لميس ضيف – على الوتر
حتى أشهر قليلة مضت؛ كانت شركة ”نسر الخليج الفضي للإنشاءات” عبئا حتى على صاحبها.. كان يملك عشرين عاملاً بالكاد يؤدي رواتبهم بما يظفر به من بعض الأعمال الهامشية بين الفينة والأخرى؛ ينتهي به الشهر أحياناً وفي حسابه 100 دينار – هي ربحه ودخله- وكثيراً ما خرج من أشهر طوال صفر اليدين !!
عبر مشروع «نبراس» – التابع لمؤسسة تمكين- استطاع هذا الشاب تحويل بؤسه لنجاح.. فبواسطة الـ15 ألف التي منحته إياها تمكين كقرض ميسر استطاع شراء ماكينات ومعدات مكنته من تقليص عمالته وزيادة إنتاجيته.. وهاهو اليوم، بعد أن كان يشكو كبد العيش، يجني شهريا – على حد قوله- دخلاً شهرياً يتراوح بين 1300-1400 دينار ؛ ومثلهم لشريكه البحريني ..
مطبخ «السفرة للولائم» مثال شاخص آخر على المشاريع التي نهضت بها قروض تمكين.. فقد كان مشروعا مغموراً مطموراً يفكر أصحابه في تصفيته كل يوم لقطع دابر خسائرهم المتزايدة؛ عشرة آلاف دينار من تمكين وبعض الأفران الحديثة والمعدات ؛ وهاهو اليوم من أبرز مطابخ الولائم وأنجحها على مستوى البحرين ..
معهد المعلم أيضاً كان متعثراً .. ولكن بضعة آلاف مهدت له الدرب الوعر.. وكفت مالكه الشاب شر الإفلاس وجنبت طاقمه البحريني وقوامه شباب وشابات من العاطلين شر التعطل والحاجة .. عن مؤسسة «هاي تك» سمعنا الأمر ذاته.. ومثلهم عشرات المؤسسات التي كانت بحاجة لمجرد دفعة لتنطلق.. لقليل من الدعم ليثبتوا جدارتهم وينهضوا بأنفسهم وبأسرهم ويغيروا مسار حياتهم.. ووجدوا في قروض تمكين طوق النجاة الذي ينشدون..
وعوضاً عن أن تحظى تجربة مشروع نبراس – ربيب تمكين- الموجه لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالإشادة والدعم والدعوة لتوسعة التجربة وتطويرها؛ نفاجأ بديوان الرقابة المالية وقد أطل علينا برأسه ليهاجم – من عليائه- التجربة: داعياً تمكين ” إلى عدم المجازفة” ومنتقداً إياها ” لعدم تحققها من قدرة المستفيدين على الإيفاء بالقروض التي يحصلون عليها” الأمر الذي يعرض تمكين ” لمخاطر في حال أخفقوا في التسديد لكونها ضامنةً لهؤلاء بنسبة 80 % ” مشدداً على ضرورة ” التأكد من قدرة المؤسسات المستفيدة من المشروع على الوفاء بالتزاماتها المالية” وعدم الاعتماد في ذلك على إجراءات ميسرة كتلك المعتمدة الآن !!
هذه التوصية الصماء – التي جاءت ضمن ملاحظات لا تعنينا هنا- انطلقت من رؤية محاسبية نفعية صرفة.. هي ذاتها التي تتعاطى المؤسسات المالية بواسطتها مع المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمتعثرة.. فإقراض تلك ينطوي بلاشك على مخاطر لا تريد البنوك تحملها.. وبالتالي فهي لا تغامر بإقراضهم إلا بضمان منازلهم وهو ما يجعل هؤلاء يترددون -ألف مرة- قبل المطالبة بقرض..
أما تمكين، فهو صندوق أنشئ بأموال الرسوم التي تقتطعها هيئة تنظيم سوق العمل من كبد أصحاب الأعمال لمساعدة أصحاب الأعمال والعمالة البحرينية، وعليه فإن إقدام الصندوق على مجازفات لا تقدم عليها البنوك ليس بخطأ؛ بل هو واجب عليها يجب أن لا يؤخذ بخفة.. وقد جانب ديوان الرقابة المالية الصواب عندما شوه التجربة بهذا الشكل ودعا لتقويضها..
إن 92% من المنشآت الصغيرة والمتوسطة – وفق الإحصائيات الرسمية- هي مصدر الرزق الوحيد لأصحابها.. واليوم؛ بفضل كل تلك الاستقطاعات والرسوم التي تفرض في الطالعة والنازلة، هناك ملايين الدنانير التي ننتظر أن نرى كيف ستوجه لمساعدة الشباب الطموح الموهوب على النهوض بوضعه.. وآخر ما نحتاجه هو أوامر وإملاء تضع العصا في العجلة؛ حتى قبل أن تأخذ دورتها ومداها ..