انخفاض قضايا الاتجار بالبشر إلى 6 حالات في 2011م مقارنة في 16 عام 2010م

يعرف “بروتوكول باليرمو” الصادر عن الأمم المتحدة والخاص بمنع ظاهرة الاتجار بالأشخاص في جميع أنحاء العالم والمعروف اختصارًا بـ TIP في المادة رقم 3 من الاتجار بالبشر بأنه: (تجنيد ونقل وإيواء أو استقبال الأشخاص من خلال وسائل التهديد أو استخدام القوة أو غيرها من أساليب الإكراه والاختطاف والتزوير والخداع وسوء استخدام السلطة أو موقف ضعف او إعطاء أو استلام دفعات مالية أو خدمات للحصول على موافقة الشخص على أن يسيطر عليه شخص آخر من أجل استغلاله. يتضمن الاستغلال في حده الأدنى، استغلال الأشخاص للعمل في البغاء أو أية أشكال أخرى من الاستغلال الجنسي، أو الإكراه على العمل أو الخدمات العبودية، أو ممارسات مشابهة للعبودية، الأشغال الشاقة الإجبارية، أو إزالة الأعضاء).
وقد توصل التقرير الدولي الأول حول الاتجار بالأشخاص الذي أعده مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات (UNODC) إلى نتيجة مفادها أنه “لا يوجد تقريبًا بلد محصن من هذه الظاهرة”، وبذلك فإن مملكة البحرين شأنها في ذلك شأن العديد من دول العالم التي قد تعاني من ظاهرة الاتجار بالأشخاص، وفي الواقع فإن هناك الكثير من العمالة الذين يتعرضون لأنواع مختلفة من سوء المعاملة والاستغلال في مختلف أرجاء العالم، وتبذل مملكة البحرين الجهود اللازمة للقضاء على كافة صور الاتجار بالأشخاص واستغلال البشر سواء للأغراض الجنسية أو استغلال العمال بطريقة غير قانونية.

البحرين سباقة في حفظ حقوق الإنسان

وللحديث حول ظاهرة الاتجار بالبشر كان لنا هذا اللقاء مع العقيد عبدالرحمن سنان مدير عام الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية، حيث أكد أن البحرين سباقة في حفظ حقوق الإنسان وصون كرامته حيث سن المشرع البحريني العديد من القوانين التي تضمن حقوق الإنسان ومنها المادة 198 من قانون العقوبات البحريني التي نصت على انه (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة استخدم عمالاً في عمل للدولة، سخر أو احتجز بغير مبرر أجورهم كلها أو بعضها)، والمادة 302 مكرر من نفس القانون (مع عدم الإخلال بأحكام المادة 198، يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استخدم عمالاً سخرة في أي عمل من الأعمال أو احتجز بغير مبرر أجورهم كلها أو بعضها).

وأوضح مدير عام الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية أن المشرع البحريني لم يغفل عن هذه الظاهرة المنتشرة في العالم لذلك وضع القانون رقم 1 لسنة 2008 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر، حيث نصت المادة 2 منه على أنه (مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر، يعاقب بالسجن والغرامة التي لا تقل عن ألفي دينار ولا تجاوز عشرة آلاف دينار كل من ارتكب جريمة الاتجار بالأشخاص وفي حالة الحكم بالإدانة يُلزم الجاني بدفع المصاريف، بما فيها مصاريف إعادة المجني عليه إلى دولته إذا كان أجنبيًا.

وتأمر المحكمة في جميع الأحوال بمصادرة الأموال والأمتعة والأدوات وغيرها مما يكون قد استعمل أو أعد للاستعمال في ارتكاب الجريمة أو تحصل منها)، والمادة 3 من نفس القانون تنص على أنه (يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف ولا تجاوز مائة ألف دينار كل شخص اعتباري ارتكب جريمة الاتجار بالأشخاص باسمه أو لحسابه أو لمنفعته من أي عضو مجلس إدارة أو مسؤول آخر في ذلك الشخص الاعتباري أو تابع له أو ممن يتصرف بهذه الصفة. ولا يخل ذلك بالمسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين الذين يعملون لدى الشخص الاعتباري أو لحسابه طبقًا لأحكام هذا القانون. ويجوز للمحكمة أن تأمر بحل الشخص الاعتباري أو بغلقه كليًا أو مؤقتًا، ويسري هذا الحكم على فروعه. وتأمر المحكمة في جميع الأحوال بمصادرة الأموال والأمتعة والأدوات وغيرها مما يكون قد استعمل أو أعد للاستعمال في ارتكاب الجريمة أو تحصل منها. ويكون الشخص الاعتباري مسؤولا مع الشخص الطبيعي عن المصاريف، بما فيها مصاريف إعادة المجني عليه إلى دولته إذا كان أجنبيًا).

