانى حوالي 8 سنوات ولم تحل مشكلته حتى الآن مع المقاول، يقول : ”منذ 8 سنوات وأنا أعاني توقف إكمال بيتي، فقد أعطيت المقاول آنذاك مبلغ حوالي 7 آلاف دينار، فبدأ في البناء ثم هرب، وقد رفعت قضية ضده ووكلت محامياً ومازالت القضية عالقة، وعليه أطالب الحكومة بالتدخل الفوري لوضع حداً لهؤلاء المقاولين الذين لا يخافون الله ويأكلون أموال غيرهم بغير حق.”