المنظمات الدولية تراقب النظام المرن باعتباره أهم الممارسات على صعيد منح العمالة حقوقها

ليست البحرين وحدها التي تراقب نظام العمل المرن باعتباره التجربة الرائدة التي تم تدشينها قبل عام كخدمة جديدة لدعم السوق المحلية ناهيك عن كونها المظلة القانونية لقطاع ليس بقليل من العمالة التي تعاني من اختلال وضعها القانوني والتي يحتاجها السوق بناءً على العرض الراهن، بل إن المتابعة والمراقبة لهذه الممارسة الجديدة أصبحت محط أنظار كافة المنظمات الدولية المعنية وفي مقدمتها الأمم المتحدة، إضافة إلى المجتمع الدولي الذي يرى في تسوية أوضاع العمالة القانونية كوجود في مختلف دول العالم أمرًا في غاية الأهمية لضمان السلم المجتمعي ومكافحة بؤس ومعاناة قطاع من هذه الفئة الرئيسة من تكوين المجتمعات والأسواق في العالم على حد سواء.

في يوليو القادم يكون قد مضى عام على تدشين هذه الخدمة والتجربة التي تم تطبيقها عمليًا في مطلع يوليو 2017 بعد إصدار مجلس الوزراء قراره باعتماد المشروع، وقد تمكنت هيئة تنظيم سوق العمل، بتوجيهات من لدن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد النائب الأول لسمو رئيس الوزراء، أن تضع مشروع النظام المرن بعد ستة أشهر من التطبيق ضمن المواضيع الرئيسة على طاولة اجتماعات الأمم المتحدة المعنية بالتحضير لصياغة العهد الدولي للهجرة، المزمع إصداره مع نهاية هذا العام، وتم استحضار النظام المرن كأحد أهم الممارسات المتعلقة بالعمالة في المنطقة، في جميع الاجتماعات والفعاليات التي تم المشاركة فيها دوليًا.

كما تم دعوة هيئة تنظيم سوق العمل لاستعراض تجربة مملكة البحرين المتمثلة في مشروع النظام المرن في عدد من الدول على هامش الاجتماعات والمشاورات الخاصة بصياغة العهد الدولي، حيث تم استعراض المشروع في جنيف وفي تايلاند والمكسيك والولايات المتحدة الامريكية، إضافة إلى استعراض المشروع في المملكة المتحدة لعدد من الفعاليات البريطانية الرسمية تأكيدًا على أهمية المشروع وترسيخًا لريادة مملكة البحرين على صعيد تنظيم السوق ودورهها في دعم الجهود الدولية الرامية لمنح العمالة حقوقها.

إن النظام المرن هو مشروع من المشاريع الذي يمنح السوق المحلية حزمة من الخيارات لدعم أطرافه، وتمكنهم من حقوقهم القانونية والإنسانية التي تلتزم بها مملكة البحرين كدولة عصرية ذات اقتصاد مفتوح على العالم، وجاء مشروع النظام المرن بعد دراسات عديدة واختبارات ميدانية متخصصة لظاهرة العمالة غير النظامية أو ما يطلق عليها العمالة السائبة، ناهيك عن مراجعة دقيقة لكافة المعالجات السابقة لهذه الظاهرة، فوجدت الهيئة أن المعالجة طالت أعراض المشكلة وهي في الغالب اجتماعية وأمنية، لذا فإن النظام المرن أحد المقترحات للتعامل مع أصل الإشكالية وهي حاجة السوق لهذه العمالة إذن نحن أمام مسألة عرض وطلب وهي شأن اقتصادي صرف وهذا هو منبع الإشكالية، من هنا كان ينبغي وضع حلول ذات صبغة تنظيمية اقتصادية تتوافق مع المعايير القانونية المحلية والدولية، ووضع التقنين والتنظيم عنوانًا للحل لتجفيف منابع الظاهرة كاستراتيجية في محاربتها.

