انـتـقــــال العـامــــل.. وعــلــــى الـدنـيـــا الـســــــلام

نجاة المضحكي
شر البلية على ما يقولون إنه ما يضحك، وهذا نحن اليوم نضحك من بلية البلايا، وذلك عندما تتحول وزارة عمل كانت مسؤوليتها إصدار تأشيرات لاستجلاب أيد عاملة وحلول المشاكل العمالية إلى وزارة عمل وتعليم وتجارة واستثمار، وزارة لديها جميع الحلول للمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وزارة تتحكم في اقتصاد البلاد وترسم استراتيجياته وفق رؤيتها هي، وتعزي هذه الاستراتجية أخيراً إلى حقوق الإنسان، منتقية منه أن للعامل حرية اختيار عمله. فهذه البحرين اليوم بأبراجها ومرافئها ومجمعاتها ومصانعها وشركاتها الإنشائية والعقارية ومصارفها جميعها تكون في معادلة وزارة العمل الاقتصادية صفر على الشمال وحقوق العامل الأجنبي على اليمين وذلك مقابل استحسان المنظمات الحقوقية لنظام إلغاء الكفيل، فهذا هو الحل السحري الذي أوجدته هذه الوزارة لإنعاش اقتصاد البحرين من الأزمة المالية العالمية. ولنا هنا بعض المداولات في مسألة الحقوق ومثلها الواجبات، وذلك إذا كانت وزارة العمل مقتنعة بأن حرية العامل هي حق يكتسبه بمجرد حصوله على تأشيرة عمل لدخول البحرين، فنقول لهذه الوزارة إذا كانت المسألة هي حقوق فإن ليس للعامل حق فقط في حرية اختياره لعمله، بل تتبعها حقوق كثيرة ومنها حقوقه في تمثيله سياسياً، وحقه في إنشاء جمعيات سياسية، وكذلك من حقه أن تكون له نقابات، ومنها ستكون نقابة العمال البنغالية، ونقابة العمال الفلبينية، وغيرها من جنسيات، وكذلك له حق في الحصول على سكن مستقل حيث لكل عامل خصوصياته، كما له حق أن يجلب عائلته لتعيش معه، وله حق أيضاً أن يعمل في وزارات الدولة، وأن يعين مدير لإدارة العلاقات العمالية في وزارة العمل وذلك لخبرته في التعامل مع الأجانب، أو مدير الثروة السمكية إذا كان صياداً ماهراً، وإذا ما أصبح رجل أعمال ناجح يمكن أن تختاره الحكومة وزيراً للتجارة، وإذا استطاع البحث عن أعمال مناسبة لمعارفه وأصحابه، وحل مشكلة البطالة لديهم، يمكن أن يعين كذلك وزيراً للعمل، وبهذا سوف يفتح لهؤلاء العمال المجال ليس فقط في العمل بل بالسيطرة على القطاع الخاص بالكامل ويتبعه العام، لأنها هي حرية انتقاء، وحرية الانتقاء ليست محصورة على قطاع دون قطاع، وإذا كان أيضاً نصف الأنشطة التجارية حالياً مؤجرة على الأجانب كما يقولون، فسيكون بعد هذا القرار جميع الأنشطة ستؤول إليهم وذلك بعد أن يتمكنوا من المهنة ويكتسبوا الخبرة، ولن يكتفوا بهذا بل سيتعاونون على إفلاس التاجر الذي أصبح بين مطرقة تمرد العامل وسندان الضرائب والقيود، حيث ستكون جميعها عوامل مجتمعة تولد اليأس والقنوط في نفس التاجر، والتي ستضطره في الأخير إلى تأجير نشاطه وذلك ليوفر على نفسه عناء تجارة متعثرة وهم هيئة ووزارة تعقدت فيهما المعاملات وصعبت فيهما التعاملات، فبعد هذا في يد من سيكون الاقتصاد؟!!  وأما بالنسبة للوفاق وتشجيعها للعمل بهذا القانون، فإنه أمر محير بتنا لا نفهمه وذلك عندما يرفع نوابها السيف والترس في وجه المواطنين البحرينيين الذين حصلوا على الجنسية البحرينية، وطالبوا بفصلهم عن مناطقهم، بل ورفضهم لأي مواطن بحريني أن يسكن في أي مشروع إسكاني في مناطقهم، كما ويعيرون وزارة الداخلية عندما تستعين ببعض الأجانب، وتطالب بفصلهم برغم قضائهم في الخدمة عشرين أو ثلاثين سنة، وكذلك مطالبتها بعدم توظيف أي معلمين من غير البحرينيين في قطاع التعليم، وكذلك في قطاع الطب والتمريض، فأين حقوق الإنسان عن هؤلاء، وأين اعتراضكم حين تصون حقوق عامل أجنبي قدم توه للبلاد، وقد يكون هذا الحق سبب في ضرب اقتصاد البلاد.  وأما اللجنة التي يسمونها الرباعية وهي التي تتولى موضوع حرية انتقال العامل، ونستثني منها غرفة تجارة وصناعة البحرين لوضوح موقفها ومعارضتها لهذا القانون، والبقية من الرباعي وزارة العمل وهيئة سوق العمل ونقابة العمال، فهذه الجماعة كلها متشابهة ولم تثبت نجاحها في أي مشروع من مشاريعها حتى هذا اليوم، فلذلك لا يمكن التعويل عليها في التعاطي في عصب الدولة ألا وهو اقتصادها، وأما إعادة النظر بأن للعامل حق حرية الانتقال بعد سنة، فهذا هو قصر نظر، حيث إن أنصاف الحلول لا تحل المشكلة، بل حرية الانتقال بعد سنة هي نفسها بعد شهر، حيث إن السنة ستؤهل العامل لاكتساب مزيد من الخبرة، وستبقى مقايضة العامل مع صاحب العمل مفتوحة. وإن جميع الحلول التي تم تجربتها في إصلاح سوق العمل لم تفلح حتى اليوم بل زادتها تعقيداً وتدميراً، واقتصاد وصل للقمة ليس محطة لتجارب نظرية أو رؤية واحدة لا تفهم في عالم الاقتصاد.  وإذا كانت الرؤية التي بنت عليها وزارة العمل إلغاء الكفيل هي رؤية حقوق، فلماذا إذن لا تنظر وزارة العمل في إمكانية إلغاء الوكيل بعد الكفيل من باب حل أزمة البطالة وإصلاح سوق العمل، وذلك ليكون الاقتصاد في البلاد حرية في حرية، فالكل حر يصدر ويورد والكل حر يختار أي عمل يحبه، والكل حر في أن يوظف من يراه مناسباً، فهكذا يسير قطار الإصلاح إلى أن ينتهي به الطريق فإما أن يصل محطته بسلام، أو نقول على الدنيا السلام.
 كاتب بحريني