الوسط – جميل المحاري
طالب أصحاب أعمال بوضع ضوابط لحرية انتقال العمالة الأجنبية من رب عمل لآخر، مؤكدين في الوقت نفسه أنهم مع تنظيم سوق العمل وفق آليات مدروسة، مشيرين إلى أن هيئة تنظيم سوق العمل قد شخصت «المرض الذي أصاب سوق العمل في البحرين بصورة خاطئة ولذلك جاء الدواء الذي اقترحته غير صحيح».
وفي حين قال المسئولون في الهيئة إن إلغاء نظام الكفيل قد جاء بقانون تم إقراره من قبل المجلس النيابي بغرفتيه وإن الهيئة ما هي إلا مؤسسة تنفيذية للقوانين التي تصدرها الهيئة التشريعية في البلاد وإن الهيئة قد أمهلت القطاع الخاص مهلة لأكثر من سنتين لتطبيق القوانين المقرة سواء المتصلة بفرض الرسوم أو حرية انتقال العمالة الأجنبية أكد رجال الأعمال أن جميع أصحاب الأعمال قد عارضوا إلغاء نظام الكفيل منذ بداية طرحه للدراسة وإنهم مازالوا يعارضون تطبيقه ما لم توضع ضوابط لحفظ حقوقهم.
وأكد ممثلو هيئة تنظيم سوق العمل خلال منتدى «الوسط» بشأن «إلغاء نظام الكفيل وأثره على سوق العمل البحريني» أن جميع القرارات المتخذة قد تم اتخاذها من خلال الحوارات والمناقشات التي عقدت منذ العام 2004 وشارك فيها مختلف أطراف الإنتاج، بالإضافة إلى ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني وأن جميع هذه القرارات والقوانين قد اتخذت بناءً على مصلحة جميع الأطراف وليس فقط الأخذ برؤية رجال الأعمال.
وشارك في المنتدى كل من الباحث الاقتصادي حسين المهدي ورئيس لجنة المقاولات بغرفة تجارة وصناعة البحرين سمير ناس ومدير تطوير السياسات بهيئة تنظيم سوق العمل نضال البناء والأمين العام للمشاريع بالاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وممثل الاتحاد بهيئة تنظيم سوق العمل كريم رضي.
وفيما يلي نص المنتدى:
– بداية كيف تقرأون سوق العمل في البحرين من حيث عدد العمالة الأجنبية ومساهمتها في قوى العمل وما هي نسبة العمالة البحرينية من هذه العمالة؟
– حسين المهدي: بداية دعني أأكد أنني مع تنظيم سوق العمل ولست ضد ذلك أبداً, إن قضية التنظيم أصبحت في الوقت الحالي مهمة جداً, وإن ما تقوم به هيئة تنظيم سوق العمل يسير في الاتجاه الصحيح ليست لدينا مشكلة في التنظيم ولكن ما لدينا مشكلة فيه هو الآلية التي تستخدم لتنظيم سوق العمل, فمثلاً فيما يخص إلغاء نظام الكفيل, لو أن مديراً يعمل لديّ وانتقل إلى كفيل آخر وحمل معه جميع أسراري, كيف أتعامل معه. ذلك ما سأتركه ليتم التعليق عليه من قبل الأخ سمير ناس ولكني سأذكر الآن المعلومات الخاصة بقوة العمل وازدياد أعداد العمالة الأجنبية خلال السنوات السابقة.
بصورة عامة ازداد عدد سكان البحرين خلال الفترة من سنة 1971 وحتى 2007 بصورة غير عادية إذ تضاعف عدد السكان بأربع مرات عما كان عليه أو 381 في المئة, أي بما نسبته 13 في المئة سنوياً وذلك يمكن أن يكون الأعلى على مستوى العالم, بالنسبة للبحرينيين فإن نسبة الزيادة لم تتعدَ 196 في المئة خلال الفترة نفسها أي 6.5 في المئة سنوياً في حين زادت العمالة الوافدة بنسبة 1274 في المئة وذلك ما يؤكد أن ما يحصل شيء غير عادٍ يجب الوقوف عنده ودراسته, فقد ازداد عدد غير البحرينيين من 38 ألفاً في العام 1971 إلى 512 ألف شخص في العام 2007 أي أن الزيادة تمثل أكثر من 12 ضعفاً. في حين ازداد عدد البحرينيين من 178 ألفاً في العام 1971 إلى 527 ألفاً مؤخراً بمعدل سنوي 6.5 في المئة في حين أن معدل زيادة الأجانب يقارب 42 في المئة سنوياً.