صون كرامة الإنسان وحفظ حقوقه

كما أضاف أن مملكة البحرين سباقة في مجال حماية حقوق الإنسان من خلال التوقيع على الاتفاقيات والمواثيق التي من شأنها صون كرامة الإنسان وحفظ حقوقه ومنها المرسوم بقانون رقم 16 لسنة 1991 بشأن انضمام مملكة البحرين إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة في نوفمبر 1989، والمرسوم بقانون رقم 5 لسنة 2002 بالموافقة على الانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والقانون رقم 4 لسنة 2004 بالموافقة على انضمام مملكة البحرين إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولين المكملين لها، والقانون رقم 19 لسنة 2004 بالموافقة على انضمام مملكة البحرين إلى البروتوكولين الاختياريين بشأن اشتراك الأطفال في الصراعات المسلحة وبيع الأطفال وبغاء الأطفال والمواد الإباحية عن الأطفال الملحقين باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، والمرسوم رقم 7 لسنة 1990 بشأن الانضمام إلى الاتفاقية الخاصة بالرق المبرمة في سبتمبر 1926 والمعدلة بالبروتوكول المحرر عام 1953 وإلى الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات بالرق لعام 1956.

الأطفال أكثر استهدافًا بالاتجار بالبشر

وأشار العقيد سنان إلى وجود عدة أسباب للاتجار بالبشر تم التوصل لها من خلال دراسة القضايا التي وردت لشعبة مكافحة الاتجار بالبشر ومن أبرزها الفقر، ورغبة الضحايا في الحصول على مستوى معيشي أفضل في مكان آخر، والبنية الاقتصادية والاجتماعية الضعيفة في بعض المجتمعات، والرغبة في الكسب المادي السريع وغير المشروع، وقلة فرص العمل، بالإضافة إلى ضعف الوازع الديني، والجريمة المنظمة، والمشاكل الأسرية والعنف ضد الأطفال والنساء، وضعف التثقيف والتعليم، وعدم الاستقرار السياسي.

وأضاف العقيد سنان أن الفئات المستهدفة في عملية الاتجار بالبشر هم الأطفال، والفتيات القصر والنساء، والمشردون، والعمالة الأجنبية كخدم المنازل ومن في حكمهم وهم الفئة المستهدفة أكثر من غيرها، ومن أبرز أشكال وصور الاتجار بالبشر التحريض على البغاء، وحجز حرية الأشخاص بغير حق قانوني، والخدمة القسرية، ونزع الأعضاء بهدف بيعها، والممارسات الشبيهة بالاسترقاق والاستعباد، وسرقة وبيع الأطفال.

تطوير التعاون بين الدول والمنظمات

وأكد العقيد سنان على الجهود التي تبذلها الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية ممثلة في شعبة مكافحة الاتجار بالبشر في التصدي لهذه الظاهرة، وذلك من خلال تطوير وتبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة جرائم الاتجار بالبشر على الأصعدة الدولية والإقليمية والوطنية، والتعرف على مرتكبي هذه الجرائم، وطرق ووسائل الاتجار، وحماية ضحايا الاتجار بالبشر، وتفعيل القوانين والأنظمة الصادرة في مجال الاتجار بالبشر واتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذها، ولفت نظر الرأي العام العالمي لخطورة هذه الظاهرة، ووضع البرامج الوقائية التي تحد من سقوط ضحايا من النساء والأطفال والرجال في قبضة المتاجرين بالأشخاص، وتطوير التعاون بين الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني لمكافحة الظاهرة، وزيادة قدرة الأجهزة الأمنية من خلال تطبيق القوانين، واتخاذ إجراءات فعالة لحماية الحدود لمنع وكشف وضبط جرائم الاتجار بالأشخاص.

وأكد على أهمية تشجيع إجراء البحوث والدراسات في الموضوعات المتعلقة بالاتجار بالبشر، وتطبيق قوانين مكافحته، ورفع كفاءة الأجهزة الأمنية لمواجهة عصابات الجريمة المنظمة التي تقوم بالاتجار بالبشر وتوفير التدريب للقضاة وأعضاء سلطة التحقيق ومنفذي قوانين مكافحة الاتجار بالبشر، وتوفير التدريب للعاملين في مجال علاج ضحايا الاتجار بالبشر، بالإضافة إلى الاهتمام بالتقدم التقني واستخدام التكنولوجيا الحديثة وتوظيف الانترنت والحاسب الآلي في اكتشاف والحد من انتشار جرائم الاتجار بالبشر وخاصة الاستغلال الجنسي.

