قناة CNBC الاقتصادية العالمية تعرّف مشاهديها على النموذج البحريني لإصلاح سوق العمل

أجرت قناة CNBC الاقتصادية العالمية حوارا مطولا مع الرئيس التنفيذي لهيئة سوق العمل أسامة العبسي، تعرَّف جمهور القناة في دول المنطقة من خلاله، على النموذج البحريني في إصلاح سوق العمل والخطوات الرائدة التي قامت بها الهيئة في هذا المجال.

القناة التي تملك مكاتب في دول المنطقة ولندن وغيرها، ويتابعها ملايين المشاهدين من نخبة أصحاب القرار السياسي والاقتصادي وجمهور رجال الأعمال، بادرت إلى التواصل مع هيئة سوق العمل في البحرين من أجل تحقيق لقاء صحفي متلفز يقدم قيمة حقيقية إلى مشاهدي القناة.

وقال مذيع القناة خلال الحوار إن مملكة البحرين كسرت العديد من الحواجز وتخطت العديد من المشاكل، معربا عن أمنيته بالتقدم لمملكة البحرين في جميع القطاعات وليس في القطاع الاقتصادي فقط، وفيما يلي نص حوار قناة CNBC مع أسامة العبسي:

* نبدأ الحوار من الرؤية الاستراتيجية للهيئة، فما هي أبرز الأهداف ورسالة هيئة سوق تنظيم العمل بشكل عام؟
– هيئة تنظيم سوق العمل كانت أول مشروع من مشاريع الإصلاح الاقتصادي الذي أُطلق في البحرين عام 2004، إذ إصلاح سوق العمل يأتي نتيجة لتراكمات إدارية كثيرة في أسواق العمل في المنطقة بصورة عامة، واعتبارها من قبل الأنظمة الحكومية إجرائية وأمنية، ولكن لم تأخذ دورها الاقتصادي بالاعتبار، ومن ثم جاء الإصلاح لسوق العمل جزءًا من منظومة الإصلاح الاقتصادي.

واحتفلت الهيئة في العام الماضي بمرور عشر سنوات على تأسيسها، وتغير خلال هذه العشر سنوات الكثير، لكن مازال أمامنا كذلك الكثير؛ لأن التغيير ليس تغييرًا إجرائيًا أو قانونيًا فقط، بل هو تغيير نمطية تفكير، تغيير آلية تعامل، والدخول لاعبا فاعلا في الجانب الاقتصادي بدلًا من أن يكون الدور اجتماعيا أو تنظيميا فقط.

*من خلال هذه الاستراتيجية، هل هناك أي قوانين وتشريعات قد أُصدرت وبالفعل رأيتها مؤثرة في هذا المجال؟ وهل هناك أيضا أي قوانين وتشريعات من المتوقع إطلاقها في القريب العاجل؟
– أُطلقت مع بداية الهيئة، الفرق هو أن عند إنشاء الهيئة أُعطيت الهيئة الصلاحيات في مجلس إدارتها كاملة لإدخال التغييرات، فالقانون واحد، ولم تُطلق قوانين أخرى، ولكن الصلاحية من ضمن هذا القانون أعطيت إلى الهيئة لكي تتدرج الإجراءات، فعلى سبيل المثال، في عام 2008 بدأت الهيئة في تطبيق آلية حرية الانتقال، إذ إنه سابقا من أساسيات نظام الكفيل المتعارف عليه في المنطقة والعالم، أن العامل الأجنبي لا يمكن أن يترك العمل لدى صاحب العمل دون موافقته، وهذا أعطى سلطة كبيرة جدا إلى صاحب العمل أخلّت بميزان العلاقة، ولكن في الوقت نفسه أضرت بالاقتصاد وأضرت بالعامل، لهذا أُطلق على سبيل المثال حرية انتقال العامل دون موافقة صاحب العمل، وقد ظن الكثير في هذا الوقت أن هذا سيسبب هزات وإرباكا للعمل، ولكن على العكس، ما وجدناه بعد 9 سنوات تقريبا من التطبيق انه ارتقى ببيئة العمل، لماذا؟ لأنه أصبح على صاحب العمل الآن أن يوفر البيئة المناسبة للعامل لكي يبقى معه، فالعامل أصبح لا يبقى مع صاحب العمل؛ لأن القانون لا يلزمه، فالآن أصبح العامل يبقى مع صاحب العمل لأنه يريد ذلك، فارتقت بيئة العمل، وأصبحت إنتاجيتها أكثر، وفي الوقت نفسه إنسانيتها أكثر.

كما أطلقنا الشهر الماضي مشروعا جديدا، وهو الأول من نوعه في المنطقة؛ عامل أجنبي يقيم ويعمل في البحرين دون كفيل ودون صاحب عمل، وهو كافل لنفسه، قد يظن البعض أن هذه الفئة أعطيت مثلا إلى المهندسين والأطباء والمحاميين، لا، فقد أعطيت إلى أدنى درجات العمال.

لنتحدث لو سمحتم عن سوق العمل في البحرين وأبرز الأرقام والإحصائيات لسوق البحرين، ربما يكون صغيرًا نسبيا إذا ما قورن بالأسواق الأخرى، لكن كما ذكرت، وهو واضح، أن هناك مرونة عالية جدا بالفعل، وبطبيعة الحال سوف ينعكس أيضا على قطاع العمل، لو تحدثنا أكثر عن سوق العمل في البحرين.

