بقلم: هناء الصفار
مديرة الاتصال بهيئة تنظيم سوق العمل
مرة أخرى تتبوأ مملكة البحرين مكانة متقدمة كوجهة مفضلة للوافدين للعمل والعيش فيها، وفقاً لما أكده مسح أجراه موقع InterNations صدر خلال شهر سبتمبر الجاري، حيث احتلت البحرين المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والثانية عالمياً كأفضل وجهة للوافدين للعمل والعيش مع العائلة لعام 2019، وهو واحد من عشرات التقارير التي صدرت من عدة جهات مختلفة خلال السنوات الأخيرة الماضية.
أهمية هذا الاستطلاع لا تنحصر في اعتبار الوافدين مملكة البحرين وجهة مثالية للعمل وحسب، فكما هو معروف فإنّ بيئة العمل بدول مجلس التعاون متقاربة، وبل وربما تكون فرص العمل ببعض الدول أفضل مما هي عليه في المملكة لعدد من الاعتبارات والتي منها حجم اقتصاديات تلك الدول، إلا أن المميز هو اعتبارها بيئة مناسبة للعيش مع العائلة.
ما الذي جعل البحرين تحظى بهذه المكانة وهذه الأفضلية؟!، تساؤل أعتقد أن الكثير منا لن يعجز عن ذكر الكثير من الأسباب والمميزات التي ننعم بها جميعاً، ولكن يمكنني أن أشير إلى شذرة منها والتي تبدأ من تاريخ عميق يمتد لآلاف السنين، وحضارات متعاقبة، ونقطة تلاقي الخطوط التجارية حيث يعبر عنها جلالة الملك بـ»ملتقى الحضارات وميناء العالم»، وقد أسهم هذا التلاقي في تكوين ثقافة عريقة مبنية على التسامح، وتفهم الآخر، والحفاظ على خصوصيات الآخرين ومنحهم حرية ممارسة الدين والمعتقد بكل أريحية، وهي كما قال جلالة الملك حفظه الله ورعاه «تعبير صادق عن رحابة مجتمعنا وقدرة بلادنا على التعايش المتحضر في ماضيها وحاضرها والتي ستبقي كما نريد لها – بعون من الله تعالى، واحة إخاء ومنارة سلام لأهلها وجميع ضيوفها».
ولكي تتضح الصورة بشكل أكبر، لسنا بحاجة إلا للتجول لبضع دقائق بين أزقة العاصمة المنامة، فبين مساجد المسلمين، تجد أقدم كنيستين على مستوى دول الخليج وهما الكنيسة الإنجيلية الوطنية، وكنسية القلب المقدس الكاثوليكية، وليس بعيداً عنهما معبد شريناتجي الهندوسي والذي يعد كذلك أقدم المعابد الهندوسية في منطقة الخليج، إلى جانب المعبد اليهودي، علاوة على المراكز الدينية والثقافية لمختلف الطوائف والأقليات الأخرى.
كما أن أريحية ممارسة الشعائر، واحترام الآخر بل مشاركتهم في مناسباتهم يعتبر جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا، فمن عاشوراء التي تم إحياؤها أخيراً في البحرين تجد اهتمام الدولة بكافة أجهزتها بتقدم الدعم والتسهيلات، وفي المشهد الآخر تجد مشاركة الوافدين، وزيارتهم لبعض الحسينيات وعدد من القرى والأحياء، يلتقون بالمواطنين دون أي درجة من التمييز، بل يحصلون على كامل الضيافة والتقدير والترحيب.
وليس بعيداً عنا كذلك شهر رمضان المبارك والذي فرشت الشوارع خلاله لموائد الرحمن وكان معظم روادها من الوافدين، وكذلك احتفالات الهندوس بعيد الهولي أو ما يطلق عليه بعيد الألوان، وغيرها من المناسبات.
احترام، تقبل، تسامح، تجانس، مفردات وممارسات راسخة في المجتمع لم يتم اختراعها أو فرضها بل وجدت بفضل تاريخ عميق وثقافة امتزجت بأخلاقيات العديد من الشعوب التي مرت وحطت رحالها على أرض «الخلود» كما كان يعبر عن البحرين قديماً، وهي نبراس يضيء بلادنا ورسالة سلام نقدمها في اليوم العالمي للسلام والذي يصادف 21 من شهر سبتمبر من كل عام، إلى دول العالم كنموذج جميل وسط عالم متقلب.
كلنا ثقة بأن هذه الثقافة كما حملناها عن آبائنا ستصل إلى أبنائنا ليحافظوا عليها ويوصلوها إلى أبنائهم فيما سيبقى دور الحكومة الموقرة كما كان على مر العقود الماضية هو التجانس المجتمعي وصيانة وتنظيم هذه الممارسات والحفاظ على هذا النسيج الاجتماعي الراقي ضد أي محاولات لتعكيره.