سادت حالة من الفوضى والهياج في ندوة الأصالة عن “آثار إلغاء نظام الكفيل” الأسبوع الماضي. وارتفع صراخ التجار الغاضبين من قرار وزير العمل بشأن حرية انتقال العامل الأجنبي المنتظر تطبيقه 1/8/.2009 وقالوا إن هيئة سوق العمل تدمر السوق وتضطهد التجار وتُكدّس الأموال بحجة تقليص العمالة الأجنبية.
وناشد التجار جلالة الملك التدخل العاجل لحماية صغار ومتوسطي التجار من الإفلاس. وتساءل الحضور عن سبب مسارعة البحرين الى تطبيق القرارات الحساسة قبل غيرها، فالبحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي فرضت هذه الرسوم على العمالة الأجنبية، وهي الدولة الأولى التي سمحت بحرية بانتقال العامل الأجنبي من دون ضوابط كافية، وهو ما سيؤدي إلى نتائج سلبية مدمرة خاصة أنه لا يوجد بدائل بحرينية للعمالة الأجنبية، رغم أن القائمين على هيئة سوق العمل ومسئوليها يعلمون أن القرار متسرع وغير مدروس بما يكفي، بل غير محمود العواقب. وقال رئيس جمعية المقاولين نظام كمشكي إنه لا يوجد أحد يدافع عن التجار والمقاولين، فحتى غرفة التجارة والصناعة أصبحت مجرد اسم فقط، وتمنعها المصالح الخاصة من اتخاذ موقف قوي يحمي التجار والمقاولين، وهناك من يخاف على مصالحه ومناقصاته مع الحكومة، ويترك المقاولين والتجار لهيئة سوق العمل لتطحنهم طحنا بالرسوم والإجراءات والقرارات. قائلا في غضب وسخط شديدين “لمن نذهب؟ ولمن نلجأ؟!”.
من جهته اعتبر النائب إبراهيم بوصندل عضو كتلة الأصالة، قرار السماح بحرية انتقال العامل الأجنبي خطوة متعجلة ومتسرعة لن تصب في صالح المواطن البحريني بل في صالح العامل الأجنبي، حيث ان ثقافة العامل البحريني تغيرت في السنوات الثلاثين الماضية، ولم يعد كالسابق يعمل في كل الوظائف، وعلى هذا فسوف تنحصر المنافسة بالأساس بين العمال الأجانب.
وقال إنه لا يمكن علاج مشكلة العمالة الأجنبية التي تفاقمت وتراكمت عبر عشرات السنين بمثل هذه القرارات المتسرعة ومن دون تهيئة كافية.
ورغم الاتفاق على أن مشكلة العمالة مشكلة كبيرة؛ فإن ما تفعله هيئة سوق العمل غير مدروس بما فيه الكفاية، وغير محمود العواقب وسوف يتسبب في عدم استقرار في السوق البحريني.
إن إصلاح سوق العمل لا يكون بإخراج آلاف الأجانب من دون توفير البديل لهم، ولا يكون بفرض رسوم باهظة على أصحاب الأعمال، وفي ذات الوقت يقولون إنهم يعملون على أن يكون القطاع الخاص محرك الاقتصاد!
إن البحرين تعيش اليوم حالة من التخبط الاقتصادي جراء هذه القرارات غير المنطقية وغير المنضبطة، فالمسئولون عن إصلاح الاقتصاد يهزون السوق بين حين وآخر هزات كبيرة من أجل أهداف جزئية كتحسين سمعة البحرين في بعض المؤسسات الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان غير ناظرين إلى التبعات الخطيرة التي ستجرها هذه القرارات على السوق وأصحاب العمل ومن ثم على المواطن البحريني!
واعترض المهندس نظام كمشكي رئيس جمعية المقاولين على قول وزير العمل مجيد العلوي إن قرار السماح للعامل الأجنبي بالانتقال لعمل آخر جاء لإلغاء ما أسماه “الاستعباد” من قبل صاحب العمل البحريني! وقال كمشكي: لا نعرف بالضبط أي استعباد هذا الذي يتحدث عنه الوزير في حين أن العامل الأجنبي يأتي من بلده الأصلي برضاه وبعقد عمل، ويمكنه المغادرة إلى بلده متى شاء بحسب عقد العمل.
واشتكى كمشكي من أن المقاولين والتجار أصبحوا (الطوفة الهبيطة) في البلد. وأن الجهات الحكومية تقوم بفرض رسوم واجراءات كثيرة وغير مفهومة حتى أصبحنا ندفع حوالي 21 نوعا من الرسوم؛ مثل 200 دينار عن العامل كل سنتين، 10 دينار شهريا، التأمين ضد التعطل، التأمين الصحي، التدريب،… الخ. وهذه الرسوم أصبحت من الكثرة بحيث أثقلت كاهل التجار، وباتت تطرد المستثمرين.
