محمد العسومي
لطالما شكل الجدل بشأن تحرير أسواق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي قضية ساخنة سواء على المستوى الداخلي أم على مستوى المنظمات العالمية، وخصوصا منظمة العمل الدولية والتي تتابع عن كثب أوضاع العمالة في مختلف بلدان العالم
في الأول من شهر أغسطس/ آب الجاري وضمن الاستجابة لهذه المطالب بدأ في مملكة البحرين تطبيق قانون جديد ألغي بموجبه نظام الكفيل، مما يتيح للعامل الأجنبي حرية تغيير مكان عمله من دون موافقة كفيله السابق، وهي خطوة سيكون لها تأثير مهم على سوق العمل هناك، وذلك بعد أن منعت وزارة العمل في وقت سابق حجز جواز سفر العمال الأجانب من قبل كفلائهم.
هذه الخطوة لقت صدى في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، حيث أصبحت أسواق الخليج متداخلة ومتكاملة بصورة لم يسبق لها مثيل، كما أن هذه الخطوة لقت ترحيبا من المنظمات الدولية ومن بعض الهيئات المحلية في البحرين، في الوقت الذي أبدى رجال الأعمال البحرينيون وغرفة التجارة والصناعة تحفظات وملاحظات كثيرة، يستحق بعضها التوقف عنده لدراسته بعناية.
والحال أن الاستجابة للتغيرات العالمية أمر لابد منه في ظل ظروف العولمة، إلا أن ذلك لابد وأن يتم ضمن ضوابط تضمن حقوق كافة الأطراف وتأخذ بعين الاعتبار ظروف البلدان المعنية وانعكاسات أية خطوة على التنمية الاقتصادية، وهنا بالذات يأتي الدور التشريعي للمجلس النيابي باعتبار أن هذه قضية مهمة تتعلق بالتنمية والبطالة وبالمستوى المعيشي، إلا أن المجلس النيابي يبدو أنه مشغول بأمور جانبية لا أهمية لها وتأخذ من وقته الكثير، كالحفلات السنوية لهيفاء وهبي.
ويبدو أن الخطوة المشار إليها تنقصها مثل هذه الضوابط، إذ من المعروف أن الكثير من الأيدي العاملة الأجنبية تأتي إلى بلدان الخليج غير مدربة، حيث يتم تدريبها هنا وتكتسب من خلال هذا التدريب الخبرة اللازمة والتأهيل اللذين تتطلبهما ظروف العمل، ومن هنا وإذا ما افترضنا أن إحدى الشركات الوطنية أو أحد رجال الأعمال قام باستقدام الكثير من الأيدي العاملة الأجنبية وصرف مبالغ طائلة على تدريبها وقرر الكثير منهم بعد انتهاء فترة التدريب ترك العمل والانتقال إلى شركات أخرى ربما للحصول على رواتب أعلى أو ظروف عمل أفضل. من حيث المبدأ يعتبر ذلك حقا للعامل ويستجيب للمعايير الدولية، إلا أن القانون في الوقت نفسه يجب أن يضمن حق المستثمر، إذ لا يمكن أن تأتي بمجموعة أخرى ويقوم المستثمر بتدريبها، ومن ثم تغير موقع عملها لتبدأ العملية من جديد.. وهكذا.
لذلك لا بد من وضع ضوابط وإتاحة خيارات للانتقال، إذ يمكن أن يلزم القانون العامل بالاستمرار في عمله لفترة معينة، ربما تصل إلى ثلاث سنوات قبل أن يقوم بالانتقال إلى وظيفة أخرى، أو أن يتم إلزام المستخدم الجديد بدفع تكاليف التدريب في حالة عدم استكمال هذه المدة أو أن يقوم جهاز متخصص بتعويض المستثمر عن تكاليف الاستقدام والتدريب والتأهيل. وإذن هناك مخارج كثيرة توائم بين المتطلبات العالمية وحقوق الأيدي العاملة من جهة وبين مصالح المستثمرين والتنمية الاقتصادية من جهة أخرى، وهذه مسألة مهمة لمرحلة النمو القادمة في دول مجلس التعاون، حيث يتطلب الأمر تنظيما دقيقا وواضحا لسوق العمل الخليجي.
القانون الجديد الذي طبق في البحرين لم يأخذ بعين الاعتبار مجمل هذه الاعتبارات، بدليل أن هيئة سوق العمل قالت ”إنها ستجرب لترى مدى انعكاسات التطبيق على سوق العمل”، مما أثار حفيظة رجال الأعمال وغرفة التجارة والصناعة، باعتبار أن هذا الموضوع المهم يجب أن يخضع للدراسة قبل تطبيقه وليس للدخول في تجارب غير واضحة المعالم وربما تضر بالعملية التنموية.
وبما أن هناك الآن دولا خليجية كثيرة تسعى لتطبيق قوانين مماثلة للقانون البحريني، كما أشار إلى ذلك أكثر من وزير عمل خليجي، فإن إشراك غرف التجارة والصناعة واستشفاف آرائها حول سوق العمل الخليجي يخدم الاستقرار والتطور لأسواق العمل الخليجية.
والحال، فإن احتياجات سوق العمل في دول المجلس ستنمو بصورة كبيرة في السنوات المقبلة، وذلك بفعل النمو المتوقع للاقتصادات الخليجية، وسيزداد الطلب على الأيدي العاملة المؤهلة خصوصا، سواء من المواطنين الخليجيين أو من الوافدين، كما ستزداد ضغوط منظمات العمل الدولية، ما يتطلب إيجاد قوانين مرنة تأخذ بعين الاعتبار مصالح كافة الأطراف، في الوقت الذي تستجيب فيه لالتزامات عضوية دول المجلس في منظمة العمل الدولية وفي منظمة التجارة العالمية التي أخذت تلعب دورا متناميا في هذا الصدد على المستوى الدولي.
وفي مثل هذه الظروف، فإن مسألة التنسيق الخليجي تحتل أولوية وأهمية استثنائية، فانتقال الأيدي العاملة، بما فيها الأجنبية بين دول المجلس أصبح أمرا متاحا، وذلك بفعل قيام السوق الخليجية المشتركة، مما يعني ضرورة اتخاذ إجراءات جماعية لتنظيم سوق العمل الخليجي لضمان استقرار هذه السوق وتطورها بما يخدم كافة أطراف الإنتاج.