العمالة الأجنبية والتركيبة السكانية
[ هل ذلك يعني أن البحرينيين مازالوا هم الأكثر ولم نصل إلى مرحلة ازدياد أعداد العمالة الأجنبية على البحرينيين؟
– المهدي: ذلك صحيح ولكن بمعدل هذه الزيادة بالنسبة للعمالة الأجنبية فإنها ستصبح أغلبية في وقت قصير جداً.
إن ذلك قد يقودنا إلى نقطة أخرى هي زيادة عدد العاملين بالنسبة لعدد السكان, أي ارتفع عدد العاملين من 120 ألف عامل إلى 819 ألف عامل أي أن هناك زيادة بما يقارب 700 ألف عامل, منهم ما يقارب من 134 ألف عامل في قطاع الإنشاءات.
– سمير ناس: هناك أكثر من 200 ألف عامل وموظف إذا ما أخذنا في الاعتبار المهندسين وموظفي المحاسبة والعاملين في الشركات المساندة في قطاع المقاولات أي ليس فقط العمال.
– المهدي: بحسب الإحصاءات المتوافرة لدي فإن هناك 127 ألف عامل في قطاع المقاولات والإنشاءات وهناك 117 ألفاً في قطاع التجارة والبيع بالتجزئة في حين هناك عدد بسيط جداً يذهب لقطاع المصارف وهم في حدود 14 ألف موظف.
[ البعض يتحدث عن وضع سقف أعلى للعمالة في البحرين هل ترى أن نصف مليون عامل أجنبي عدد معقول بالنسبة للمشاريع المقامة حالياً أم أن هذا الرقم كبير جداً ولا نحتاج إليه وخصوصاً أن هناك من يقول بوجود ما يقارب من 60 ألف عامل من العمالة السائبة؟
– المهدي: لو نظرنا إلى الواقع, إن مكتبي يقع في وسط سوق المنامة ولو نظرت من نافذة المكتب لرأيت أعداداً كبيرة من العمالة السائبة التي بعضها يعمل في غسيل السيارات وتحميل البضائع في حين أن بعضهم لديه سيارات نقل.
– ناس: بحسب كلام هيئة تنظيم سوق العمل فإن العمالة السائبة هي في حدود 14 ألف عامل.
– نضال البناء: ذلك ما يخص العمالة الهاربة فحسب الأرقام المسجلة في هيئة تنظيم سوق العمل فهي في حدود 14 ألف عامل.
– ناس: ذلك فقط ما يخص العمالة الهاربة, ولكن بعد ذكر الإحصاءات ورغم أهميتها ولكننا يجب أن ننظر إلى الأمور من جميع الجوانب, فليس ازدياد عدد العمالة الأجنبية هو المؤشر الوحيد الذي يجب النظر إليه, هناك أمور كثيرة يجب التطرق إليها, مثلاً، إن البحرين تحاول جذب الاستثمارات الخارجية, كما أن البحرين تسعى إلى زيادة مستوى النمو الاقتصادي, فكلما ازدادت المشاريع في البحرين أصبحت هناك فرصة أكبر بالنسبة لحصول البحرينيين على الوظائف ذات المردود العالي والقيمة المضافة, إن أخذ مؤشر ارتفاع أعداد العمالة الأجنبي وبناء على ذلك إيقاف المشاريع الاستثمارية سيؤدي إلى وجود تقلص اقتصادي وذلك أمر خطير جداً.
[ ولكن فيما يخص أعداد العمالة الأجنبية, كونك من كبار المقاولين في البحرين هل تشعر بأن هذه الأعداد كافية, أي هل لديك في شركتك نقص في الأيدي العاملة أم أن ما هو موجود يكفي لعملية التنمية؟
– ناس: من الصعب تحديد إن كان هناك نقص أو زيادة في أعداد العمالة الأجنبية في البحرين…
[ ولكنك هل تحتاج إلى عمالة أكثر مما هو موجود لديك؟
– ناس: اليوم يمكن أن أحتاج إلى 10 آلاف عامل ولكن بعد فترة أي بعد أن أنهي الأعمال التي أقوم بها الآن ولم أحصل على مناقصات أخرى فمن الممكن أن تقلص أعداد هذه العمالة إلى النصف, في فترة السبعينيات مثلاً كان في فترة من الفترات يوجد لدينا 2000 عامل ولكن بعد مدة لا نبقي إلا على 500 عامل ونسرح الباقي, إن العملية يحكمها العرض والطلب وذلك على بحسب الأعمال الموجودة, أتوقع أنه خلال العام المقبل سيحدث تقلص في السوق كما سيقل عدد المشاريع الإنشائية وذلك لأكثر من سبب منها الوضع الاقتصادي العالمي وتأثيره على السوق المحلية كما أن تقليص موازنة الدولة بأكثر من 41 في المئة سيؤثر بشكل كبير, أتوقع أن يحدث انكماش اقتصادي كبير خلال العام المقبل.
