لطفي نصر
في جلسة مجلس النواب أمس الأول كان للدكتور نزار البحارنة وزير الدولة للشئون الخارجية الوزير المعني بشئون صندوق العمل (تمكين) نصيب الأسد من الأسئلة التي وجهها السادة النواب إلى الوزراء.. فكان عدد الأسئلة التي وجهت خلال الجلسة أربعة أسئلة تحمل هو وحده عبء نصفها، أي أنه قد وجه إليه سؤالان بينما وجه إلى وزيرين آخرين سؤالان لكل منهما سؤال واحد.. لكن ليس هذا هو المهم.. المهم هو أن السؤالين اللذين وجها إلى الدكتور البحارنة هما حول شيء واحد ألا وهو صندوق العمل أو ما يطلق عليه “تمكين”.
السؤالان كانا في الصميم، حيث يسألان عن سلوكيات الصندوق وأهدافه وكيف يؤدي دوره؟.. وهل فعلا كما يقول النائب عادل العسومي قد انحرف عن هذه الأهداف؟
هذا الصندوق الذي ولد ولادة متعثرة، وجاء إلى الدنيا من رحم مختبئ بين فكي أسد.. وكل هذا جراء الحملة النارية التي تعرض لها مشروعه إلى درجة أن قطاع رجال الأعمال كان ولايزال يريد الانقضاض على الذين حملوا فكرة هذا الصندوق وجاءوا بها لتفتك بهم وتحطمهم تحطيما ومعهم صندوقهم وكل ذلك بعد استرداد ما تحصل عليه الصندوق من أموال هي بعشرات الملايين.
كل هذه النار كانت ولاتزال تشتعل في صدور كبار أصحاب العمل بسبب ما يتحصل عليه الصندوق منهم من رسوم عندما يحسبونها سنويا يرونها باهظة.. بينما في الحقيقة يجب أن تشتعل هذه النار في صدور صغار أصحاب العمل الذين يقتطعون – كما قالوا- هذه الرسوم من قوت عيالهم ومتطلبات معيشتهم وتجعلهم لا ينامون ليلهم ولا يهنأون بنهارهم.. كما يجب أن تشتعل أيضا في صدور العمال المغلوبين على أمرهم، ذلك أن كبار أصحاب العمل قد حملوهم تبعات هذه الرسوم فحرموهم من كثير من مزاياهم وحقوقهم وأخروا صرف رواتبهم وعلاواتهم وهددوهم بالويل والثبور وعظائم الأمور كما نسمع ذلك في كل يوم!
السؤالان اللذان وجها إلى معالي الوزير من النائبين الكريمين كانا – كما أسلفنا – وجيهين للغاية.. فالسؤال الموجه من النائب الشيخ عبدالحليم مراد كان يسأل عن خطة صندوق العمل لتدريب البحرينيين وتنمية الثروة البشرية.. والسؤال الموجه من النائب العسومي كان يسأل عن الاتفاقيات التي عقدها الصندوق خلال الأعوام 2007 و2008 و2009 للتعاون وتقديم الدعم المالي والفني مع المؤسسات الحكومية؟!
صحيح ان السؤال الموجه من النائب الشيخ عبدالحليم مراد قد حقق أهدافه ذلك لأنه نجح في إقناع سامعيه ومتابعي طرحه أن هذا الصندوق لم يحقق أهدافه رغم ضخامة الحصيلة التي يتحصل عليها من جيوب أصحاب العمل كبارهم وصغارهم.. لكن النائب عادل العسومي نجح في كسب مشاعر الجميع والاستحواذ على أسماعهم بدرجة أكبر، وباختصار تعاطف الجميع معه عندما أكد وأصر على أن الصندوق انحرف عن تحقيق أهدافه..
رغم أن كل حصيلة الصندوق التي بلغت -كما قال- 78 مليون دينار في عام 2009، جاءت كلها من جيوب وقوت عيال أصحاب العمل ومتطلبات عيشهم.. فإن هذه الأموال – كما أكد العسومي في إلحاح – بدلا من أن تعود على القطاع الخاص فإنها بدأت تذهب – بغير وجه حق – إلى جهات حكومية، وهذا هو ما لا يجوز.. فيقول العسومي بصراحة شديدة بل بشجاعة: لماذا تذهب هذه الأموال إلى برامج معهد البحرين للتدريب وهو مؤسسة حكومية؟.. ولماذا تذهب إلى برامج المجلس الأعلى للمرأة وهو مؤسسة حكومية؟.. ولماذا تذهب إلى برامج وزارة التنمية الاجتماعية وهي من دون أي كلام وزارة حكومية؟
وقد علم أن النائب عادل العسومي لم يواصل ذكر بقية الجهات التي تستفيد من أموال صندوق العمل، لكن كلمة الحق والإنصاف يجب أن تقال، فقد كان الوزير البحارنة على نفس الدرجة من الشجاعة والشفافية في القول وفي الطرح فلم يخف شيئا يجب أن يقال.
قال الوزير في شجاعة: نعم لقد دعمنا بعض برامج معهد البحرين والتدريب، وهو مؤسسة حكومية ردا لجميل الحكومة التي تحملت جميع أعباء ميزانية الصندوق في بداية مسيرته التي تم الإنفاق منها على تحقيق أهداف الصندوق واستفاد بها القطاع الخاص.
ثم قال الوزير: إن الصندوق عندما بادر بدعم برامج التدريب والتنمية البشرية في جهات حكومية مثل وزارة التنمية الاجتماعية، فإنه لم ينحرف عن أهدافه ولم يتنكب عن الطريق.. أليس المستفيدون بهذه البرامج وبنشاط التدريب ورفع الكفاءة والمهارات هم من أبناء وبنات الوطن؟
ثم أكد الوزير من خلال الأدلة والبراهين أن هيئة “تمكين” تنهج أسلوب الصراحة والشفافية في كل أعمالها وأنشطتها، وأنها تسعى إلى تدريب أبناء البحرين أينما كانوا والعمل على تهيئة فرص العمل والوظائف اللائقة لهم.. إلى آخر هذه الأهداف المرسومة.
والحق يقال إن هذا الوزير لا تنقصه الأمانة والنزاهة والإخلاص لدوره ولوطنه وهذا هو ما يشهد له الجميع به.. لكن بقي سؤال واحد يتعين أن نطرحه في هذا المقام وهو: أليست أموال هذا الصندوق بعشرات ملايينها كلها قادمة من القطاع الخاص؟.. أليس القطاع الخاص هو الأولى بها؟ وهل استكفى القطاع الخاص ولم يعد في حاجة إلى هذه الأموال حتى تذهب إلى مؤسسات ووزارات حكومية؟
ويتساءل البعض قائلين: إذا كانت أموال صندوق العمل تفيض الآن على حاجة القطاع الخاص، الذي يدفع ويئن، أليس من الإنصاف التفكير في تخفيض قيمة رسوم العمل للتخفيف عن كاهل أصحاب العمل في هذه الظروف الصعبة؟
إنها مجرد أسئلة نطرحها على ضوء ما جرى من مناقشات ونعتقد جازمين أنها بحاجة إلى إقناع أكبر وإلى إجابات صريحة!