إبراهيم بوصندل
لمن كان له قلب
قرر الصيادون اليوم فك إضرابهم، والعودة إلى عملهم في صيد الأسماك، وهم على يقين أن مطالبهم قد وضحت لجميع المعنيين، خصوصا بعد زيارة صاحب السمو رئيس الوزراء لهم في موقع اجتماعهم بفرضة المحرق، وتعهده لهم بأن الحكومة ستتبنى هذا الملف.
ولكن السؤال الأهم هو هل وصلت الرسالة لجميع الأطراف أم لا؟ رسالة الصيادين واضحة وقد قالوها بأعلى صوت وهو صوت التوقف عن العمل والتضحية بقوتهم وقوت عيالهم من أجل الإصلاح، الإصلاح الحقيقي الذي يحتاجه الوطن في كل مجال وفي مجال صيد الأسماك بالتحديد.
الفساد الحاصل في البحر حاليا هو نتاج مجموعة من المخالفات والتجاوزات المتراكمة منذ سنوات، فقد كان البحر مثل الجمل الذي كثرت سكاكينه.
بحر المسكين دفنت أرضه، وجرفت رماله، واستنزفت ثرواته، ولوثت مياهه، وتطفل عليه المتنفذون من غير أصحاب المهنة وجلبوا آلاف الآسيويين للعمل فيه لحسابهم، وتم تأجيل القوانين التي صدرت لتنظيمه مرارا وتكرارا، كما أن بعض العاملين فيه ساهموا بتجاوزاتهم في طرق الصيد في ذلك، وأخيرا جاءت ((ضرائب)) هيئة تنظيم سوق العمل دون دراسة متأنية، ودون مراعاة لاختلاف ظروف العمل من مجال لآخر، ودون حساب لتوفر العمالة البحرينية في هذا المجال او ذاك.
أعلن الصيادون مطالبهم مرارا، وأوصلوا شكواهم إلى كل سامع، وقد تبنيا في مجلس النواب الكثير من مطالبهم وحولناها إلى مقترحات وأحلناها للحكومة، ولكن للأسف الشديد لم نلق أي تجاوب يذكر، ولم تبذل الجهات المعنية جهدا لحلحلة قضاياهم.
أما رسالتهم فمفادها أنهم لن يصبروا على قطع أرزاقهم، أو التلاعب بمصيرهم من خلال قرارات وقوانين غير عملية، وغير واقعية وغير منصفة ولا تناسب بيئة سوق العمل البحرينية، وأنهم مستعدون للتضحية بقوت يومهم من أجل إثبات رفضهم لهذه الخطوات التي يقصد منها إصلاح سوق العمل وهي في الحقيقة ستدمره تدميرا.
الصيادون ليس وحدهم الذين رفضوا هذه الرسوم (الضرائب) الجائرة التي فرضت عليهم دون تمييز، ودون توفير وتأهيل البديل المناسب، فهل يوجد اليوم بحريني يعمل خبازا أو في نقل الغاز أو غيرها من الوظائف التي يحتاج المجتمع البحريني إلى وقت طويل وتغيير ثقافي للدخول فيها، فبعد الصيادين سيأتي دور القصابين والمقاولين والخبازين والعاملين في نقل الغاز، وغيرهم من العاملين في المؤسسات الصغيرة والمهن التي لا يشغلها البحريني.
لقد نصحنا وحاولنا كثيرا لرفض قانون الرسوم منذ الفصل التشريعي الأول، وكان لبعض النواب وفي مقدمتهم النائب غانم البوعينين جهود لا تنسى في هذا المجال، وبسبب تحرك النواب آنذاك ورفض السوق (على استحياء) تم تقليل الرسوم السنوية من 600 دينار إلى 200 دينار، والرسم الشهري من 100 دينار إلى 10 دينار. كما حاولنا تأجيل تطبيق الرسوم في الفصل التشريعي الثاني ولكن باءت محاولاتنا بالفشل عدا تأجيلها ستة أشهر.
في الأمم المتحضرة والجادة تقوم السلطات بتشجيع المهن التقليدية وتوفير الدعم المناسب لها، وتوعية العاملين فيها، بل وتوفير الموازنات لاستمرار هذه المهن كالصيادين والمزارعين ورعاة الأغنام، واستمرار توريثها للأجيال، وتأكيد عمل المواطنين فيها وتحسين دخولهم ومدهم بالمعونات خلال موسم توقف الصيد أو الحصاد، وتوفير معدات الصيد والزراعة ونحوها.
نصيحة لوجه الله تعالى، ولمصلحة البحرين الحبيبة أوقفوا هذه الرسوم، وأعيدوا النظر فيها، وفكروا في البدائل الأخرى لإصلاح بيئة العمل، وابدؤوا بما هو واضح وشاهر للجميع مثل العمالة السائبة والكفالة الصورة التي يتورط فيها كبار الشخصيات والمتنفذين الذين يملكون مئات وآلاف العمال ويتاجرون بهم.
أن مثلنا في هذا الإصلاح الصوري مثل من يريد علاج شخص مصاب بشوكة في ذراعه، فيعطيه المهدئات والمسكنات والمضادات الحيوية بينما لا تزال الشوكة في يده، فهلا أزلنا الشوكة أولا ثم عالجنا المصاب ! هلا نظفنا السوق من العمالة السائبة وحللنا المشاكل الأخرى قبل أن نبدأ في الطريقة التي طالما جربناها وهي فرض الضرائب ورفع الرسوم.