[ هل معنى ذلك أنه لا توجد مشاريع جديدة تطرح في السوق وأن ما تقومون به هو إكمال المشاريع السابقة فقط؟
– ناس: نعم, ولكن ما أراه هو أن الوضع الاقتصادي في العام المقبل سيكون معتماً وصعباً وذلك ما سيؤثر على العامل البحريني وليس على العامل الأجنبي فقط.
[ يقول أصحاب الأعمال إن هيئة تنظيم سوق العمل قامت بتطبيق العديد من القرارات في فترة وجيزة جداً, كرفض رسوم العمل وإلغاء نظام الكفيل ومنع نقل العمالة الأجنبية في الشاحنات المفتوحة وكل ذلك يتطلب نفقات مالية إضافية وخصوصاً أن الوضع الاقتصادي الحالي صعب جداً ولا يساعد على ذلك. كيف تردون؟
– البناء: أولاً أحب أن أوضح أن جميع هذه القرارات لم تتخذ خلال هذه السنة أو الفترة القريبة الماضية, فمنذ العام 2004 بدأت العملية الإصلاحية في سوق العمل, إذ أعدت دراسة خرجت منها أهداف وتوصيات محددة, إن هذه الدراسة أعدت بإشراف سمو ولي العهد الذي كان يرى أن عملية إصلاح سوق العمل هي إحدى محاور العملية الإصلاحية الشاملة, وقد طرحت هذه الدارسة على أصحاب الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني من خلال حلقات حوارية, وهناك حزمة توصيات خرجت من خلال الدراسة والحلقات الحوارية وهذه الحزمة من التوصيات من ضمنها رفع كلفة العامل الأجنبي ورفع معايير العمل الخاصة بالصحة والسلامة المهنية، بالإضافة إلى تحرير سوق العمل من خلال حرية انتقال العامل الأجنبي.
– ناس: لقد ذكرت أن كل ذلك جاء عن طريق التشاور مع أصحاب الأعمال, ولكن كان هناك اعتراض كبير من قبل رجال الأعمال منذ تلك الفترة وحتى الآن وبالذات في مسألة حرية تنقل العمالة الأجنبية.
– البناء: اتفق معك في ذلك, إنني لم أقل إن أصحاب الأعمال قد وافقوا على ذلك, وإنما قلت إنه حدث حوار ونقاش حول هذه المواضيع مع الجميع ومن ضمنهم رجال الأعمال, التشاور لا يعني أخذ جميع ما يطرحه أصحاب الأعمال وإنما يعني أخذ جميع الآراء بما في ذلك الرأي الحكومي ورأي العمال.
إن حزمة السياسات والإجراءات بدأت منذ العام 2004 بالتحاور وانتقلت بعد ذلك إلى السلطة التشريعية التي أصدرت القانون رقم 19 لسنة 2006 وقد تم أيضا في هذه المرحلة إجراء مشاورات بين مجلس النواب ومجلس الشورى من جهة وجميع الأطراف المعنية ومن ضمنهم غرفة تجارة وصناعة البحرين من جهة أخرى, إن ذلك يعني أن موضوع انتقال العمالة الأجنبية هي مادة نوقشت في السلطة التشريعية التي تعتبر ممثلا عن جميع أطياف المجتمع والمواطنين.
– المهدي: إن المسألة متصلة بالحوار الاجتماعي الذي تأخذ به منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية فهل أخذنا نحن بالحوار الاجتماعي بين كل أطراف الإنتاج من حكومة وعمال وأصحاب أعمال ومؤسسات المجتمع المدني, سؤالي هو هل تم أخذ الحوار الاجتماعي بالكامل وتم التوافق عليه من قبل أصحاب الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني وهيئة تنظيم سوق العمل.