سوق العمل في البحرين لا يختلف عن المنطقة. هو يقع في منتصف الأرقام بالنسبة إلى دول الخليج، هناك الأقل من البحرين في نسبة الوافدين وهناك الأكثر منها، نسبة الوافدين في البحرين في سوق العمل 82% وتقريبا أعدادهم بصورة إجمالية 700 ألف، ولكن يختلف في الأرقام أن مثلا من ضمن هذه الـ82% ترى أن حركة الانتقال داخل السوق نسبيا عالية، وإن كنت أنا لا أرضى بها، حركة الانتقال في سوق العمل البحريني تكون في حدود الـ12% يتحركون سنويا داخل السوق.

* أتوقع أنه في الوقت نفسه كل هذه الأنظمة والقوانين دفعت المواطن إلى أن يكون أكثر منافسة وجدارة وكفاءة في الانتاجية، لنتحدث أكثر عن سوق العمل ونسب البطالة، فإلى أين وصلت نسب البطالة في البحرين مؤخرا؟
– البطالة في منطقة الخليج عامة هي بطالة هيكلية، بمعنى كيف يمكن أن يكون لدينا عاطلون عن العمل ونحن في الوقت نفسه نأتي بمئات الآف بل ملايين العمال من الخارج؟! هذا يعني أن هناك فجوة ما بين العرض والطلب في سوق المواطن وتعامله مع صاحب العمل.

نسبة البطالة في البحرين كانت قبل بدء إجراءات تنظيم سوق العمل وإصلاحه، إذ تم البدء في 2006 فكانت البطالة في فترة من الفترات تقارب الـ9% ولم تكن محصورة وكانت الأرقام تقريبية، بعد 10 سنوات من تطبيق هذا النظام انخفضت نسبة البطالة لتتراوح ما بين 3.7% و3.9% وتتغير، لكن هي الآن دون 4%. اقتصاديا تعد نسبة صحية جدا، وجزء من آلية إصلاح السوق أن نردم الفجوة في التكلفة بين العامل الوافد والعامل البحريني، وعلى ذلك الهيئة تفرض رسوما على صاحب العمل، وهذه الرسوم 80% منها يذهب إلى مؤسسة شقيقة للدولة اسمها «هيئة صندوق العمل» تسمى «تمكين»، تقوم بتنمية مهارات البحرينيين ودعم القطاع الخاص.

* لنتحدث الآن عن نقطة مهمة ربما هي تكون من أبرز التحديات التي تواجه سوق العمل، خصوصا في المنطقة، وهي متطلبات سوق العمل والربط بينه وبين مخرجات التعليم، هل هناك دور من الهيئة في هذه النقطة أو الحل أو التقليل من هذه الفجوة؟
– الدور الأساسي لدينا في هذا المجال التعاون مع الجهات الأخرى؛ لأننا المصدر الرئيس الوحيد لمعلومات سوق العمل، والهيئة منذ إنشائها تحديدا لم تضع أي قيود على اختيارات صاحب العمل في عملية التوظيف من الخارج، ولذلك المعلومة لدينا معلومة صحيحة وموثوق بها؛ لأن صاحب العمل يقدم المعلومات العامة التي لديه بشكل عام، وعلى سبيل المثال اليوم لو أراد رئيس جامعة البحرين أن يعرف حجم سوق العمل في تخصص المحاسبة ونموه و معدلات الأجور فيه، وأين هو ذاهب، نحن نوفر له هذه المعلومات، فنحن نتحدث عن أن 82% من السوق هم الوافدون، وأنا لدي معلومات عن الـ82% بالوظائف الموجودة في البحرين ودقتها عالية جدا، ومن ثم تعاملنا مع المجلس الأعلى للتعليم العالي ومع الجامعات الموجودة في البحرين، سواء جامعات خاصة أو حكومية، ومع وزارة التربية وغيرها.

* أجور العمل في البحرين، لو تحدثنا عنها أكثر، عادة هل هناك حد معين أو حد أعلى بالنسبة إلى المواطن أو الوافد؟ وهل هناك فرق ما بين هذه الحدود؟ وإلى أي مدى تراها ملائمة مع الكلفة المعيشية في البحرين؟
– لا يوجد في البحرين سياسة أو قانون الحد الأدنى للأجور، ليس مطبقا لا على المواطن ولا على الوافد، فنحن نؤمن بمبدأ السوق الحرة المفتوحة، والشخص يأخذ ما تراه السوق يستحقه، هناك فجوة بالتأكيد بين معدلات الأجور للبحرينيين ومعدلات الأجور للوافدين، ولكن هذه الفجوة في تقلص، فحاليا نتحرك على رفع مستوى الأجور للجميع، غير أن بعض السياسات أدت إلى ردم هذه الفجوة، مثل سياسة حرية الانتقال، وحرية الانتقال هذه أعطت العامل الوافد القدرة على أن يتفاوض بعد بدء العمل، إذ إنه يعمل مع صاحب العمل ويصل إلى مرحلة من النضج في وظيفته، ثم يتفاوض معه، فإن أخذ الراتب الذي يريده «خير وبركة»، وإذا لم يُعطَ ما يرضيه فينتقل إلى صاحب عمل آخر، فالحركة هذه أدت إلى رفع الأجور للعمالة الوافدة، ولذا ضاقت الفجوة بين العمالة الوافدة والعمالة المواطنة، ومن ثم فإن الفكرة التي ترسخت عند العامل الوافد «أنه أرخص» بدأت تتلاشى، وبدأ صاحب العمل ينظر إلى القيمة المضافة للعامل بدلا من أن ينظر إلى الراتب.