خبراء: البحرين ركزت على رفع كلفة العمالة الاجنبية ودعم العمالة الوطنية

يثير عدد من الخبراء حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي الدور الهام الذي تقوم به العمالة الوافدة من خلال مشاركتها في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومساهمتها في سد النقص الكلي في العمالة الوطنية التي تحتاجها التنمية المتسارعة، إلا أنه في المقابل هناك آثار سلبية خلفتها العمالة الأجنبية التي لم تكن تخضع لخطط مدروسة ومعايير واضحة ومحددة لاستقطابها أدى لاستقرارها في هذه الدول لسنوات طويلة مما خلق العديد من الآثار السلبية على اقتصاديات ومجتمعات دول المجلس.

ويشير تطور نسبة العمالة الوافدة في كل دولة من دول مجلس التعاون حسب إحصائيات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي وتقارير وزارات العمل في هذه الدول ما بين عامي 2001 و2010 أن حجم العمالة ألأجنبية ارتفع إلى نحو 18 مليون عامل وأن نسبة هذه العمالة من إجمالي العمالة؛ في مملكة البحرين كانت 58.8% عام 2001 ثم ارتفعت إلى 85% عام 2010.

ويقول هؤلاء إن استمرار هيمنة العمالة الوافدة واستحواذها على هيكل وتركيبة سوق العمالة في البحرين خصوصـًا لدى مؤسسات وشركات القطاع الخاص، أدى إلى تفاقم مشكلة البطالة بين المواطنين.

كما تؤدي تلك الهيمنة أيضا إلى زيادة الضغط على السلع والخدمات والأجور حيث تحصل العمالة الوافدة وأسرهم على خدمات التعليم والصحة واستخدام المرافق العامة دون مقابل أو بمقابل رمزي واستفادتهم من الدعم المقدم لكثير من الخدمات مما يحد من قدرة دول البحرين على توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين والخريجين الداخلين لسوق العمل، كما يولد اختناقات في عرض الخدمات الصحية والسكن وغيرها.

كما برز في الآونة الأخيرة تأثير سلبي آخر هو تزايد الضغوطات الدولية سواء من قبل منظمة العمل الدولية أو المنظمات المعنية بحقوق العمال وتوجيه اتهاماتها بانتهاك حقوق العمال وممارسة التمييز وضرورة تحسين أوضاعها والسماح بتجنيس بعضها، وهو ما أوقع البحرين وبقية دول المجلس أمام تحديات خطيرة تهدد بفتح باب للتدخل الدولي ليس في قضايا التنمية الخليجية فحسب، بل وفي تركيبة مجتمعاتها السكانية والثقافية والاجتماعية، ولربما تطال التركيبة السياسية أيضا.

تجربة إصلاح سوق العمل في البحرين

لقد سعت دول الخليج العربية للتنسيق بينها لاتخاذ العديد من الخطوات للحد من تفاقم معدلات البطالة وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة، ومنها السعي لوضع قيود على جلب الأيدي العاملة الأجنبية، وتشجيع توطين الوظائف.

وعلى صعيد التجارب الوطنية تبرز تجربة مملكة البحرين في إصلاح سوق العمل حيث ركزت على رفع كلفة العمالة الأجنبية، وتم استخدام الرسوم المتحصلة في تدعيم أوضاع العمالة الوطنية من خلال برامج التدريب، كذلك تقديم كافة أشكال الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهي تجربة لاقت نجاحا وإعجابا إقليميا وعالميا، الأمر الذي دفع بالعديد من الخبراء لدعوة بقية دول المجلس الاقتداء بها.

وبدأت البحرين قبل سنوات إصلاحات طموحة لسوق العمل بهدف الحد من الاعتماد على اليد العاملة الأجنبية والقضاء على البطالة بين البحرينيين التي بلغت نسبتها نحو 4%. وقد أصدرت اعتباراً من 2006 تشريعات أنشأت بموجبها «هيئة تنظيم سوق العمل» وصندوقاً للعمل «تمكين»، كما ألغت نظام الكفيل في 2008 وفرضت رسوماً شهرية على أرباب العمل تبلغ 10 دنانير بحرينية تذهب لصندوق العمل لتدريب وتأهيل البحرينيين في وظائف ذات قيمة مضافة وأجور مجزية.

وأصدرت البحرين في 2008 قانوناً للتأمين ضد التعطل فريدا من نوعه في البلدان العربية يتم تمويله من الشركات والوزارات بنسبة 1% عن كل عامل وموظف، ويقضي هذا القانون بصرف رواتب للعاطلين عن العمل قبل حصولهم على أي وظيفة، كما دشنت برامج لتوظيف العاطلين من الجامعيين استهدف تأهيل خريجي الجامعات العاطلين عن العمل.

إن إصلاحات سوق العمل تحظى بأولوية قصوى في مشاريع الأصلاح التي تنفذها المملكة بالنظر للمتغيرات الاقليمية والعالمية المتسارعة التي سوف تحدث دون شك تغيرات نوعية وكمية هائلة في انماط وهياكل ومهارات العمل في كافة المجالات سواء الادارية او الفنية او اليدوية.

تحديات الإصلاح 

في الجانب الآخر، تظهر بيانات سوق العمل التي أعلن عنها في النشرة الاقتصادية لمصرف البحرين المركزي أن العمالة الوطنية في القطاع الخاص انخفضت خلال النصف الاول من العام 2011 لتبلغ 82,572 عاملا بالمقارنة مع 83,709 في نهاية العام 2010 بانخفاض قدره 1,137 عاملا، في حين ارتفعت العمالة الاجنبية في القطاع الخاص من 386,976 عاملا في ديسمبر 2010 الى 390,477 عاملا في يونيو 2011 بزيادة قدرها 3,501 عامل.

وقد بلغ مجموع العمالة 514,555 عاملا في يونيو 2011 بزيادة 3996 عاملا عن ديسمبر 2010 ذهبت جميعها للعمالة الاجنبية التي تمثل 91.9% من مجموع عمالة القطاع الخاص 12.9% من عمالة القطاع العام في يونيو 2011. ويبلغ عدد العمالة في القطاع الخاص 473,049 عاملا وفي القطاع العام 41,506 عمال.

وتشير هذه البيانات إلى أن إصلاحات سوق العمل التي تهدف إلى خفض أعداد العمالة الأجنبية في البحرين ما زالت تعترضها تحديات، حيث إن الطلب على الأيدي العاملة الأجنبية لا زال في تزايد.

كما تظهر بيانات النشرة الاقتصادية إن العمال الأجانب ما زالوا خياراً مفضلاً لأرباب العمل لأنهم أقل كلفة من البحرينيين، حيث اتسعت فجوة الأجور بين العاملين الأجانب والبحرينيين من 258 دينارا لدى بدء التطبيق العملي لمشروع الإصلاحات في 2006 إلى 390 ديناراً عام 2010، ثم الى 409 دنانير في يونيو 2011، وهو ما يسهم في زيادة الأقبال على العمالة الأجنبية. ففي حين يبلغ متوسط الراتب الشهري للبحرينيين في القطاع الخاص 619 دينارا، يبلغ متوسط الراتب الشهري للعمال الأجانب 210 دنانير.

لذلك، يرى خبراء أن أصلاحات سوق العمل يجب أن يرافقها برنامج استثماري كبير في التنمية البشرية في البحرين.