البحرين والغاء قوانين العبودية (صحيفة القدس العربي)

رأي القدس

الغاء الحكومة البحرينية لنظام الكفيل خطوة محورية ترتقي الى مستوى قوانين الغاء الرق وتحرير العبيد التي صدرت في منتصف القرن الماضي في اكثر من دولة عربية وعالمية.

فهذا النظام البشع الذي يحول العمال الاجانب الى ملكية مطلقة لصاحب العمل، ويحظر عليهم الانتقال الى اعمال او ارباب عمل آخرين الا بموافقته، يشكل اهانة لحقوق الانسان، وكل قيم العدالة، والقوانين الالهية والوضعية معاً.

ومن المؤسف ان دول الخليج العربية الغنية هي الوحيدة في العالم بأسره التي تطبق هذا النظام من خلال قوانين واجراءات حكومية رسمية، تفتح المجال على مصراعيه امام ارباب العمل، ومعظمهم على درجة كبيرة من الجشع للتصرف بطريقة سادية مع العمال الاجانب، ابتداء من هضم حقوقهم الاساسية، ومنحهم رواتب متدنية جداً، وحرمانهم من اي ضمانات صحية او اجتماعية في معظم الحالات.

فهناك اكثر من عشرة ملايين عامل اجنبي على الاقل يعملون في دول الخليج الست، معظمهم من دول شبه القارة الهندية، يعيشون في ظروف معيشية سيئة للغاية، اضطرتهم في بعض الاحيان الى الثورة مثلما، حدث في امارة دبي قبل عام، حيث نزل الآلاف الى الشوارع، وكذلك في الكويت، وحطموا السيارات وأقدموا على احداث شغب للمطالبة بدفع رواتبهم، وتحسين اوضاع سكنهم، ونقلهم في وسائل تليق بالبشر الى اماكن عملهم.

وأتاح نظام الكفيل هذا الى نشوء ‘تجارة الاقامات’ حيث يقدم بعض الاشخاص على ‘استيراد’ مئات العمال من دول فقيرة، مثل الهند ومصر وباكستان، واطلاقهم في سوق العمل مقابل دفع مبالغ شهرية لهم مقابل كفالتهم امام الدولة، الامر الذي دفع هؤلاء التجار الى استغلال هؤلاء العمال، وابتزازهم مالياً ونفسياً من خلال تهديدهم بالترحيل، اذا لم يدفعوا المبالغ المطلوبة منهم، بغض النظر عما اذا كانوا يملكون المال ام لا.

والأخطر من ذلك ان هذا النظام الاستعبادي يتيح للكفيل الحجز على جواز سفر العامل طيلة فترة عمله، بحيث لا يحق له السفر الا بتصريح رسمي منه، ومختوم من هيئة العمل الحكومية، مما يعني ان العامل يعيش معاملة السجين ودون ان يرتكب أي جريمة.

ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال لا يستطيع أي عامل أجنبي أن ينتقل من مدينة جدة الى مدينة الطائف التي تبعد عنها حوالي مئة وخمسين كيلومتراً الا بتصريح رسمي من رب العمل مختوم ومعتمد من ادارة الجوازات، ولا يستطيع ركوب الطائرة الى الرياض أو أي مكان آخر داخل المملكة بدونه.

ويتساوى في هذا الظلم العرب مع غيرهم، الاطباء او الاكاديميون الكبار مع العمال الفقراء البسطاء. فالكفيل هو السيد والآخرون هم عبيد عليهم الطاعة والولاء والا الترحيل مكبلين بالاصفاد، ودون الحصول على حقوقهم الشرعية في معظم الاحيان، هذا اذا لم تلفق لهم تهم سرقة او احتيال او حتى تهم اخلاقية.

دولة البحرين تستحق الشكر لأنها بادرت بالغاء هذا النظام المهين، والمأمول ان تحذو الدول الخليجية الأخرى حذوها، لاسدال الستار على هذه العبودية المستمرة حتى لكأننا نعيش في قرون ما قبل التاريخ وليس في القرن الواحد والعشرين.