صلاح فؤاد عبيد
في الوقت الذي يصرح فيه وزير العمل بأن عدد العمال الأجانب الهاربين من كفلائهم ومن أعمالهم بلغ 13 ألف عامل حتى نهاية العام الماضي 2008 فإننا نرى في الوقت نفسه إصرارا من هيئة تنظيم سوق العمل على تطبيق نظام جديد يتيح للعامل الأجنبي حرية التنقل من عمل إلى آخر ما يعني إعطاءه الحق في التلاعب بمصالح صاحب العمل من دون ضابط ولا رابط!
بدلا من أن تعمل وزارة العمل وهيئة تنظيم سوق العمل على كبح جماح الهاربين من كفلائهم ومن أعمالهم، والعمل على القبض عليهم وتسفيرهم فورا، وعلى الدفع باتجاه استصدار تشريع قانوني لمعاقبة أي عامل وافد يهرب من كفيله مخالفا شروط تأشيرة العمل التي تم استقدامه على أساسها إلى البحرين، فإننا نرى هرولة من هيئة تنظيم سوق العمل لإعطاء العامل الوافد حقوقا أكثر مما تتوافر له في بلده الأم، بل أكثر مما تفرضه القوانين هنا في البحرين للعامل البحريني!.. فالعامل الوافد لا يوجد في بلده إلزام للجهة التي يعمل لديها بتوفير السكن والمواصلات له، ولا يوجد إلزام لها بعدم تشغيله في ساعات الظهيرة خلال الصيف، ولا يوجد إلزام لها بنقله في حافلات مكيفة كما تريد هيئة تنظيم سوق العمل فرضه على أصحاب الأعمال في البحرين، ومع هذا فإن كل تلك المميزات يمكن قبولها إلا أن الذي لا يمكن قبوله أبدا هو إصرار الهيئة على منح هذا العامل الوافد حقا أصيلا في حرية التنقل من صاحب عمل إلى آخر، ما يعني أنه سيصبح هو المتحكم في صاحب العمل وسيهدده بتركه كلما طالبه بأداء عمل ما، أو لم يرضخ لأي زيادة في مرتبه يطلبها أو إجازة يريدها أو تغيير في بيئة العمل يرغب فيه، ما يعني رفعا كبيرا لتكلفة الإنتاج في مختلف مواقع العمل في البحرين أو انهيارا كاملا لمن يمتنع عن الاستجابة لمطالب عماله الوافدين الذين سيتركونه إلى غيره من المنافسين، هذا فضلا عن الحرب الخفية التي ستشتعل بين مختلف أصحاب الأعمال لإغراء عمال الآخرين المدربين واستقطابهم بمزيد من العطايا والهبات والزيادات والمكافآت، ومن ثم رفع الأسعار على المستهلكين لتعويض تلك النفقات التي تكبدها أصحاب الأعمال لإغراء تلك العمالة المدربة و(سرقتها) من منافسيهم!
العجيب أن معظم القياديين والمسئولين في هيئة تنظيم سوق العمل جاءوا من وزارة العمل التي كانوا يشغلون فيها مناصب رفيعة، وهم أدرى الناس بالنتائج المأساوية التي ستترتب على ما يريدون تطبيقه من أنظمة لا تستقيم مع الضوابط الأساسية التي يجب أن تتوافر في سوق العمل لمنع انزلاقه نحو الفوضى والانهيار، وفي مقدمتها وجوب إلزام العامل الوافد بعدم الانتقال إلى صاحب عمل آخر إلا بعد انتهاء عقد عمله وتأشيرة إقامته التي جاء بها إلى البحرين على حساب كفيله الأول وعودته إلى بلاده ثم القدوم من جديد على كفالة رب عامل آخر – إلا إذا تعرض لسوء المعاملة أو إلى انتهاك كفيله شروط عقد العمل الموقع بينهما – فهذا أهم ضابط يمنع نقل أسرار العمل إلى المنافسين، ويمنع إهدار جهود وإمكانيات صاحب العمل الأول التي بذلها في تدريب العامل الوافد وتكييفه مع ظروف ومتطلبات العمل لديه، ويربط العامل الوافد بالجهة التي يعمل لديها والتي يمكنها أن تنهي عقد عمله وتقوم بتسفيره في أية لحظة إذا أفشى أسرار عملها أو تكاسل عن أداء ما يفرضه عليه عقد العمل من واجبات أو حاول الهروب من كفيله طلبا لمزيد من المكاسب تاركا كفيله عرضة للمساءلة القانونية وتعطل أعماله وتكبد الخسائر الكبيرة المتمثلة في تكاليف استقدام عامل بديل واستصدار التأشيرات والتصاريح له.
إعطاء العامل الوافد حرية التنقل بين الأعمال كما يحلو له إنما هو كمثل إعطاء طالب المدرسة الحرية في الحضور إليها يوميا أو الذهاب إلى السينما أو التسكع في المجمعات التجارية، ولا أظن عاقلا سيقول إن إعطاء الطالب الحرية في هذا الأمر سيكون في صالح العملية التعليمية أو في صالح مستقبل البلاد أو في صالح الطالب نفسه!