تبلور مشروع النظام المرن بعد عدة دراسات موضوعية متخصصة لواقع السوق استمرت على مدى سنوات طويلة من المراقبة للاختلالات التي يعاني منها السوق وخصوصًا ظاهرة العمالة السائبة، الذي يأتي نظام العمل المرن كنتاج لها للمساهمة في الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة لمعالجة هذه الظاهرة التي أصبحت أهم معاول التشوهات الراهنة التي تعاني منها السوق المحلية وربما الخليجية، وكذلك التشوهات على صعيد المعلوماتية حيث تسبب هذه الظاهرة عقبات وموانع لانسياب المعلومات وتؤثر على صحتها ومدى واقعيتها في تشيخص حالة السوق ومن ثم وضع الحلول.
وقد وجدت الدراسات أنه مع تطور سوق العمل والنمو الاقتصادي، نشأت عدة ظواهر سلبية وعلى الأخص ظاهرة العمالة غير النظامية (أو ما يعرف بالعمالة السائبة أو الفري فيزا) التي شكلت جزءًا من سوق العمل وأخذت منحى سلبيًا على الاقتصاد والمجتمع. وقد سعت الحكومة لمكافحة هذه الظاهرة من خلال عدة أساليب منها أسلوب ضبط العمالة غير النظامية وتسفيرها خارج البلاد، وكذلك أسلوب ملاحقة أصحاب العمل والوسطاء والمتاجرين في رخص العمل، إلى جانب التطورات التشريعية من خلال منح العمالة الوافدة حرية الانتقال من صاحب عمل إلى آخر، وكذلك فتح المجال للعمالة غير النظامية بتصحيح أوضاعها القانونية دون اتخاذ أي عقوبات من خلال فترات السماح.
وكان لهذه الأساليب تأثيرها إلا أن الظاهرة لا تلبث حتى تعود إلى سابق حجمها وذلك يعود إلى أسباب تتعلق بمبدأ العرض والطلب، حيث توجد حاجة في السوق المحلية لهذا النوع من العمالة التي بإمكانها تأدية أعمال مؤقتة وطارئة سواء للأفراد أو للشركات وأصحاب العمل.
من جهة أخرى، تبين من خلال دراسة أنواع وأسباب نشوء العمالة غير النظامية بأن 85% من هذه العمالة نشأت لأسباب تتعلق بصاحب العمل نفسه، حيث يقوم باستقدام العمالة إلى البلاد ولا يفي لاحقًا بالتزاماته تجاهها مثل تجديد تصاريح العمل أو القيام بإلغاء التصريح أو إلغاء السجل التجاري وغيرها، مما يضع العمال في موقع الضحية
وعليه، فقد سعت حكومة مملكة البحرين لتقنين تواجد العمالة الوافدة في سوق العمل ووضع إطار قانوني يسمح لها بمزاولة مهن وأعمال محددة بما يخدم المواطن وصاحب العمل ولا يعطي ميزة تنافسية لها في مقابل القوى العاملة الوطنية أو أصحاب العمل، حيث تمت دراسة الخيارات المتاحة بدقة وبالتشاور مع غرفة تجارة وصناعة البحرين التي تمثل أصحاب العمل.
تصريح العمل المرن
إن التصريح المرن عبارة عن تصريح يسمح للشخص المؤهل بالعمل والإقامة في مملكة البحرين بدون صاحب عمل (كفيل) لمدة سنتين قابلة للتجديد، حيث يمكنه العمل في أية وظيفة غير تخصصية مع أي عدد من أصحاب الأعمال بدوام كامل أو جزئي. ولا يمكن لحامل التصريح المرن أن يقوم بتوظيف الغير أو الاشتغال في الوظائف المحظورة.
وتصدر هيئة تنظيم سوق العمل نوعين من التصاريح المرنة تشمل:
1. تصريح مرن: هذا التصريح يمكن حامله من العمل في أية أعمال غير تخصصية ولا يسمح له بالعمل في المطاعم أو الصالونات أو الفنادق. ولن يتاح لحامل هذا التصريح بالعمل في مهن تتطلب الحصول على ترخيص مهنية أو في وظائف تخصصية.
2. تصريح ضيافة مرن: هذا التصريح يمكن حامله من العمل في أية أعمال غير تخصصية كما يسمح له بالعمل في المطاعم أو الصالونات أو الفنادق أو المهن التي تتطلب إجراء فحص طبي أو تصريح صحي.
