لمن كان له قلب
إبراهيم بوصندل
يعرّف التخطيط على أنه ”التصور المستقبلي المبني على الدراسة والتحليل للوقائع والإحصاءات الثابتة للعمليات المستقبلية ويتم عادة قبل العمل وتنفيذه”. والتخطيط وظيفة إدارية رئيسة تقضي على احتمال مجالات التكهنات والتصورات والمغامرات المتخبطة، وفيه يكمن سر النجاح الإداري. (من كتاب ”الإدارة في التراث الإسلامي” د.محمد البرعي ود.عدنان عابدين).
ومن منطلق القضاء على التكهنات والمغامرات المتخبطة التي قد تصاحب تطبيق المادة (25) من القانون رقم (19) لسنة ,2006 والتي تعطي العامل الأجنبي الحرية شبه المطلقة في الانتقال من دون موافقة كفيله الحالي، نذكر آراء المعنيين بها، وقد بدأنا بإجماع أصحاب الأعمال على أن تطبيق هذه المادة سيلحق بهم أضراراً بالغة قد يصعب علاجها.
ولذلك رفضوا المادة شكلاً وموضوعاً، بل هاجموا مجلس النواب والشورى لتمريرهما هذه المادة في الفصل التشريعي الأول، وطالبوا بإلغائها أو تعديلها من قبل المجلس التشريعي، أو تأجيل تطبيقها من خلال هيئة تنظيم سوق العمل ووزارة العمل، ونزيد عليه اليوم قول بعض التجار إن حرية انتقال الأجنبي قد تتسبب في انتقال العامل من بعض القطاعات التي لا يرغب فيها البحريني كقطاع البناء والتشييد إلى قطاعات أخرى فتنشأ بذلك مشكلة جديدة، وتزيد المنافسة للبحريني حتى في القطاعات التي يرغب فيها، وتمرد العامل الأجنبي الذي أصبحت عصمة العمل في يده.
ونتطرق اليوم إلى موقف بعض القانونيين والاقتصاديين من هذه المادة والحلول المطروحة لضبطها، إذ يرى المحامون أن المادة يكتنفها الغموض، وإنه لا يمكن تقييدها من خلال عقد محدد المدة كما اقترح بعض التجار، وإن مقولة ”العقد شريعة المتعاقدين”، لا تنطبق في هذه الحالة لوجود تشريع ينص على خلاف ذلك، وإن المادة المذكورة ستكون نافذة حتى لو تم التوافق بين العامل وصاحب العمل في العقد على ذلك.
ويرى القانونيون أن هذه المادة تتعارض مع نصوص قوانين أخرى، كقانون العمل في مادته (106) والقانون المدني في مادته (629) وهو ما لم تراعه المادة (25).
المادة (629) مثلاً تبيح لصاحب العمل في الحالة التي يكون فيها العمل الموكل للعامل يسمح له بمعرفة عملاء صاحب العمل أو الاطلاع على أسرار أعماله، أن يضع شرطاً في عقد العمل يمنع العامل من منافسة صاحب العمل أو الاشتراك والعمل في أي مشروع ينافسه، بيد أن هذه القاعدة تنطبق على عدد محدود فقط.
كما يحذر بعض الاقتصاديين من أن فتح باب الانتقال للعامل الأجنبي على مصراعيه وبلا ضوابط أو إجراءات مصاحبة قد تكون له آثار اقتصادية سلبية على الاقتصاد البحريني، وعلى أداء العمالة الأجنبية، التي قد لا تقتصر على التدوير للخارج، وإنما للتدوير الداخلي، وكذلك الأمر بالنسبة للعمالة السائبة الموجودة حالياً في سوق العمل البحرينية، وتقدر بعشرات الآلاف، إذ ستوفق أوضاعها داخلياً بدلاً من عودتها لأوطانها.
وبذلك فإن المادة (25) قد تؤدي على المدى المتوسط والبعيد إلى زيادة حجم العمالة الأجنبية، وذلك إذا لم تصحب هذه المادة إجراءات إضافية، وتحديد نسبة أو حد أعلى للعمالة الأجنبية في سوق العمل ككل وليس في كل منشأة على حدة، كما إن توقيت هذا القرار قد يؤدي إلى أن تكون المنافسة ليست لصالح العمالة المواطنة في ما يتعلق بالتوظيف والأجور.
وعليه يمكن القول إن هناك مخاطر حقيقية قد تنتج عن تحرير سوق العمل الأجنبية في البحرين ستتحملها بالأساس العمالة البحرينية وكذلك الاقتصاد الوطني، وإن هناك إمكانية أن لا يحقق قرار انتقال العمالة الأجنبية أهدافه الإيجابية المرجوة منه.
أما مجلس النواب فإن غالبية الكتل والنواب فيه ترى ضرورة تعديل هذه المادة أو إلغائها، ولذلك تمت الموافقة على التعديل بغالبية بسيطة في لجنة الخدمات، وسبب عدم الإجماع هو أن بعض نواب الوفاق يرون أن هذه الحرية ستخدم المواطنين، ولذلك صوتوا ضد التعديل، لكن الدكتور جاسم حسين صرح بأن انتقال العامل، ولو بعد سنة، سيشكل عبئاً كبيراً على القطاع التجاري، وإن مخاوف التجار في محلها. واقترح أن تكون المدة ثلاث سنوات على أقل تقدير، كما هو معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية، مطالباً بالنظر في هذا المقترح بشقيه السياسي والاقتصادي، وقد أصاب في ذلك.
مما سبق نرى أنه تتحتم إعادة دراسة هذه المادة دراسة متأنية وبكل حكمة حتى لا ينطبق علينا المثل القائل ”أراد أن يكحلها فعماها”.