وليد القاسمي
جاء القرار رقم (79) لسنة 2009 بشأن إجراءات انتقال العامل الأجنبي إلى صاحب عمل آخر، لاغياً لنظام الكفيل في البحرين، وهو النظام الذي تم العمل به منذ عشرات السنين في كافة دول مجلس التعاون الخليجي.
ولم يحظَ القرار بالإجماع أو القبول الكلي من قبل كافة الأطراف المشتركة فيه، إلا أنه حظي بتأييد السلطتين التنفيذية والتشريعية. فقد أثنى جلالة الملك على قرار حرية انتقال العمالة في إطارها القانوني المؤسسي لها، وأكد على أن هذه الحرية تدل على حرص المملكة على التزاماتها بالمواثيق والاتفاقيات الدولية، وسعيها لنقل سوق العمل إلى مصاف أسواق الدول المتقدمة في العالم.
أما مجلس النواب فقد أقر قانون تنظيم سوق العمل، إلا أنه سرعان ما قدم اقتراحاً بقانون يطلب فيه إضافة فقرة تلزم العامل الأجنبي المكوث في عمله الحالي لمدة سنة قبل انتقاله للعمل إلى جهة أخرى، وهو ما أثار حفيظة جهات حكومية استغربت من طلب التغيير على قانون لم يتم تنفيذه بعد.
ومن جانب آخر عبّرت غرفة صناعة وتجارة البحرين عن أسفها لسرعة إقرار حرية انتقال العامل دون الاستدراك بمزيد من الدراسة، كما أكدت عن رفضها التام لإقرار لوائح تنظيمية دون أن يتم أخذ آراء كافة الجهات المعنية في الشأن.
وعلى الرغم من أن بيت التجار كان يعبر عن آراء فئات من التجار، فإن فئات أخرى من التجار قد عبروا عن تأييدهم لهذا القرار وأثنوا على الجهود التي بذلها البرلمان والحكومة في سبيل تطبيق حرية انتقال العامل الأجنبي.
وقبل تطبيق القرار المزمع أن يبدأ سريان مفعوله منذ الأول من أغسطس القادم، فإن المراقبون يرصدون العديد من الأبعاد السياسية التي ستؤثر على المدى القريب والمتوسط في تحديد مؤشرات ترتكز عليها البحرين في تعاملاتها الداخلية والخارجية في المرحلة المقبلة، وقد تحدد مصيرها في النظام العالمي، ويمكن بيان هذه الأبعاد فيما يلي:
البعد الدولي: المكانة الدولية إن سعي المملكة إلى تطبيق حرية انتقال العامل الأجنبي من صاحب عمل إلى عمل آخر، جاء نتيجةً لالتزام دولي يحتم على المملكة الإيفاء به، فقد تضمنت العديد من المواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أبرمتها البحرين، تضمنت مفاهيم متصلة بالعدالة والمساواة في تعاملها مع كافة أطراف الإنتاج.
ومنها مفاهيم متصلة بحقوق الإنسان والبعد عن الإكراه في الممارسات والقرارات.
إن هذا الالتزام يحقق للبحرين مكانة دولية متميزة، تستطيع من خلالها أن تحظى بسمعة جيدة في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، وهو ما أكدته العديد من تقارير حقوق الإنسان التي صدرت حول الأوضاع في البحرين ومنطقة الخليج، فقد أكدت هذه التقارير أن العمل بنظام الكفيل هو أقرب ما يكون إلى نظام المتاجرة بالعبودية الذي يعود إلى القرون الوسط.
وفي ظل الظروف الدولية التي تسعها فيها جميع دول العالم – لاسيما الدول النامية – إلى رسم مكانة دولية لها في خارطة العالم، فإن البحرين تعتبر من أبرز هذه الدول التي من المقرر لها أن تحظى بمكانة حضارية مرموقة بعد أن أقرت تطبيق حرية انتقال العامل.
البعد الاقتصادي: ظروف العمل تشهد أسواق العالم منافسة حادة فيما بينها، وتتصارع الدول إلى إثبات قدرتها من خلال التسهيلات والإمكانيات والظروف التي توفرها لكافة أطراف العملية الإنتاجية.
فالمراقبون يؤكدون أن تطبيق حرية انتقال العامل الأجنبي من شأنه أن يدفع السوق المحلية إلى مزيد من البناء والتفاعل والاستدامة، بما يسهم في تحسين ظروف العمل وشروطه.
إن هذه الظروف التي سيشهدها السوق المحلي من شأنه أن يقضي على سياسة إغراق السوق بالعمالة الرخيصة غير الماهرة، وذلك عن طريق تهيئة البنية التحتية للسوق المحلية لاستقدام العمالة الماهرة المتخصصة.