وأوضح أن شعبة مكافحة الاتجار بالبشر تلقت 16 بلاغًا عام 2010 و6 بلاغات عام 2011 ، عن طريق الخط الساخن لتلقي البلاغات والشكاوي عن حالات الاتجار بالبشر أو الاشتباه بها على الرقم الخاص (992 )، ومعظم هذه القضايا هي إجبار المجني عليهم على العمل أو “التحريض على ممارسة الدعارة بالإكراه وحجز الحريات”، ومن ضمن القضايا قضية بيع امرأة وتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتورطين فيها وجمع الأدلة في الجرائم ذات الصلة بالاتجار بالبشر وتمت إحالة أوراق قضايا الجرائم المتعلقة بالاتجار بالبشر إلى النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم بشأنها، والتنسيق مع الأجهزة المختصة في وزارات الخارجية والعمل ووزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية وحقوق الإنسان وهيئة تنظيم سوق العمل وغيرها من الجهات المعنية بشأن تلقي البلاغات وتبادل المعلومات اللازمة في الجرائم ذات الصلة بالاتجار بالبشر، والقيام بنشر التوعية اللازمة لمكافحة الاتجار بالبشر، وقد تم إنشاء نظام آلي لحفظ المعلومات الخاصة بضحايا الاتجار بالبشر.

استقدام الفتيات وحجز حريتهن بأساليب الترهيب

ومن أبرز القضايا التي وردت للشعبة، واقعة قيام متهمين بجلب فتيات من دولة آسيوية وإرغامهن على ممارسة الدعارة بالإكراه وحجز حريتهن وجوازات سفرهن ومنعهن من العودة إلى بلادهن، وتم إلقاء القبض على المتهمين وإحالتهما إلى النيابة العامة وقضت المحكمة بحبسهما 5 سنوات مع النفاذ، وهناك قضية أخرى وهي قيام عدد من المتهمين بجلب نساء من دولة آسيوية للعمل كخادمات وبعد وصولهن تم إجبارهن على العمل في نواد ليلية، وحجز حريتهن بأساليب الترهيب المتمثلة في حجز جوازات سفرهن ومنعهن من السفر إلى بلادهن، وفي واقعة أخرى قامت المتهمة بجلب العمالة من دولة آسيوية للعمل كنادلات ومقدمات أطعمة ثم قامت بتوزيعهن على المرافق السياحية وإجبارهن على ممارسة الدعارة واستغلالهن في ذلك وحجز حريتهن المتمثلة في حجز جوازات سفرهن ومنعهن من السفر إلى بلادهن، وقضت المحكمة بحبس المتهمة لمدة 3 سنوات وغرامة 3 آلاف دينار والإبعاد نهائيًا عن البلاد.

ومن ناحية أخرى أشار المدير العام للإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية إلى أنه بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية وإحالة القضية إلى النيابة العامة يتم أخذهن إلى دار لإيواء ضحايا الاتجار بالأشخاص تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية وحقوق الإنسان والتي تخضع لإشرافها بالتعاون مع الأجهزة القضائية المختصة والنيابة العامة، كما خصصت مكانًا لإيواء النساء الأجنبيات اللواتي لم يرتكبن جرائم جنائية وليس لديهن مكان إقامة وينتظرن إنهاء الإجراءات لمغادرة المملكة، وقد تم استحداث هذا المكان تنفيذًا لتوصيات منظمات المجتمع المدني الممثلين باللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص في اجتماع اللجنة السادس، بالإضافة إلى التنسيق مع سفارات ومكاتب العمالة الأجنبية لتذليل العقبات التي تصادفهم.

وفي الختام أكد العقيد عبدالرحمن سنان مدير عام الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية على أن مملكة البحرين تسعى جاهدة للقضاء على ظاهرة الاتجار بالأشخاص، وذلك من خلال تطوير التشريعات والقوانين اللازمة لذلك، وحث الجهات المعنية بالمملكة على تطبيق الإجراءات الوقائية والرادعة لهذه الظاهرة، وهي ملتزمة بالعمل بفعالية وجدية في وضع الخطط الاستراتيجية لمكافحة هذه الظاهرة، والتعاون الإقليمي والدولي للمساعدة في القضاء على هذه الظاهرة.