العمالة الأجنبية البديلة

في الصميم 

لطفي نصر

ما يتوجه إليه الدكتور مجيد بن محسن العلوي وزير العمل من حيث البحث عن عمالة بديلة للعمالة الهندية هو عين العقل.. بل هو التوجه الصحيح والواجب لأسباب عديدة، منها على سبيل المثال وليس الحصر ما يلي:

أولا: صحيح أن العمالة الهندية قامت بدور كبير جدا.. أو بالدور الأكبر بالمساهمة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية على أرض البحرين منذ بداية عصر النهضة والبناء في جميع المجالات.. وتحقيق مشاريع التنمية بمختلف فروعها.. ولكن هذه العمالة تفاقمت وتجذرت في عمق البحرين إلى الدرجة المؤثرة سلبا على هوية وتركيبة الشعب البحريني وعروبته وعاداته وتقاليده وقيمه.. ناهيك عن الحقوق التي تترسب وتتكوم لهذه العمالة بمقتضى المواثيق الدولية وقوانين المنظمات العمالية التي يخشى من فرضها فرضا على الدولة في لحظة من اللحظات، ومقاسمة المواطنين وطنهم! ثانيا: مزاحمة الأيدي العاملة الوطنية إلى الدرجة التي جعلت للعمالة الهندية الأولوية والأفضلية على العمالة الوطنية.. وإذا كان هذا مستساغا في العقود السالفة فلم يعد هذا مستساغا الآن، بعد أن كثرت أعداد المتعلمين والخريجين البحرينيين وتتضاعف أعدادهم سنة بعد الأخرى.

ثالثا: تقف العمالة الهندية الرخيصة حجر عثرة في طريق الإقدام بمعدلات مقبولة على تحسين أوضاع أبناء البحرين وتسوية أوضاعهم.. وخاصة عندما تقف المنظمات الدولية بالمرصاد طالبة في إصرار تحقيق مبدأ المساواة.. وقد أعلنت هذه المنظمات مرارا أنه لا يمكن وضع حد أدنى لأجور البحرينيين، ثم وضع حد أدنى آخر للعمال الأجانب.. ولذلك كان القرار في البحرين وفي معظم الدول الخليجية الأخرى هو الركون إلى خيار ترك الساحة من دون حد أدنى للأجور، وأن البحرين قد أعلنت ذلك صراحة بدعوى ترك هذا الأمر بالكامل تحدده مسألة العرض والطلب، وهذا المنطق لا يجوز في زمن يسوده خراب الذمم والجشع والاستغلال!

رابعا: قاعدة العمالة الهندية تتوسع تلقائيا من دون تدخل القرار البحريني بفعل حجمها وأغلبيتها، ولذا فإن هذه العمالة تكبر ذاتيا بمعنى أن الأجيال التي تولد وتتعلم وتعيش في البحرين تجد لنفسها الفرصة سانحة للتوظيف بمساعدة عائليهم وأهلهم وذويهم العاملين في البحرين.. كما أن الذين يتولون زمام القيادة في المؤسسات والشركات ومواقع العمل بشكل عام، ومن يملكون القرارات والقائمين على إدارات شئون العاملين من أبناء الجالية الهندية لا يجلبون سوى عاملين هنود ولا يوظفون غيرهم.

خامسا: وهو المهم.. أجراس الخطر هذه التي تم قرعها بشدة في الآونة الأخيرة من حيث الاضرابات التي نفذتها العمالة الهندية العاملة في المشاريع الكبيرة والمهمة مثل مشروع درة البحرين وغيره من المشاريع الحيوية، الأمر الذي تسبب في شل قدرة القائمين على هذه المشاريع على الوفاء بتعهداتهم مع الحاجزين والمستفيدين بها في المواعيد المحددة في العقود السابق توقيعها.. الأمر الذي يمكن أن يعود سلبا على سمعة المشروع، حيث يمكن للحاجزين رفع دعاوى تعويض لو أرادوا.. ومادامت قد نجحت اضراباتهم واستجيب لمطالب العمال المضربين حتى يستمر تنفيذ هذه المشاريع فإن احتمالات العودة إلى مثل هذه الاضرابات ستظل قائمة!

