أعتقد أن كثيرين قبل أن يصلوا لمساحة العمود اليوم، قرأوا في ”مانشيت” الصحيفة وثلاث من صفحاتها المقابلة الموسعة التي تمت مع وزير العمل رئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل الدكتور مجيد العلوي، والتي بشأنها نود بيان بعض الأمور.
بداية نثمن تفاعل الوزير العلوي سريعاً مع الجملة الأخيرة التي أوردناها في آخر عمود تطرقنا فيه إلى الهيئة، حين قلنا متسائلين: ”وسط هذا كله أتساءل مستغربا: ”أين رئيس مجلس إدارة الهيئة الدكتور مجيد العلوي؟ من كل ما يحصل؟! وهل هو موافق على ما؟ يحصل؟!”
اتصال هاتفي جاءني في نفس اليوم من الدكتور مجيد، طلب إيضاح بعض الأمور، واقترح أن أوافيه في مكتبه في اليوم التالي، وافقت شريطة أن يكون لقاء بيني وبينه ”مان تو مان” على غرار المصطلحات الرياضية، باعتباره رئيساً لمجلس إدارة الهيئة، واتفقنا أيضاً أن ينشر على هيئة مقابلة، يرد فيها على الملاحظات التي أوردناها بشأن هيئة سوق العمل، إضافة لما يريد أن يوضحه.
العديد من الملاحظات لدي لأكتبها نتيجة الانطباعات التي خرجت بها من المقابلة، وبسبب بعض إجابات الدكتور التي تفضل بها. وهنا فقط أود أن أوضح الصورة أكثر لمن قد يظن بأننا تراجعنا عن موقفنا بالقول والجزم أن المشروع ”انحرف” عن مساره كما أوضح ذلك سمو ولي العهد، أو أن بعض التبريرات والوعود بالتحقيق ستجعلنا نغض الطرف عن هذا الملف.
المثير حين يصلني بعد يوم من إجراء المقابلة، أن اجتماعاً يتم في الهيئة هدفه بيان أن انتقاداتنا للهيئة ستقف! ولا أدري على ماذا بني هذا الانطباع، ولن أسأل رئيس مجلس إدارة الهيئة عن ذلك أيضاً، إذ هو في جزئية في المقابلة حاد عن الحقيقة، حين أوضحت له بأن مسؤولاً رفيع المستوى في الهيئة (من الذين يعتبرهم كفاءات) أتحف أروقة الهيئة بقاموس مثير من الشتائم والسباب الذي يعكس ثقافته بسبب الانتقادات التي أوردناها بشأن الهيئة التي اختزلها هذا الشخص في نفسه، فما كان من الدكتور إلا أن أجاب بأنه على العكس هذا الشخص لم يقل عنك إلا كل خير، في ”إبرة تخدير” واضحة، ألحقها بتأكيده على احترام الصحافة وحقها في النقد.
عموماً، الدكتور العلوي أوجه له تحية على الجلسة الصريحة التي كان فيها متعاطياً إيجابياً على أسئلتنا، حتى تلك اللحظة التي طلب فيها إغلاق جهاز التسجيل وتحدثنا خلالها بوجوه وأوراق مكشوفة، ما يجعلني أعترف له بقدراته كمسؤول متمكن، لكن دون أن أغفل حقيقة هنا، بأن المشروع ”انحرف” وهو سيلام، وجميل أنه أعلن تحمله المسؤولية. وأذكر الدكتور بمقولة دائماً ما أعجبتني صدرت عن فيلسوف بريطاني، حين قال: ”الذكاء، حين تجعل الأذكياء يعملون عندك”. بالتالي من لا يمتلك هذه الصفة، سيقود مسؤوله الأول إلى الغرق في مشاريعه، وسيفتح عليه أبواباً واسعة من النقد.
أما إن كان الانطباع بأنه بعد المقابلة فإن التركيز على الهيئة وما يحصل فيها سيقل أو يتم نسيانه، فإن هذا انطباع خاطئ. إذ ليست مقابلة أو ردود وتوضيحات وغيرها من ردات الفعل هي ما ستجعلنا نغلق ملف هيئة تنظيم سوق العمل. فقط مسألة واحدة فقط ستجعلنا نسلم بالأمر، وهي حين يقول صاحب المشروع سمو ولي العهد الأمين حفظه الله بأن ”المشروع عاد إلى مساره الصحيح”، وذلك بعد أن انحرف.