– البناء: دعني أكمل الفكرة التي بدأتها أولاً, أي أنه بعد إقرار المادة القانونية من قبل المجلس الوطني بغرفتيه تم إقراره من قبل الحكومة وبعد ذلك تأتي مرحلة تنفيذ القانون, ونحن في هيئة تنظيم سوق العمل كسلطة تنفيذية, فكل ما تقوم به هو تنفيذ القانون, نحن وبعد تدشين خدمات الهيئة في الأول من يوليو/ تموز 2008 أي ما يعني قبل عشرة أشهر من الآن لم تطبق المادة الخاصة بحرية انتقال العمالة الأجنبية وإنما أعطى أصحاب الأعمال فترة ثلاثة أشهر إضافية, ولو تساءلنا حول لماذا لم تطبق المادة 25 من قانون العمل والخاصة بحرية انتقال العامل الأجنبي لرأينا أن المسألة تتضمن تشاوراً وحواراً.
إن الحوار وكما طرح حسين المهدي لا يعني بأي حال من الأحوال التسليم بكل ما يطرحه أصحاب الأعمال والأخذ به بل إن الحوار يعني سماع وجهة نظر جميع الأطراف والخروج برؤى توافقية بين الجميع, لقد كانت الهيئة حريصة على الأخذ بمرئيات أصحاب الأعمال ضمن ما هو متاح, نحن مقيدون بقانون, وأنا كنت ضمن اللجنة القانونية التي ضمت أيضاً الأخ عادل المسقطي ممثلاً عن غرفة التجارة, إن القرار الذي أصدره وزير العمل لتطبيق هذه المادة القانونية قد وضع قيوداً على انتقال العامل الأجنبي لرب عمل آخر ولم يترك الأمر على عواهنه.
موقف الاتحاد العام للنقابات
[ كان موقف الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين مؤيداً للقرار ولكن باستحياء, فلماذا لم يتخذ موقف حاسم ومؤيد لهذا القرار, وكيف ينظر الاتحاد لهذا القرار؟
– كريم رضي: أعتقد أننا يجب أن نبدأ بسؤال حول المبادئ, فمن حيث المبدأ وبغض النظر عن جنسية العامل أو جنسه فمن حيث المبدأ هل يحق للعامل الانتقال من رب عمل إلى رب عمل آخر أم لا؟
[ لن يقول أحد إنه ضد ذلك ولكن أصحاب الأعمال يطالبون بوضع ضوابط لعمليات الانتقال؟
– ناس: إن كان الأمر يتصل بتجاهل جنسية العامل فإن ذلك يعني إلغاء جميع القوانين والقرارات التي تفرق بين البحرينيين والأجانب, أي إلغاء نسبة البحرنة.
– رضي: أقول إنه لم يؤخذ فقط برأي أصحاب الأعمال, بل إن جميع الإصلاحات التي حدثت كان وراءها أصحاب الأعمال وسأشرح ذلك, في العام 1993 حدثت تغيرات كبيرة في قانون العمل منها إلغاء مواد تتعلق بأن نسبة البحرنة تأتي من خلال قانون, إذ طرح أصحاب الأعمال وقتها, بأن عهد تدخل الدولة في تسيير الاقتصاد قد انتهى ونحن نتحدث اليوم عن اقتصاد حر ويجب أن يترك أمر الاقتصاد لآليات السوق, فلا يجب أن يفرض على صاحب العمل أن يوظف بحرينيين, مشروع قانون العمل الذي يناقش الآن في البرلمان قد حذف منه بالكامل الباب المتعلق بالعمالة الوطنية, إن آليات السوق تعتمد على حرية انتقال رؤوس الأموال كما تعتمد على فتح سوق العمل, فلا يمكن الأخذ بواحد منها دون الآخر وهذا ما قام عليه الاقتصاد الحر في جميع أنحاء العالم, إن مشروع إصلاح سوق العمل يقوم على العمل وفق آليات السوق وليس وفق القانون الذي يعتبره أصحاب الأعمال بأنه من مخلفات الاقتصاد الموجه, الآن لا توجد مادة في القانون تنص على نسبة من البحرنة بشكل ملزم, وإنما هناك مهن معينة مقصورة على البحرينيين, كما أن مشروع إصلاح سوق العمل تضمن فرض رسوم على استقدام العمالة الأجنبية من أجل رفع كلفة العامل الأجنبي بحيث تتوازى وإلى حد ما مع كلفة العامل البحريني ليجد صاحب العمل بعد فترة من التطبيق أن العامل البحريني هو المفضل لديه.