سادسا، وهو الأهم: ان العمالة الهندية.. وأقصد العمالة الفنية والماهرة منها على وجه الخصوص أصبح خروجها من الهند مسألة في غاية الصعوبة.. وإن خرجت فإنها تطلب أجورا ورواتب عالية جدا ومبالغا فيها.. وليس هذا فقط بل – وكما قال لي صاحب عمل كبير منذ أيام – كنت في الماضي ترى في الهند عشرات الآلاف من المكاتب التي تقوم بعملية تصدير العمالة الهندية الماهرة إلى الخارج وتيسر عليها عملية السفر بل وتتابعها في الدول المستوردة لها لتضمن وبقوة استمرارية العمل وجلب العملة الصعبة للهند.

ثم قال صاحب العمل الكبير نفسه: الآن اختلفت الآية وأصبحت على النقيض.. لقد حولت هذه المكاتب طبيعة عملها بالنسبة إلى العمالة الماهرة أو الفنية الهندية.. أصبحت تشكل فرق عمل تطوف الدول المستوردة لهذا النوع من العمالة وتلتقي المهندسين والفنيين الهنود وتغريهم بالعودة إلى أرض الهند للعمل في المشاريع الهائلة التي تسود الهند الآن.. وتعرض عليهم إغراءات كبيرة ورواتب أعلى ومزايا عديدة تفوق بكثير ما يحصلون عليه في دول الخليج.

وقال: لقد كانت هذه المكاتب الجديدة وهذه الفرق التي تجوب الخليج هذه الأيام عاملا محفزا للاضرابات التي حصلت في درة البحرين مؤخرا.

وأضاف صاحب العمل الكبير: أتساءل لماذا لا تتوجه الدولة بقوة من خلال وزارتي العمل والتربية ومعاهد التدريب نحو التركيز على تخريج المهندسين المعماريين والعمالة الفنية والماهرة بكثرة من بين أبناء البحرين لمواجهة هذا الاستنزاف الموجه الآن لسحب هذا النوع من العمالة الهندية الماهرة.

وقال: هذا الذي يحصل الآن من حيث مضاعفة رواتب العمالة الماهرة والمهندسين يعد أحد أسباب تفاقم تكلفة المباني والإنشاءات في البحرين وزيادة أسعار التمليك والايجارات في البحرين أيضا وبشكل مبالغ فيه.

وتساءل: لماذا أنتم يا رجال الصحافة لا تتصدون لهذا الذي يجري الآن على أرض البحرين والحث بقوة على تخريج الكوادر المطلوبة أكثر من غيرها.

الحقيقة أن العمالة العادية لا تشكل أي مشكلة من أي نوع.. سواء أكانت هذه العمالة أجنبية أم بحرينية.. وتبقى المشكلة في العمالة الماهرة والفنية.. إذاً لماذا لا يتوجه وزير العمل نحو التركيز في حل هذه المشكلة؟ بقي أن أقول إنه رغم أن وزير العمل – كما أعلن – قد بدأ سعيه من أجل توفير العمالة الأجنبية البديلة للعمالة الهندية.. فإن خشية البعض من حدوث مشاكل بسبب هذا التوجه – كما قالوا – لا وجود لها بالمرة وذلك لأن البحرين دولة متحضرة، وانها لا ترضى ولا تستطيع الاستغناء عن هذه العمالة دفعة واحدة.. ولا تفكر في أن تلجأ إلى ما لجأت إليه بعض الدول من حيث شحن هذه العمالة الأجنبية في بواخر عملاقة وإعادتها إلى أوطانها.. فليست البحرين التي تفعل ذلك.. إنها تؤثر المعقولية والأصول والتدرج في كل شيء وهذا هو ما يعرفه العالم عنها.. وهذه هي إحدى مزاياها.