واعتبر كمشكي أن قرار الانتقال سيضرب السوق وأصحاب الأعمال في الصميم وسيترتب عليه أضرار كثيرة وبالغة مثل:
* جعل القرار في يد العامل الأجنبي الذي قد يترك العمل عند أي خلاف.
* هبوط إنتاجية العامل الأجنبي الذي سيهدد أو سينشغل بين كل فترة وأخرى بترك العمل.
* ارتفاع أعداد السجلات الوهمية، علما بأنه يوجد حوالي (000،10) سجل بقطاع المقاولات أغلبها سجلات وهمية مؤجرة على الأجانب، والنشطة منها لا تتجاوز 800 فقط.
* سوف تؤثر الانتقالات على تمكن المؤسسات من انجاز المشروعات في وقتها المحدد، بسبب ترك العمال للعمل بين الحين والآخر.
* هذا القرار سينتج عنه وبشكل عكسي ازدياد العمالة السائبة، حيث سيمنحها الحماية القانونية، وذلك سيرفع أجور العمالة السائبة التي تترك الأعمال، وخصوصا على قطاع المقاولات التي بها النسبة الغالبة من العمالة الأجنبية، والتي لا يتوافر البديل عنها حاليا أو في المستقبل القريب.
* هذا القرار سيتسبب في تسريح البحرينيين المفروضين من خلال نسبة البحرنة لتقليل النفقات.
* كما أن السماح لحوالي 400 ألف عامل بحرية الانتقال سوف يزيد الضغوط على المؤسسات الحكومية جراء كثرة انتقال العمالة الأجنبية.
* سيمكن القرار، وخصوصا مع عدم وجود ضوابط للمنافسة، العمال من نقل أسرار المؤسسات، وخصوصا من قبل العاملين في المناقصات، كما قد ينقل العامل الأجنبي معه زبائن وعملاء المؤسسة التي يغادرها.
وطرح كمشكي على الحكومة حلا بديلا لما سماه وزير العمل محاربة “استعباد” العامل الأجنبي، وقال إذا كانت الحكومة جادة فعلا في ذلك فلها أن تصدر نظاما قانونيا يبيح للعامل الأجنبي تقديم شكوى عن صاحب العمل، وإذا ثبت فعلا أنه يتعرض للاستعباد كما يقولون فعليها أن تقوم بنقله من هذه المؤسسة وتدفع له التعويض المناسب.
وقال عضو كتلة الأصالة حمد المهندي إن الأصالة هي أكثر كتلة اعترضت على قانون رقم (19) بشأن هيئة سوق العمل حين طرح في 2006، ومازلنا نقول منذ طرح المشروع برمته كفكرة في 2004 والسنوات التي بعدها ان مشروع إصلاح سوق العمل يسير كالقاطرة بدون مكابح!
نقول هذا مع أننا عدلنا الكثير من المواد، واعترضنا على الرسوم الباهظة وتم تخفيضها من 75 شهريا إلى 10، ومن 600 كل سنتين إلى 200، واعترضنا حينها على المادة 25 التي تبيح للعامل الأجنبي حرية الانتقال. وفي عام 2007 تقدمت الأصالة باقتراح قانون بتعديل هذه المادة وعدم السماح للعامل الأجنبي بالانتقال قبل سنة على الأقل من وجوده في العمل، ومازال المشروع بقانون لدى لجنة الخدمات بمجلس النواب لأن رئيس اللجنة رفض إدراجه على جدول الأعمال بحجة أنه بحاجة الى المزيد من الدراسة وقد وافقه في ذلك بعض أعضاء كتلة الوفاق، وقد احتججنا عليهم بأن من لديه رأي فليبديه في المجلس، ولا يجوز تعطيل المشروع بقانون لما بعد تطبيق القرار.
إن مشروع إصلاح سوق العمل قد استند الى معطيات ومعلومات خاطئة، حيث قال إن البطالة ستبلغ حوالي 100 ألف عاطل بحلول 2010، ولكننا في منتصف 2009 وأعداد البطالة الحقيقية لا تصل إلى الألف شخص، كما يظهر في احصائيات وزارة العمل لشهر ابريل من العام الحالي، فهناك 7233 وظيفة شاغرة تقدم لها 1200 بحريني فقط!
إذا، البطالة التي تم الاحتجاج بأنها السبب الرئيسي وراء القانون تبين أنها وهمية، ولا توجد بطالة حقيقية وإنما هناك أسباب سياسية وأسباب أخرى تدفع باتجاه تضخيمها بشكل مفتعل!
