الصيحات المتكررة التي يطلقها وزير العمل البحريني الدكتور مجيد العلوي حول مخاطر العمالة الأجنبية يجب ان تأخذ بالفعل بجد واهتمام ودراسة. ويؤمل ان تكون موضع بحث في مؤتمر العمل العربي الذي يبدأ أعماله بالبحرين اليوم السبت.
وبداية لا يمكن إنكار الدور الهام الذي تقوم به العمالة الوافدة من خلال مشاركتها في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومساهمتها في سد النقص الكلي في العمالة الوطنية التي تحتاجها التنمية المتسارعة، إلا أنه في المقابل هناك آثار سلبية خلفتها العمالة الأجنبية التي لم تكن تخضع لخطط مدروسة ومعايير واضحة ومحددة لاستقطابها أدى لاستقرارها في هذه الدول لسنوات طويلة، مما خلق العديد من الآثار السلبية على اقتصاديات ومجتمعات دول المجلس .
ويشير تطور نسبة العمالة الوافدة في كل دولة من دول مجلس التعاون حسب إحصائيات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي وتقارير وزارات العمل في هذه الدول ما بين عامي 2001 و 2008 أن حجم العمالة ألأجنبية ارتفع إلى نحو 15 مليون عامل وأن نسبة هذه العمالة من إجمالي العمالة في مملكة البحرين كانت 58.8% عام 2001 ثم ارتفعت إلى 79% ، وفي المملكة العربية السعودية ارتفعت من 50,2% إلى 70% وفي سلطنة عمان زادت من 79% إلى 81.5% وفي دولة قطر طفرت من 53,9% إلى 84.8% وأخيرًا دولة الكويت زادت من 80,4% إلى 84.8%. وتشير تلك الإحصائيات بأن تطور العمالة الوافدة في دولة الإمارات العربية المتحدة بلغت أقصاها وبنسبة 90% من إجمالي القوى العاملة.
إن استمرار هيمنة العمالة الوافدة واستحواذها على هيكل وتركيبة سوق العمالة الخليجية خصوصـًا لدى مؤسسات وشركات القطاع الخاص، أدى إلى تفاقم مشكلة البطالة بين مواطني دول المجلس وبلغت كمتوسط عام حوالي 7 % على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي ، وتتفاوت نسبة البطالة من دولة لأخر.
كما أدت تلك الهيمنة إلى زيادة التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى بلدنها، حيث بلغت هذه التحويلات خلال الفترة 1975- 2002 أكثر من 413 مليار دولار من الدول ، موزعة بين المملكة العربية السعودية بنحو 260 مليار دولار، الإمارات بنحو 65 مليار دولار، الكويت بنحو 29 مليار دولار، عُمان بنحو 26 مليار دولار، قطر بنحو 23 مليار دولار، وأخيراً البحرين بنحو 11 مليار دولار، كما أن حجم تحويلات الأجانب في دول الخليج بلغت نحو 45 مليار دولار عام 2007. وهناك تحويلات تمت بصورة غير رسمية بلغت حوالي 10 مليارات دولار بالنسبة لدول المجلس الست مجتمعة. وتشكل هذه التحويلات استنزافـًا للمزيد من موارد دول مجلس التعاون وتسرب مخزون كبير من العملات الأجنبية الصعبة إلى خارج بلدانها.
كما تؤدي تلك الهيمنة أيضا إلى زيادة الضغط على السلع والخدمات والأجور حيث تحصل العمالة الوافدة وأسرهم على خدمات التعليم والصحة واستخدام المرافق العامة دون مقابل أو بمقابل رمزي واستفادتهم من الدعم المقدم من دول المجلس لكثير من الخدمات مما يحد من قدرة دول المجلس على توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين والخريجين الداخلين لسوق العمل، كما يولد اختناقات في عرض الخدمات الصحية والسكن وغيرها.
كما برز في الآونة الأخيرة تأثير سلبي آخر هو تزايد الضغوطات الدولية على دول المجلس سواء من قبل منظمة العمل الدولية أو المنظمات المعنية بحقوق العمال وتوجيه اتهاماتها بانتهاك حقوق العمال وممارسة التمييز وضرورة تحسين أوضاعها والسماح بتجنيس بعضها، وهو ما أوقع دول المجلس أمام تحديات خطيرة تهدد بفتح باب للتدخل الدولي ليس في قضايا التنمية الخليجية فحسب، بل وفي تركيبة مجتمعاتها السكانية والثقافية والاجتماعية، ولربما تطال التركيبة السياسية أيضا.
وتأثير آخر لا يقل خطورة وهو إثارة الاضطرابات العمالية والإضراب عن العمل والقيام بأعمال تخريب وحرق للممتلكات العامة والخاصة ، كما حدث مؤخرًا في دولة الإمارات العربية المتحدة وتحت عناوين مختلفة ومنها المطالبة بتحسين الوضع والأجور.