فيما يخص إلغاء نظام الكفيل كان أصحاب الأعمال يشتكون من أن العامل البحريني لا يبقى في وظيفته وإنما يترك الوظيفة لمجرد أن يحصل على أجر أعلى ولو بعشرة دنانير بعكس العامل الأجنبي الذي هو أكثر إخلاصاً للعمل وأكثر ولاءً لمؤسسته والدليل على ذلك وجود عمال أجانب لدى المؤسسات قضوا أكثر من 20 سنة في المؤسسة نفسه, الفكرة في هذه المادة هي إثبات أن الأجنبي ليس أفضل من العامل البحريني من حيث الولاء للمؤسسة إن ترك له حرية الانتقال من عمل لآخر, إن العامل الأجنبي مجبر على العمل لدى من استقدمه إذ إن صاحب العمل محتفظ بجواز العامل الأجنبي لديه.
فيما يخص الرسوم فإن القانون صدر في شهر مايو/ أيار العام 2006 وطبق في شهر أغسطس/ آب من العام 2008 أي ما يعني مرور أكثر من سنتين ومع ذلك يقول أصحاب الأعمال إنهم لم يعطوا فرصة لتدبير أمورهم.
[ حسين, ما طرحه الأخ كريم مهم جداً من أن أصحاب الأعمال يطالبون بترك آليات السوق تعمل دون تدخل الحكومة ولكن عندما يتصل الأمر بسوق العمل فإنهم يطالبون بقوانين وإجراءات حمائية تفرضها الحكومة على العمالة الأجنبية, كيف ترد على ذلك؟
– المهدي: اتفق مع ما طرحه الأخ كريم من أن الحرية الاقتصادية تستدعي حرية انتقال رؤوس الأموال وحرية انتقال العامل, ولكن سؤالي بأنك الآن حميت العامل وتركت له حرية الانتقال…
[ ليست هناك حماية للعامل هنا وإنما ترك له حرية الانتقال من عمل لآخر, أصحاب الأعمال هم من يطالبون بالحماية ومنع العامل من ترك العمل لديهم؟
– المهدي: صحيح, ولكن آلية السوق تعتمد على مسألتين, أولاً معرفة السوق أي كصاحب عمل يعمل في مجال الإنشاءات يعرف السوق البحرينية في هذا القطاع ويعمل من خلال ذلك, أعرف شخصاً قد فقد كل ما يملك بسبب أن أحد الموظفين المسئولين لديه انتقل إلى صاحب عمل آخر منافس له أخذ معه جميع أسرار العمل بما في ذلك قائمة العملاء والأسعار, كيف يمكنك هنا أن تحميني من هذا الوضع.
إفشاء أسرار العمل
[ هل يعني ذلك أن مثل هذه الأعمال لا يمكن أن تشغل من قبل البحرينيين؟
– المهدي: أنا لا أقول ذلك, يوجد لدي في الشركة العديد من البحرينيين المسئولين, ولكني أتحدث عن غير البحرينيين, فهم من ينقلون أسرار العمل بعكس البحرينيين.
[ وذلك هو جوهر السؤال, في هذه الحالة فإن صاحب العمل سيفضل البحرينيين في المواقع الحساسة لأن لديهم أخلاق عمل مختلفة عن العمالة الأجنبية؟
– المهدي: ولكن بعد أن يقوم العامل الأجنبي بإفلاسي, نحن نتفق على مبدأ الآلية, أختلف مع الأخ سمير ناس فيما يخص أهمية الأرقام التي ارتفعت من 38 ألف عامل أجنبي لأكثر من نصف مليون عامل إن ذلك يدق ناقوس الخطر والتوجه لإصلاح سوق العمل شيء جيد.
