إذا كانت الجاليات الأجنبية الآسيوية منها بشكل خاص، في بلدان الخليج تشكل عوالم مغلقة بوجه المحيط المحلي في هذه البلدان الذي يجهل تفاصيل طريقة معيشة هذه الجاليات ونمط تفكيرها وأشكال تواصلها الداخلي، فإن هذه الجاليات شأنها شأن أمور كثيرة في مجتمعاتنا مفتوحة على الخارج. ولكن بأي معنى؟! في الدرجة الأساسية فإن دول المصدر بالنسبة لهذه الجاليات، أو أوطانها الأم معنية بشكل كبير بأوضاع هذه الجاليات، لأمرين رئيسين على الأقل: أولهما هو أن حقوق المواطنة تقتضي مثل هذا الاهتمام من حكومات هذه الدول بأمر مواطنيها الذين يعيشون ويعملون في بلداننا، وثانيهما هو أن التحويلات المالية لأفراد هذه الجاليات في الخليج إلى أوطانهم تشكل أحد أهم عوامل تنشيط الدورة الاقتصادية في بلدان المصدر.يمكن أن نشير هنا إلى ما كانت قد أعلنته شركة «ويسترن يونيون» للتحويلات المالية من أن حجم التحويلات المالية من قبل العمالة الوافدة في دول الخليج وصلت إلى نحو 59 مليار دولار في عام 2005 وتمثل هذه النسبة نحو 24 في المائة من إجمالي التحويلات عالميا. طبيعي، والحال كذلك، أن تكون البلدان المصدرة لهذه العمالة معنية برعاية أمور أبنائها في الخليج والسعي لتأمين الظروف الملائمة لعملهم ومعيشتهم. وهي قد تطالب في المستقبل، بل أنها بدأت بالفعل في المطالبة وربما الضغط من أجل سن ما يلزم من التشريعات لتأمين مثل هذه الظروف. وعلينا أن نتذكر حركة الإضرابات عن العمل التي نفذها عمال هنود وبنغال وسواهم في الإمارات والكويت والبحرين خلال العامين الماضيين، وعلينا ألا ننسى أن هؤلاء العمال، أو بعضهم على الأقل، آتون من بلدان صاحبة تقاليد في العمل النقابي، كما هو حال الهند مثلاً، ويمكن لهم أن يلجأوا لوسائل الاحتجاج التي اعتادوها في بلدانهم، بل أن حكوماتهم يمكن أن تحثهم، ولعلها بدأت في حثهم، على إبداء أشكال من التكافل والتضامن الرامي لتحسين ظروفهم. ومن البديهي أن تسود النظرة الواقعية التي ترى أن معدلات النمو الحالية في بلدان الخليج ونمط المعيشة السائد بما ينطوي عليه من أوجه رفاهية ويسر بالنسبة لأبناء المنطقة ما كان يمكن أن تتحقق دون هذه الكثافة الكبيرة من العمالة الأجنبية، الآسيوية خاصة. ولكن الاطمئنان إلى ذلك والنوم على أسرة من حرير دون التبصر في المستقبل وعواقبه ينم عن سوء تقدير لحجم الظاهرة ولعواقبها، غدا عندما «تروح السكرة وتجيء الفكرة».. ولابد من التذكير بتلك المقولات التي ترى في هذا الاعتماد المبالغ فيه على الخارج قنبلة موقوتة، لن نكون قادرين على تجنب انفجارها، خاصة أن الصاعق ليس في أيدينا. وكما سبق وأشرنا فان آليات العولمة لا يمكن أن تستخف بقضية جوهرية كقضية العمالة الأجنبية التي أصبحت موضع مساءلة ونقاش ومتابعة ورصد من قبل الدوائر الدولية النافذة والمنظمات العالمية. من العبث القول إن الوقت قد آن للتفكر في الأمر، الأصح القول إن الوقت يكاد يكون متأخرا، والأجدى هو السعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر الخطوات العملية التي تتطلب قرارات جريئة لابد منها. غداً نواصل