لقد سعت دول الخليج العربية للتنسيق بينها لاتخاذ العديد من الخطوات للحد من تفاقم معدلات البطالة وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة ، ومنها السعي لوضع قيود على جلب الأيدي العاملة الأجنبية، وتشجيع توطين الوظائف.
وعلى صعيد التجارب الوطنية تبرز تجربة المملكة العربية السعودية في مجال التوطين، حيث وضعت سياسة تقوم على أساس التحكم في معدلات البطالة من خلال عدة إجراءات ، منها تنفيذ حملة وطنية لحصر وتسجيل وتوظيف المواطنين السعوديين في القطاع الخاص ودعم تدريب وتوظيف السعوديين في القطاع الخاص بالتعاون مع صندوق تنمية الموارد البشرية الذي يهدف إلى توفير الظروف المناسبة لاستيعاب السعوديين في هذا القطاع.
علاوة على ذلك، تم إنشاء مركز الملك فهد للتوظيف تحت إشراف وإدارة صندوق تنمية الموارد البشرية بهدف دعم الجهود المبذولة في تسهيل توظيف السعوديين . كذلك تطبيق إجراءات وضوابط محددة لترشيد الاستقدام بغرض الحد من تدفق العمالة الوافدة بأعداد كبيرة تزيد عن الحاجة الفعلية إليها وتعيق توظيف العمالة الوطنية. كما تم قصر العمل في بعض الأنشطة والمهن على السعوديين وفقـًا لقرار من مجلس الوزراء السعودي بشأن زيادة توظيف السعوديين في منشآت القطاع الخاص. كما تم أيضا إنشاء مجلس استشاري لوزارة العمل يضم نخبة من رجال الأعمال لتقديم المشورة والرأي للوزارة حول قضايا التوظيف والاستقدام.
إننا نرى ضرورة أن يقوم مجلس التعاون الخليجي بوضع استراتيجية تعاونية شاملة ومتكاملة وتشتمل على الخطط الزمنية والإجراءات العملية ذات الرؤية الواضحة والجادة في التنفيذ، تستهدف الحد من تدفق العمالة الوافدة وإحلال وتوطين العمالة الوطنية بدلاً منها. ويشمل ذلك الاهتمام بأساليب تخطيط القوى العاملة وربطها بخطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفقـًا لأولوياتها المستقبلية. كذلك تكوين أجهزة متخصصة في وزارات العمل في دول مجلس التعاون الخليجي لتجميع إحصائيات سوق العمل والمعلومات المرتبطة بالموارد البشرية ، والربط الالكتروني بين هذه الأجهزة بما يسهم في التعرف على حركة العمالة الوافدة بين دول المجلس واتجاهاتها ومعدلات نموها خاصة مع قيام السوق الخليجية المشتركة.
كما نحن ندعم زيادة كلفة العمالة الوافدة ولكن بصورة متوازنة مع توسيع وتطوير برامج التدريب والتأهيل للعمالة الوطنية في كافة المهن وذلك بغرض الإحلال التدريجي للقوى العاملة الخليجية محل العمالة الأجنبية والإصلاح المستمر للنظام التعليمي وتطوير مناهج وبرامج التعليم وتحسين مخرجاته بما يتلاءم واحتياجات سوق العمل. ولكن على القطاع الخاص رفع معدلات الرواتب والمزايا بما يقارب من القطاع الحكومي لجذب المزيد من العمالة الوطنية.
كذلك نحن نتفق مع مبدأ تحديد فترة زمنية لبقاء العامل الأجنبي في البلد منعـًا لتوطينه مستقبلا ً، والإصرار على تعريف العمالة الأجنبية بأنها مؤقتة وليست مهاجرة، كذلك ضرورة مراجعة النظم الخاصة بالكفيل والإقامة والتنقل بين الوظائف. وفي نفس الوقت يجب فتح أسواق العمل أمام العمالة الخليجية ومعاملتها المعاملة المحلية من حيث الرواتب والمزايا وتشريعات العمل والضمان الاجتماعي وغيره بما يسهم في توطينها في دول المجلس ويسهم في تجسيد أهم مقومات السوق الخليجية المشتركة.
كما أن على دول التعاون مجتمعة إعادة النظر في القوانين والتشريعات ونظم العمل الخليجية بما يساهم في إحلال العمالة المواطنة محل العمالة الوافدة. كذلك تنسيق مزايا العمل والضمان الاجتماعي في القطاعين العام والخاص بما يشجع العمالة الوطنية للعمل في أنشطة القطاع الخاص، وبالتالي تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة في هذه الأنشطة.