كما أن آخر احصائيات هيئة سوق العمل لهذا الشهر تقول إن هناك 71 ألف عامل أجنبي تم الترخيص له خلال 3 أشهر فقط، مما يثبت أن مشروع سوق العمل فاشل، ولم يتمكن من تقليل العمال الأجانب، والسبب في ذلك أنه لم يوجد البديل البحريني كما طالب الكثيرون عندما طرح المشروع. والمشكلة أن هذا القانون يستبد بالتجار وأصحاب الأعمال ويدفعهم للتعثر وربما الإفلاس، خاصة ان القوانين والقرارات آخذة في التكاثر عليهم، فكيف إذا أضفنا اشتراطات المرور ونحوها!
إن المسئولين عن سوق العمل يسعون لتجميل صورة البحرين في الخارج على حساب المواطن.
ورأى المهندي أن الحل يكمن في اجتماع الغرفة والنواب وأصحاب العمل على كلمة وموقف واحد من دون خوف أو وجل، وأن على الغرفة أن تضطلع بدورها وتدع عنها الخوف والتراجع والتردد والتذبذب في المواقف. فهذا القانون سيدمر اقتصاد البلد، ويجب ألا يلقي كل منا المسئولية على الآخر.
كما فجر النائب المهندي مفاجأة حين قال إن على الغرفة أن تلجأ الى المحكمة الإدارية لوقف تنفيذ القرار الذي يتعارض مع المادة (5) من قانون سوق العمل التي تلزم الهيئة بعدم اتخاذ قرارات مشابهة من دون عمل دراسات واستفتاءات ومشاورات شعبية ومع أهل الاختصاص وان يصدر نظام بهذه المشاورات بما يكفل للجهات كافة الاطلاع عليها.
وقال عثمان شريف عضو غرفة التجارة إن الغرفة لم توافق على قرار حرية انتقال العامل كما ادعى وزير العمل، وإن ممثلي الغرفة في هيئة سوق العمل تحفظا على القرار. وتمخضت اعتراضاتنا عن تشكيل لجنة رباعية من الغرفة، وزارة العمل، هيئة سوق العمل، اتحاد العمال، لوضع الضوابط اللازمة لانتقال العامل الأجنبي.
كما قال الدكتور منذر الخور من غرفة التجارة إن الخلل يكمن في ترتيب أولويات مشروع (مكنزي)، حيث كان المفترض أن يبدأ بإصلاح التعليم ثم بعد ذلك يصلح الاقتصاد وأخيرا سوق العمل. ولكن العكس هو الذي حصل.
ومن جهته قال النائب الشيخ جاسم السعيدي إن تأخير المشروع من دون مسوغ مرفوض، رغم أن الأصالة تقدمت به في عام 2007 من أجل وضع ضوابط لحرية انتقال العامل الأجنبي بأن يمضي سنة على الأقل في عمله قبل السماح له بالانتقال.
وقال عضو كتلة الأصالة النائب عبدالحليم مراد إن القرار لن يضر بالتاجر والمقاول وصاحب العمل فقط ولكنه سيشيع الفوضى بالبلد. وتساءل لماذا المكابرة حتى الآن ؟! ولماذا لا يتوقفون عن تطبيق القانون بعد أن ثبت فشله؟ علما بأنه سوف يؤدي إلى تحكم الأجانب في البلد.
وتابع المشكلة تكمن في أن هناك نوابا يدعمون قرارات فرض الرسوم وحرية انتقال العامل الأجنبي ويدافعون عنها كما هو حال نواب كتلة الوفاق هداهم الله.
من جهتهم قال بعض أصحاب العمل من الحضور إن هذه القرارات أضرت بهم، وأثقلت كاهلهم وقد تؤدي ببعضهم الى الإفلاس، وخراب بيوتهم، وانهم لا يسمع أحد صوتهم. واتهموا النواب والغرفة بعدم الوقوف بجانبهم وإيصال صوتهم، وطالبوا جلالة الملك بالتدخل لإنقاذهم من الغبن والظلم الواقع عليهم. وقد اقترح أحدهم أن تصرف له الدولة خمسمائة دينار لإعالة عائلته، ولا مانع لديه من إغلاق مؤسسته وتسفير جميع عماله. وقال آخر ماذا يريدون منا؟ ولماذا لا يدعوننا نكسب رزقنا ورزق عائلاتنا بسلام؟! إنهم يضايقوننا في كل محفل! ويبدو أن فتح مرقص ديسكو سيكون أسهل وأفضل من ممارسة المقاولات والإنشاءات!