بقلم -حسن مدن
الهجرة الأجنبية إلى الخليج ليست أمرا حديثا جاءت به الطفرة النفطية وحدها، وإن كانت هذه الطفرة هي وراء هذه المعدلات العالية من الهجرة التي نشهدها حاليا. فقد عرفت المنطقة هجرات سابقة من إفريقيا ومن فارس ومن الهند، والدارس لبواكير تشكل المدينة الخليجية الحديثة، وآليات تشكل النخب التجارية في مطالع القرن العشرين سيلاحظ أن هذه الهجرة كانت عاملا «أصيلا» في رسم صورة المجتمع يوم ذاك. وتركت هذه الهجرة في ما بعد آثارها العميقة في الحقول المختلفة التي يمكن ملاحظتها اليوم، في حقيقة أن النسيج السكاني الأساسي؛ الذي ندعوه اليوم بمواطني دول الخليج، تفريقا لهم عن المقيمين من أبناء الجاليات الأخرى، بما فيها الجاليات العربية، انطوى على عناصر مختلفة استطاع المجتمع يوم ذاك أن يدمجها ضمن نسقه الثقافي العربي – الإسلامي بعد أن امتص منها مؤثرات مختلفة. نرمي إلى القول إن هذا التلاقح الثقافي تم بسلاسة وببطء واستطاع المجتمع الخليجي المحلي أن يغني ثقافته وفنونه بهذه المؤثرات، وأن يهضمها ويستوعبها حتى غدت ملمحا من ملامحه، وبحيث بات من المستحيل تصور أشكال التعبير الثقافي والفني بإسقاط هذه الحقيقة من الاعتبار . لكن الأمر بالنسبة للهجرة الآسيوية إلى بلدان الخليج التي جاءت مع الطفرة النفطية مختلف بصورة تكاد تكون جذرية، لأن الأعداد الهائلة من هؤلاء العمال تجعل منهم محيطاً بشرياً كبيراً وسط أقليات محلية، عاجزة عن استيعابهم اجتماعياً وثقافياً. منذ شهور قليلة فقط نُشر خبر مفادهُ أن عدد الرعايا الهنود في البحرين بلغ، حسب إحصائية حديثة جداً، مائتين وتسعين ألفاً، وأنهم يشكلون أكثر من نصف الأجانب الذين يبلغ عددهم نحو نصف مليون شخص، من أصل ما يزيد عن مليون نسمة هم عدد سكان البلاد مُجتمعين، حسب أقوال المسؤولين. وعلينا تذكر أن إعلان هذا الرقم عن عدد العمال الهنود في البحرين ترافق مع دعوات للسفير الهندي السابق في البلاد داعياً فيها إلى حد أدنى لأجور العمال الهنود في البلاد، وحين ثارت ثائرة الكثيرين ضد موقف السفير، كتبنا في هذا المكان بالذات داعين إلى تفهم دعوات الرجل، فهو معني بالدفاع عن حقوق مواطني بلاده، وكنا في هذا ننطلق مما قلناه خلال الحلقات السابقة من هذا المقال عن وضع العمالة الوافدة في بلداننا. في منتدى حوار المنامة الذي عُقد منذ أسابيع في البحرين طالب ممثلو الهند بحقوق سياسية للعمالة الأجنبية في دول الخليج، مستشهدين في ذلك بفوز «باراك أوباما» ذي الأصول الإفريقية برئاسة أمريكا، في إشارة لا تخطئها العين البصيرة من أن الحديث لم يعد يدور عن عمال وافدين بشكل مؤقت يرجعون إلى أوطانهم بانتهاء عقود عملهم، وإنما عن عمالة مهاجرة لها من الحقوق ما تضمنه القواعد الدولية المراعية، أمام حقيقة أن اقتصاد بلداننا يقوم على سواعد هؤلاء العمال الأجانب. وهذه حقيقة جديرة بوقوف المسؤول أمامها، فخلا عدد محدود من مُرتدي الثياب ناصعة البياض والعقال من مديري أي مشروع اقتصادي كبير في بلداننا الخليجية، سيكون العمال والمشرفون والفنيون والمنظفون والحُراس من هؤلاء العمال الأجانب، بالطريقة التي تجعل من المستحيل تصور أي مشروع اقتصادي يقوم وينجح من دونهم. للحديث خاتمة.