– ناس: إننا مع حرية التنقل ولكن ذلك لا يعني فتح الباب على مصراعيه لكل من يريد الانتقال من عمل لآخر, حرية السوق موجودة في أغلب البلدان ولكن حتى في سنغافورة وأميركا التي تطبق ذلك هناك ممنوع الانتقال من رب عمل لآخر لفئات معينة, عندما نجلب الأجانب للبحرين فإنهم يأتون لأداء مهمة محددة, طبيعة العمل في البحرين وفي جميع أنحاء الخليج هو أننا نعتمد اعتماداً شبه كامل على العمالة الأجنبية أي ما يوازي 70 إلى 80 في المئة من قوى العمل, وإن أعطيناهم حرية التنقل داخل إطار السوق المحلية, أي من حقه أن يخرج لخارج البحرين ويعمل أينما يشاء فهو ليس بعبد لدي, إن الموظف الذي يترك العمل لدي يجب أن أحصل على مقابله شخصاً آخر في البحرين وإلا يجب أن أسافر للخارج وآتي ببديل عنه, إنني هنا لا أتحدث عن العامل العادي وإنما عن الموظفين في الإدارات العليا, فمثلاً لو أن لدي مشروعاً بعشرة ملايين دينار, وأريد أن أوظف مدير مشروع متخصصاً له, فإن ذلك يستدعي ابتعاث فريق عمل كامل للخارج, لأوروبا مثلاً لاختيار مدير المشروع من بين مجموعة كبيرة من المتقدمين لشغل هذه الوظيفة, إن ذلك يكلف كثيراً بالإضافة إلى كلفة استقدام مثل هذا الموظف المختص والذي قد تكلف آلاف الدنانير, لقد وظفت هذا الشخص لإدارة مشروع قد يستمر لمدة ثلاث سنوات وصرفت عليه مبالغ كبيرة في حين أن بإمكانه أن ينتقل لمقاول آخر يقدم له مميزات وراتب أعلى لأن هذا المقاول لم يخسر شيئاً على استقدامه في حين أقع أنا في ورطة كبيرة يمكن أن يتأخر المشروع بسببها ما يجعلني أدفع مبالغ أخرى كبيرة بسبب تأخر المشروع. إن خطأ هيئة تنظيم سوق العمل أنها وضعت جميع الموظفين والعمال في سلة واحدة لا يمكن وضع عامل البناء الذي لا يتمتع بأية مهارة مع مدير مشروع يكلف عشرات الملايين, ولو أردت توظيف مدير مشروع بحريني فانه لا يوجد في السوق بحرينيون لديهم هذه المواصفات وحتى المحاسبون لا يوجد في البحرين محاسبون متخصصون، المشكلة أن مثل هذه التخصصات لا توجد في البحرين, كما أن المشكلة هي الاحتفاظ بإسرار العمل لقد خسرت وكالات كبيرة بسبب موظفي تسويق, إن طبيعة سوق البحرين أنها صغيرة جداً لدرجة أن الجميع يعرف ما يدور لدى منافسه, إن هذه التأثيرات مهمة جداً على التاجر البحريني.
[ بالرغم مما يقوله الأخ سمير ناس إلا أن بإمكانه كصاحب شركة كبرى في البحرين تقديم جميع الحوافز والراتب الذي يقنع الموظف لديه بالبقاء ولكن ماذا عن الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تستطيع تقديم هذه الحوافز ألن تخسر نتيجة إلغاء نظام الكفيل؟
– ناس: إن عامل البناء لا يهمني انتقاله ولكن ما يهمني هم الموظفون في الإدارة العليا؟
تأثير القرار على سوق العمل
[ ولكن السؤال ألن يؤثر ذلك على الشركات الصغيرة؟
– ناس: إن ذلك سيؤثر على الجميع.
– البناء: نحن نمر الآن بعملية إصلاحية ومعنى ذلك أنه يجب أن يكون هناك تأثير على الجميع…
– ناس: ولكن هذا التأثير بملايين الدنانير وذلك ليس عملية سهلة.
– البناء: لا أختلف معك, ولكن لا يجب النظر إلى عملية الانتقال بصورة سلبية وكأنها هي التي ستدمر سوق العمل البحرينية.- ناس: إن جميع التجار في البحرين يرفضون هذا القانون.
– البناء: ذلك أمر طبيعي, فأي تغيير سيواجه مقاومة, فحتى الرسوم لقيت مقاومة كبيرة فلا أحد يوافق على دفع رسوم إضافية, إن فلسفة الهيئة تقوم على أن نصعب على عملية دخول العامل الأجنبي وفي المقابل نعطيه حرية الحركة داخل السوق البحرينية, وذلك بهدف عدم زيادة أعداد العمالة الأجنبية بحيث تتضخم وهذه إحدى الأهداف التي طرحتها عملية تنظيم سوق العمل وهي كيفية الاستفادة القصوى من العامل الموجود في البحرين.
