قال السفير الهندي في المنامة موهان كومار إن الجالية الهندية في البحرين والتي وصل عددها إلى اكثر من 350 ألف نسمة تعيش في اطمئنان ووئام مع شعب البحرين، وإن الجالية الهندية معروفة بعلاقاتها الحميمية مع الجميع ولم يتم تسجيل أي استهداف لهنود لأسباب سياسية. وقال إن العلاقات بين البلدين تأتي ضمن علاقات استراتيجية بين الهند ومجلس التعاون الخليجي، متطلعاً إلى توسيع آفاق هذا التعاون التاريخي في اللقاء الهندي العربي الثاني الذي سيعقد في أبوظبي في 22 مايو/ أيار 2012 ووصف العلاقات بين الهند والبحرين «خالية من الشوائب»، وفيما يأتي نص الحوار.هل تنظرون إلى العلاقات بين البحرين والهند على أساس توفير عمالة إلى منطقة الخليج العربي، أم أنكم تنظرون إلى أبعاد أكبر من ذلك فيما يخص العلاقات بين البلدين؟
– ربما ان بداية العلاقة الحديثة كانت من خلال توفير عمالة، فنحن نوفر أعداداً كبيرة من العمالة غير الماهرة وشبه الماهرة والمتطورة إلى منطقة الخليج، ولدينا في البحرين أكثر من 350 ألف هندي، مجموع الهنود في الخليج حوالي 6 ملايين، وهو رقم كبير إذا أخذنا أن مجموع الهنود المهاجرين في العالم يبلغ نحو 20 مليون نسمة، وهذا يعني أن نحو ثلث الهنود المهاجرين يتواجدون في الخليج (مليونان ونصف مليون هندي في السعودية، ومليونان في الامارات ضمن ذلك)، ولكن خلال الخمس إلى ثماني سنوات الماضية فان العمالة الهندية كثير منها محترف، وتجد ان المديرين الماليين لكثير من المؤسسات هم من الهنود وهناك محاسبون قانونيون ومديرو بنوك، وهذا تطور مهم في نوعية الطاقات الهندية التي نراها في البحرين والخليج. كما اننا نفخر بان كل طابوقة شيدت في الخليج انما كانت السواعد الهندية جزءا أساسيا منها، ولو نظرت إلى أعلى بناية في العالم «برج خليفة في دبي» فسترى ان صور الانشاءات مملوءة بالهنود، وهذا مصدر اعتزاز، ويعبر عن عمق العلاقات وطبيعتها.
وفي البحرين ستجد الهنود في البنوك والمؤسسات المالية وبيوت الخبرة بالإضافة إلى الوظائف الأخرى المعروفة، وهذا التطور الجديد يوضح ان الجالية الهندية متنوعة ولم يعد بالإمكان التحدث عن فئة محددة فقط من الهنود، رغم ان اكثرية منهم لايزالون في قطاعات مثل الإنشاء والباعة في الدكاكين. ربما انك ستجد من بين الـ 350 الف هندي في البحرين يوجد من بينهم 50 ألفاً من الاطباء والممرضات والمحاسبين والمديرين.
ما هي آخر تطورات النقاش بين الهند ودول التعاون بشأن اتفاق للتجارة الحرة؟ وما هو حجم التجارة بين الهند والخليج؟
– النقاشات والمفاوضات مازالت قائمة رغم انها اخذت وقتا اطول من المتوقع، أكثر من سنتين الآن، ولكن علينا ان نفهم ان النفط يمثل عاملا مهما في التجارة البينية بين الهند والخليج، ومن ثم علينا ان ننظر إلى البضائع التجارية بين المنطقتين، مصالحنا الهندية في مجلس التعاون تنطلق من ان لدينا ستة ملايين هندي يعيشون ويعملون هنا في الخليج، وهؤلاء يرسلون 40 مليار دولار سنويا إلى عوائلهم في الهند، كما ان ما بين 60 إلى 70 في المئة من النفط الخام عالمياً يتم تصديره من الخليج، والتجارة البينية بين الهند ودول التعاون وصلت إلى اكثر من 100 مليار دولار سنويا بضمنها النفط. واكبر شريك تجاري للهند هي الامارات وبعد ذلك السعودية. ونحن مستمرون في المفاوضات مع دول التعاون في كافة المجالات.
وماذا عن البحرين تحديداً؟
– التجارة البينية بين الهند والبحرين تبلغ مليار دولار سنويا. وبالنسبة للبحرين، فان العلاقات بيننا خالية من الشوائب، فهناك فرق كبير بين حجم البلدين من ناحية المساحة وعدد النسمة، ولكننا ننظر إلى البحرين باهتمام واحترام ونتوافق كثيرا في وجهات النظر الاقليمية والدولية، وكانت لدينا مراجعة دورية بين البلدين في أكتوبر/ تشرين الاول 2011، وهذه المراجعة أكدت الثوابت التي ترتكز عليها العلاقات الثنائية، وناقشنا كيف نطور الاستثمارات بين البلدين. وأعترف اننا لم نقم بالقدر الكافي مما يمكن فعله في مجال الاستثمارات، ونحن نسعى لابلاغ المستثمرين الهنود عن الفرص المتاحة في البحرين لأن البحرين ليست سوقا صغيرة اذا أخذنا بعين الاعتبار قربها من السعودية، والبحرين لديها اتفاق تجارة حرة مع أميركا، وهذا يعني ان البحرين بذلك هي نافذة للمستثمرين للوصول إلى السوق السعودي والسوق الأميركي. كما نسعى الى ان تنظر شركات ممتلكات إلى الفرص الكبيرة المتاحة في الهند.