وسيدعم ذلك توجه الشركات الكبرى والمتوسطة إلى البحث عن الأيدي العاملة المتخصصة في مجالات دقيقة ستفرزها عملية إصلاح سوق العمل في المستقبل القريب.
إن زيادة مقومات سوق العمل سيجعل من البحرين محطة استثمار عالمية، قد تجذب رؤوس أموال كبريات الشركات العالمية، التي تبحث عن ظروف عمل عالية الجودة والكفاءة، وليست ظروف عمل تعتمد على عمالة غير مهرة أو متخصصة.
البعد الاستراتيجي: زيادة المنافسة بعد تدعيم البنية التحتية لسوق العمل بمقومات العمالة الأجنبية الماهرة المتخصصة، واستخدام التقنيات الجديدة، فإن السوق المحلي سيشهد درجة منافسة عالية سيكون طرفيها العمالة الوطنية والعمالة الأجنبية.
وهذه المنافسة ستخلق جو الإبداع والإنتاج سيصب في صالح العملية الإنتاجية، حيث إن كل طرف سيحاول أن يثبت جدارته في موقع العمل، خاصةً بعد أن يتم الاستغناء عن العمالة الأجنبية غير الماهرة.
وسينعكس ذلك إيجاباً على الأجور، التي ستشهد تحسناً وزيادةً كبيرة، لاسيما وأن العمالة الأجنبية الماهرة ستكون مكلفة لأصحاب الأعمال، الأمر الذي سيتيح المجال كثيراً للعمالة الوطنية من الحصول على فرص العمل.
ويمكن القول أن إلغاء نظام الكفيل وإقرار حرية انتقال العامل الأجنبي سيجعل العامل البحريني أكثر قدرةً على التنافس. البعد الأمني: العمالة السائبة إن البعد الأمني في حرية انتقال العامل الأجنبي يشكل محوراً رئيسياً في الأمن الوطني البحريني، حيث إن المجتمع البحريني يعاني من العمالة السائبة (الهاربة) التي أوجدها نظام العمل بالكفيل.
ومما لاشك فيه فإن تطبيق حرية انتقال العامل الأجنبي سيقضي على هذه الظاهرة السلبية.
فالعمالة الهاربة التي لم تجد في السابق لها طريقاً لنقل كفالتها إلى صاحب عمل آخر، سيتيح لها قرار حرية الانتقال البحث عن الكفيل المناسب لها ونقل كفالتها إليه. مما سيقلل من حجم هذه العمالة السائبة تباعاً، ويقلل من خطورة المشاكل والظواهر التي ولدتها هذه العمالة السائبة في المجتمع البحريني.
إن العمالة السائبة تهدد مستقبل سوق العمل في البحرين، وإن القضاء عليها أصبحت أولوية مجتمعية تضافرت كل الجهود في المجتمع من أجل إيجاد الحلول الكفيلة للقضاء على هذه الظاهرة، إلا أن المراقبين يرون أن أسرع هذه الحلول سيكون انتقالهم إلى عمل آخر أو مغادرتهم البلاد، وهو ما سيتم مع سريان تطبيق قرار حرية الانتقال.
إن المجتمع البحريني سيتجنب العديد من الجرائم والسلبيات جراء القضاء على هذه العمالة السائبة، وبالفعل ستقوم الجهات ذات العلاقة وهي وزارة العمل وهيئة تنظيم سوق العمل ووزارة الداخلية في بذل المساعي الكبيرة للقضاء على العمالة السائبة. والإحصائيات غير الرسمية تقدر عدد العمالة السائبة بأكثر من 50 ألف عامل أجنبي يقيمون في مملكة البحرين بطرق غير شرعية.
البعد السياسي الحقوقي: حماية الحقوق لاتزال العمال الأجنبية حتى قبل تطبيق قرار حرية انتقال العامل الأجنبي من أضعف مكونات العملية الإنتاجية، حيث لا يتمتعون بكافة حقوقهم وواجباتهم، بل حتى أن بعضهم قد لا يتمتع بالحصول على المادة الغذائية التي يحتاجها بشكل يومي.
إلا أن تطبيق قرار حرية الانتقال من شأنه أن يمنح العمالة الأجنبية الحقوق الواجبة لهم والقائمة على مرتكزات إنسانية سامية منها العدالة والمساواة. وهي الحقوق التي أقرتها العديد من المواثيق الدولية التي أصبحت المملكة فيها طرفاً، وهي اليوم ملتزمة بتنفيذها.