– ناس: ولكنكم منعتم دفع العمال من مقاول إلى مقاول آخر لفترة محددة, فمثلاً لو أن لدي الآن عمالة زائدة لا أحتاجها في الوقت الحاضر وسوف أحتاجها بعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وأردت أن أدعها تعمل خلال هذه الفترة لدى مقاول آخر فإن ذلك ممنوع.
– البناء: بالطبع إن ذلك ممنوع والسبب هنا أن ذلك يرجع إلى العملية التنظيمية, وسأرجع إلى ذلك لاحقاً, ولكن فلأكمل الفكرة السابقة, حسين طرح أن لدينا تضخماً في العمالة الأجنبية ويجب أن نطرح حلولاً لذلك, ومن ضمن الحلول التي توجدها عملية الانتقال من صاحب عمل لآخر هي إيجاد سوق محلية للعمالة فبدلاً من استقدام هذه العمالة من الخارج ما يحدث تدفقات للعمالة بصورة مستمرة, سنوجد سوق محلية نحصل من خلالها على البديل المطلوب, قبل قليل قلنا إنه يوجد ما يقارب من 14 ألف عامل هارب من صاحب عمله قد يكون لسبب أو لآخر ولكن في ظل وجود نظام يكفل له حرية الانتقال فإن جميع الأسباب ستلغى.
– ناس: المشكلة أنكم شخصتم المرض بطريقة خاطئة ولذلك قدمتم الدواء الخاطئ, إن العمالة السائبة حدثت بسبب تراكمات منذ فترة السبعينيات من خلال مصالح شخصية وأول من بدأها وزارة العمل في تلك الفترة وعند اشتداد الطلب على العمالة الأجنبية مع الطفرة النفطية وجد في وزارة العمل أناس متنفذون يؤخرون معاملات الناس من أجل الحصول على رشا, ولنكن واقعيين هناك عدد من الموظفين تمت إحالتهم إلى النيابة لهذا السبب.
[ ولكن هل إلغاء نظام الكفيل ستقضي على ظاهرة العمالة السائبة أو ستقلل منها؟
– البناء: إن ذلك سيقلل من ظاهرة هروب العمالة إذ سيكون هناك مجال للعمالة إلى الانتقال لعمل آخر, ومن ضمن الضوابط التي وضعتها الهيئة أنه بمجرد إبلاغ صاحب العمل عن هروب العامل فإن الهيئة لن تسمح بانتقال هذا العامل لجهة عمل أخرى.
– رضي: في الوقت الحالي كيف يمكن للعامل الأجنبي الانتقال من صاحب عمل لآخر؟
– ناس: يمكنه الانتقال عند حصوله على شهادة عدم ممانعة من صاحب العمل الأصلي.
– رضي: وفي حالة ممانعة صاحب العمل عن إعطائه الشهادة؟
– ناس: يخرج خارج البحرين ويقوم بعمل عقد عمل جديد مع صاحب العمل الجديد.
– رضي: وفي هذه الحالة كيف يمكن الحفاظ على أسرار العمل.
– المهدي: أولاً نحن لا نستطيع أن نقارن سوق العمل في البحرين بسوق العمل في سنغافورة وأميركا, بسبب أن نسبة كبيرة من السوق البحرينية تعتمد على العمالة الأجنبية, هناك أرقام مهمة في هذا الموضوع, ففي سنة 2000 مثلاً كان العامل البحريني يمثل ثلث قوى العمل في القطاع الخاص, اليوم البحريني يمثل أقل من 19 في المئة, السؤال هنا إن طبقنا قانون إلغاء نظام الكفيل لكي يكون البحريني الخيار المفضل لدى صاحب العمل, فهل يستطيع البحريني أن يلبي طلبات السوق أو يسد الفجوة في الطلب على العمالة نحن نتحدث عن 81 في المئة من عدد العاملين كيف يمكن تلبية هذه الاحتياجات دون الاستعانة بالأجانب.
الرقم الآخر الذي أحب ذكره هو أن عدد البحرينيين العاملين في القطاع الخاص قد ازداد خلال هذه الفترة من 52 ألفاً إلى 94 ألف عامل أي ما يقارب 42 ألف عامل في حين ازداد عدد العمال الأجانب من 108 آلاف إلى أكثر من 400 ألف عامل, ولنلاحظ هنا كم ضعف زاد عدد البحرينيين وكم ضعف زاد عدد غير البحرينيين, فهل من الممكن أن نضبط حركة السوق خلال الثلاثة أشهر بحيث أن نوفر العمالة التي يتطلبها سوق العمل, كان من المفترض أن يطبق النظام من خلال الفترات التجريبية وليس دفعة واحدة, أي تطبيق النظام أولاً في القطاعات التي يقبل عليها البحرينيون ومن ثم يمكن التوسع في القطاعات الأخرى.