ولكن يبدو ان السياسة الهندية الوديعة خيالية اكثر منها واقعية، فلابد وان تكون هناك قضايا استراتيجية أو حرجة تهتم بها الهند بالنسبة لمستقبل المنطقة في ظل المتغيرات الحالية… أليس كذلك؟
– ان لدينا مصلحة مباشرة في احلال السلام والتنمية الاقتصادية وتثبيت استقرار المنطقة. ودعني اوضح، هناك الشأن السياسي، وهناك الشأن الاقتصادي، وهناك الشأن الاجتماعي – الثقافي، وهذا شأن لا يمكن إغفاله لان الهند والخليج لديهما علاقات اجتماعية وثقافية تاريخية. الهند تقف مع احلال السلام وتعزيز الامن والاستقرار في منطقة الخليج لما لهذه المنطقة من اهمية استراتيجية عالمية على مستوى تصدير النفط. كما اننا لدينا سياسة عدم التدخل في الشئون الداخلية لدول التعاون، ونحن ملتزمون بهذا المبدأ بصورة اساسية، ونحن نرى ان من اهم نقاط القوة لدى الجالية الهندية في البحرين والخليج انها لا تتدخل في الشئون الداخلية لهذه البلدان.
والهند تسعى لان تكون اكثر حزماً في الشأن الاقتصادي. اننا نرى اولويتنا في تكثيف العلاقات الاقتصادية وتحفيز الاستثمارات بين المنطقتين لان دول التعاون غنية، ولديها صناديق سيادية، والبحرين لديها صندوقها السيادي (ممتلكات)، ونحن يمكننا ان نجتذب المستثمر البحريني والخليجي ونعلم ان الاستثمار له علاقة بالقدرة التنافسية والهند عليها ان تجذب الاستثمارات الخليجية. ونحن نتطلع إلى توسيع آفاق هذا التعاون التاريخي في اللقاء الهندي العربي الثاني الذي سيعقد في ابوظبي في 22 مايو 2012.
في الشأن الاجتماعي – الثقافي، نعتقد ان الهند لديها الكثير من القوة الناعمة في هذا المجال، ونحن لدينا تجربة كبيرة لان مجتمعنا متعدد الديانات ونظامه السياسي ديمقراطي والدولة تتعامل مع جميع الأديان والمكونات في الهند على مسافة واحدة على أساس الإحترام والحقوق والتسامح، ولدينا صناعة الافلام الهندية (بوليوود) وهذه لها اثر كبير في نشر الثقافة الهندية وهي افلام لها شعبيتها في دول الخليج، ولدينا اللغة الانجليزية كلغة رسمية وهي من معالم القوة لدينا، وكذلك نظامنا القانوني، وقطاع التعليم لدينا كبير جدا، ولدينا حاليا اكثر من ألف طالب بحريني في الهند (جامعة بونا)، وانا اقول لأصدقائي في البحرين انه متى ارادوا الحصول على تعليم متطور في الطب والهندسة وتقنية المعلومات مثلاً فان الخيار الافضل هو الهند، لان لدينا مستوى عالمياً متطوراً والكلفة اقل من الاماكن الاخرى. فنحن متقاربون من ناحية المجتمع والثقافة ولدينا الكثير مما نقدمه للبحرينيين في هذا المجال. وهذه هي القوة الناعمة الهندية.
كيف أثرت الأحداث الداخلية في البحرين مثلا على الجالية الهندية؟
– لم نر أي مشكلة سياسية مع الجالية الهندية، وجاليتنا لم تتأذَ ولم يتعرض لها أحد، ولم يحدث خروج جماعي من البحرين بسبب الأحداث. نعم هناك بعض صغار التجار الهنود الذين تأثروا كما تأثر غيرهم بسبب تباطؤ حركة الاقتصاد الناتجة عن الاحداث. والجالية الهندية معروفة بعلاقاتها الحميمية مع الجميع ولم نسجل اي استهداف لاسباب سياسية، ونحن نحترم البحرينيين جميعهم، ونشكرهم على لطف التعامل.