الفئات التي يشملها تصريح العمل المرن
سيتاح للعمالة الوافدة غير النظامية (التي نشأت لأسباب تعود لصاحب العمل) بالاستفادة من نظام تصريح العمل المرن وعلى الأخص الفئات التالية:
1. العمال الوافدون ذوو تصاريح العمل الملغية سواء من صاحب العمل أو لأسباب تتعلق بإغلاق المنشأة التجارية.
2. العمال الوافدون ذوو تصاريح العمل المنتهية والتي لم يتم تجديدها من قبل أصحاب عملهم.
هذا ولن يسمح للعمالة الوافدة المستقدمة من خارج البلاد بعد بدء النظام بالاستفادة من هذا التصريح، كما لن يسمح للعمالة التي تركت العمل بمحض إرادتها وخالفت شروط تصريح العمل والإقامة وكذلك لن يسمح للعمالة المنزلية بالحصول على تصريح عمل مرن.
مميزات نظام التصريح المرن
1. تصحيح أوضاع العمالة غير الشرعية، وتقنين تواجدها في سوق العمل من خلال سجلات رسمية ومعرفة كافة المعلومات حولها.
2. يحق للعامل المرن العمل على أساس تعاقدي مع عدة أصحاب عمل.
3. يحق للعامل المرن الدخول والخروج إلى البلاد بناء على طبيعة تأشيرة العمل متعددة السفرات.
4. استفادة العامل من الخدمات الصحية المقدمة في المراكز الصحية الحكومية وكذلك الخاصة، وضمان معالجة أي مشاكل صحية أو الأوبئة التي تتعرض لها وتؤثر على صحة الفرد والمجتمع.
5. تمتع العمالة بالحماية القانونية التي يوفرها قانون العمل في القطاع الأهلي والقوانين الأخرى.
6. يجنب العامل الوافد من التعرض للاستغلال أو انتهاك الحقوق من أصحاب العمل أو الوقوع ضحية للاتجار بالبشر كنتيجة مباشرة لشبكات المتاجرة في رخص العمل.
الرسوم المفروضة على تصريح العمل المرن
يفرض على العامل المرن تسديد رسوم تصريح العمل، مثل سائر أنواع تصاريح العمل الأخرى، كما يفرض عليه دفع تكلفة التأمين الصحي نظير الاستفادة من الخدمات الصحية. بالإضافة إلى ذلك سيفرض على العامل المرن إيداع مبلغ يعادل (90 دينارًا) كتأمين عن تذكرة السفر يعوض عنها عند مغادرته أو يتم استخدامها لترحيله عن البلاد في حال مخالفته لشروط تصريح العمل المرن أو مخالفته للقوانين المطبقة في البلاد.
علاوة على ذلك يفرض على العامل المرن دفع رسوم شهرية عن تصريح العمل تعادل ستة أضعاف الرسوم المفروضة على رخص العمل الأخرى التي تمنح للعمالة النظامية التي تعمل لدى صاحب عمل محدد.
من خلال دراسة الوضع الاقتصادي في سوق العمل وتوزيع القوى العاملة فيها، لن يتيح هذا النظام أي منافسة للعمالة الوطنية، حيث سيسمح للعامل المرن بالعمل في مهن ووظائف متدنية المستوى ولا تقبل عليها العمالة الوطنية. كما أن الرسوم المرتفعة المفروضة عليها لن تسمح لها بمنافسة أصحاب العمل أو الشركات النظامية بكل حرية كما هو الوضع السابق لتطبيق النظام. كما أن هذا النظام لا يلغي ولا يستبدل السياسات المطبقة في المملكة لتوطين الوظائف وتأهيل المواطنين من خلال برامج التدريب والحوافز التي تقدمها الحكومة للشركات لتوظيف العمالة الوطنية.
المراجعة والتقييم
بغرض مراقبة النظام وتقييم مدى تأثيره على سوق العمل فإنه سيتم قياس مدى نجاح التجربة والآثار الإيجابية أو السلبية لتطبيق النظام، وذلك بصورة دورية، كما أن النظام يلزم كل من يحصل على التصريح المرن بمراجعة دورية كل 6 أشهر لأخذ المعلومات والبيانات الضرورية من العامل لتحليل حركته وتقييم النظام واتخاذ خطوات أخرى إن تطلب الأمر.