النقطة الثالثة هي ما يتصل بتأثير هذا القرار على الشركات الصغيرة والمتوسطة, وبحسب البنك الدولي فإن متوسط الشركات العاملة في العالم يتكون من 80 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة.
– البناء: الفرضية التي يطرحها الدكتور هي إحلال البحريني محل الأجنبي في سوق العمل, نحن لا نطرح إيقاف استقدام العمالة الأجنبية وإنما نقول إننا نهدف أن يكون العامل البحريني هو المفضل لدى صاحب العمل.
– ناس: ومن الذي يقول إن صاحب العمل لا يريد توظيف البحرينيين, نحن لا ننظر إلى جنسية العامل ولكن ننظر إلى أدائه.
إنني في اللجنة المشتركة بين غرفة التجارة ومجلس النواب, وقد طرحنا هذا الموضوع عليهم, فمادام التشريع أصبح قانوناً فإن ما نطالب به هو وضع ضوابط في التفاصيل, إن ما يطالب به التجار هو أنه من حق العامل الأجنبي أن ينتقل لرب عمل آخر بشرط أن تكون هناك فترة فاصلة لمدة سنة واحدة بحيث يكون فيها خارج البحرين أو بموافقة من صاحب العمل الأصلي, كما نطالب بتعويض صاحب العمل الذي استقدم الموظف من بلده وهنا أنا أتحدث عن الإدارة العليا التي قد يكلف أي موظف فيها عن ما لا يقل عن 10 آلاف دينار لمجرد نقله من بلده إلى البحرين, يجب على رب العمل الجديد تعويض صاحب العمل الذي استقدم الموظف وخسر عليه مثل هذه الخسائر.
– البناء: لنفرض جدلاً أن ذلك ممكن ولكن هل تعتقد أن الهيئة كجهاز تنفيذي يمكنه تطبيق ذلك, يمكن غداً أن نصطدم مع اتحاد العمال بأن يقول إن صاحب العمل قد تعسف في تقدير خسائره وطالب بمبالغ خيالية من أجل انتقال موظفه إلى عمل آخر.
– رضي: إن المادة 25 الخاصة بانتقال العمالة الأجنبية تعالج هذه المسألة إذ تتضمن «مع مراعاة الفقرة (ب) من المادة, يكون للعامل الأجنبي حق الانتقال من صاحب عمل لآخر دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب أحكام القانون أو نصوص عقد العمل المبرم بين الطرفين» هناك أمور على العامل أن يستوفيها قبل الانتقال, لا يمكن لصاحب العمل أن يمنع العامل من الانتقال ولكن حقه محفوظ قانونياً, ويمكن حتى للهيئة أن تفكر في المستقبل بإيجاد عقد عمل كنموذج يمكن الاستفادة منه في هذا الموضوع ويضمن حقوق صاحب العمل, يمكن أن يوضع صاحب العمل شرطاً جزائياً في حالة ترك العامل عمله قبل انتهاء العقد.
– ناس: وفي حالة عدم التزامه بالعقد فإن ذلك سيؤدي إلى الذهاب إلى المحكمة وهناك يمكن أن تستمر القضية لسنوات طويلة.
– رضي: فلنفترض أنني عملت لديك وكان نص العقد ينص على توفير سكن لي وأنك لم توفر ذلك فليس أمامي إلا الذهاب إلى المحكمة, المحكمة وجدت لتقاضي الأطراف في حالة نقض أي منهم للعقد.
[ لقد تطرقنا لجميع السلبيات المحتملة لإلغاء نظام الكفيل ولكن لا توجد إيجابيات لذلك؟
– رضي: ما أحب أن أقوله إننا قد أعطينا للبلد ولأصحاب الأعمال ووزارة العمل فرصة استمرت لمدة خمسين سنة والآن هذا القانون لم يطبق حتى الآن لمعرفة إيجابياته, يجب أن يعطى هذا القانون الفرصة, إن هذا القانون قد صدر من السلطة التشريعية ولذلك يجب تطبيقه.