نحن نفتخر في جميع دول التعاون بان من طبيعة الهنود ان يتعايشوا مع الاخرين بسلم وأمان وهذا مصدر قوة لهم، وعمالنا متواجدون في البحرين منذ الثلاثينات من القرن الماضي، وقبل ذلك، قبل عصر النفط، كان تجار الهنود يتواجدون باستمرار، وهناك عوائل معروفة بعلاقاتها التاريخية الايجابية جداً مع البحرين. اننا نشعر ان البحرين متقدمة جدا على دول الخليج الاخرى فيما يتعلق بحميميتها وطريقة تعاملها مع الهنود، وهو امر لم يتغير. ولقد نظرنا إلى المشاكل التي تحصل في البحرين، ولاحظنا انه خلال الأشهر الصعبة الماضية كنا نتابع خمس إلى ست قضايا في الشهر، وهذه ليست كثيرة لان عدد الهنود في البحرين كما ذكرت اكثر من 350 ألف نسمة، ثم ان طبيعة هذه القضايا تتعلق بعدم دفع معاشات للعمال لأربعة او خسمة شهور، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي. كما ان هناك مشاكل تتعلق بقيام بعض اصحاب الاعمال بحجز جوازات الهنود وهذه مشكلة يمكن معالجتها عبر التثقيف من الجانبين، ومشكلة حجز الجوازات تحدث فقط مع اصحاب الاعمال الصغار، وليس مع الشركات الكبيرة.
ماذا عن مشكلات «فري فيزا»؟
– نعم وجدنا مشكلات من هذا النوع ولكنها اصبحت اقل بعد فرض تنظيمات سوق العمل.
ماذا عن الحديث مؤخراً عن ازدياد عدد المنتحرين ضمن العمال الهنود؟
– نعم، في العام الماضي (2011) كانت لدينا ما بين 11 إلى 12 حالة انتحار، بمعدل انتحار واحد شهريا، ولكنا في العام 2012 لاحظنا ان عدد المنتحرين خلال الأشهر الثلاثة الاولى كان 11 حالة، وهذا يعني اربعة اضعاف المعدل. ولقد درسنا هذه الحالات ووجدنا انها ربما تكون مصادفة، وعلينا ان ننتظر أكثر، لان الحالات في 2012 كانت تتعلق عادة بالاكتئاب، او بعلاقات غرامية فاشلة، او ان هناك قضايا عائلية، ونحن الان مازلنا ندرس أكثر هذه الحالات.
ماذا عن المشكلات مع أصحاب العمل؟
– كما قلت ان المشكلات اكثرها تتعلق بعدم الدفع لعدة اشهر، وهناك دفع معاشات اقل من 100 دينار شهرياً، ونحن ننظر إلى الحد الادنى – وهو مستوى نطرحه بصورة ارشادية – هو مئة دينار. ونحن الآن بصدد وضع الفيزا على الانترنت، ونطلب من الهندي قبل ان يأتي إلى البحرين ان يبعث عقد العمل إلى السفارة ليحصل على تعليقنا ونسهل عليه الأمور. ونحن نجرب هذه الطريقة حاليا، وبدأنا بها بصورة تجريبية في الامارات، ونطرحها حاليا على الهنود الراغبين في القدوم إلى البحرين، وهو ما نأمل تثبيته مستقبلا لمنع الخروقات في عقود العمل، اذ ان هناك من يحصل على وعد بمعاش 100 دينار شهرياً ولكنه عندما يصل إلى البحرين يرى ان معاشه 50 ديناراً مثلا. ونحن الآن نسعى إلى حل هذه المشكلة من خلال ادخال السفارة كطرف في التوقيع على الاتفاق قبل ان يسافر الهندي إلى البحرين.
ماذا عن الخادمات الهنديات؟
– بالنسبة للخادمات، فان لدينا شروطاًَ وهي لم تتغير، وهي أولاً ان يكون عمر الخادمة 30 سنة وما فوق لمنع حصول اي شيء فيما يتعلق بطبيعة العمل الذي تقوم به الخادمة، وهناك مطلب المعاش ان يكون 100 دينار شهريا على الاقل. وهذا نطبقه في كل دول التعاون. يمكنك الحصول على خادمة هندية، ولكن يجب الحصول على موافقة السفارة الهندية اولا، وان يقوم صاحب الطلب بايداع 2500 دولار لدى السفارة لكي نستخدمها في حال حصلت مشكلة ونضطر إلى تسفير الخادمة، ولكن هذه الوديعة تعود إلى صاحبها بفوائدها في حال لم تستخدم، وبعد انتهاء عقد الخادمة ورجوعها. البعض يذهب إلى وكالة استجلاب خدم، وبعض هذه الوكالات تجلب هنديات عبر تسفيرهن إلى سريلانكا مثلا ويدفعون للوسيط 700 او 800 دينار وهم لا يعلمون ان هذا لا يحميهم، والوكيل يأخذ المال ولا يلتزم بشيء لهم واذا حصلت مشكلة يعود الأمر للسفارة. وحاليا تتواجد خادمات هنديات في البحرين، اذ ان هناك ما بين 4 إلى 5 آلاف خادمة لدى العوائل في البحرين، ويمكن الحصول على خادمات ولكن بحسب الشروط التي فرضتها الهند في كل دول مجلس التعاون.