ولا أدري إن كان تفسير رئيس مجلس إدارة الهيئة لمعنى ”انحراف” المشروع، أو ما عناه سمو ولي العهد بقوله في هذا الشأن، تفسيراً موفقاً صائباً، أم أنه اجتهاد؟! إذ التبرير الذي ساقه أن الانحراف بسبب آلية التشاور في مجلس الإدارة، وعدم تفعيل آلية دفع الرسوم بسبب الضغوطات و”اللوبي” الموجود من رجال الأعمال ومن ممثلي الغرفة في مجلس الإدارة، كلها أسباب تفرض الاستغراب. إذ كيف يعقل أن يكون مجلس الإدارة هو سبب الفشل، في وقت يدافع فيه الدكتور العلوي عن الجهاز التنفيذي للسوق بشكل واضح ومستميت، بل لا يحمله أدنى مسؤولية مما يحصل، ويبرر سبب ”الانحراف” بالأسباب أعلاه وليست آليات العمل المعنية بها الجهاز التنفيذي؟! حتى المصاريف الشرائية ومشكلة ”الهيكل” بـ”هرمه المقلوب”، والمبنى الذي ”تورط” به كلها أرجعها لمجلس التنمية الاقتصادية كجهة مسؤولة عما حصل. لوهلة ظننت الدكتور العلوي والذي عرفته في السابق معارضاً يريد قول الحق ولا شيء آخر، وكأنه يسعى للتحول إلى قربان لأخطاء غيره، سواء في مجلس الإدارة أو الجهاز التنفيذي للهيئة، دون أن ينتبه إلى أنه يؤكد ما نقول بأن سبب ”الانحراف” هو فشل تسيير العمل بصورته الإدارية، بغض النظر إن كان من مجلس الإدارة الذي يضع السياسات، أو الجهاز التنفيذي الذي ينفذ هذه السياسات.
ثم هناك نقطة جداً مثيرة في حديث رئيس مجلس الإدارة، إذ في الوقت الذي ”تستنفر” فيه البحرين بكافة قطاعاتها بهدف تفعيل ”رؤية مملكة البحرين الاقتصادية ٠٣٠٢” والتي أكد عليها بقوة جلالة الملك، نجد هنا تبريراً ولو ضمنياً لإلغاء أحد العناصر المهمة لمعادلة ”الكفاءة” وهو عنصر المؤهل العلمي.
الرؤية الاقتصادية وتوجهات مجلس الوزراء الأخيرة التي تنص على ضرورة عرض أسماء المرشحين من قبل كبار المسؤولين لشغل مناصب في الدولة على المجلس قبل صدور أمر التعيين الرسمي، يبدو بأنها أمور لم تصل لهيئة سوق العمل أصلاً، وربما لأنها تعتبر نفسها هيئة ”شبه حكومية” لا تطالها يد ديوان الخدمة المدنية. الرؤية تنص على وضع الكفاءات في أماكنها الصحيحة، وتضع وزناً كبيراً للمؤهلات والمعايير، بحيث تضمن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، لكن في هيئة العمل، وهو الأمر الذي حاول الدكتور العلوي الالتفاف عليه، المؤهلات والتخصص لا يأتي في مقام أول، بل تأتي الخبرة، بمعنى أنه يمكننا أن نرى يوماً ما طبيباً جراحاً كنائب للرئيس التنفيذي، فقط لأنه منظم إدارياً، أو له خبرته الطويلة في الحياة لأنه وصل لحدود الخمسين. ليعذرني الدكتور العلوي على ما أقول هنا، إذ لم أتوقع منه وهو الدكتور المثقف الواعي أن يقول بأن المهم وجود شهادة البكالوريوس فقط تضاف إليها الخبرة. لديك مسؤولون في جهاز حساس لا تتوافق مؤهلاتهم مع متطلبات شغل هذا المنصب، ومع ذلك لا ترى أي خلل أمامك، ولا ترى أي فساد إداري؟! والمفارقة حين لا يريد بعضهم أن تستذكر الصحافة تصريح ولي العهد بأن المشروع ”انحرف”.
عموماً، بانتظار التحقيق الذي وعدنا به العلوي في مقابلته وتسجيلها الموجود لدينا، لنقف على جهوده في محاربة الفساد الإداري والطائفية البغيضة، متمنين التوفيق له في إيقاف ”انحراف” الهيئة، وأن يوافي الرأي العام بنتائج جهود الإصلاح والتحقيق في الأخطاء.
غداً سأنشر رسالة بريدية وصلتني من شخص ملم بأوضاع الهيئة من الداخل، علق فيها على خبر الصفحة الأولى بالأمس المعنون بـ(مجيد العلوي في حوار موسع تنشره «الوطن» غداً: ”هرم مقلوب” بهيئة تنظيم سوق العمل.. هذا ما عناه ولي العهد بـ ”انحراف المشروع”). يستعرض فيه ملاحظات مهمة، أراها مفيدة لمن يحاول مخلصاً إصلاح هيئة سوق العمل، حتى ينصلح حالها وتقوم بإصلاح السوق فيما بعد.
نكررها للمرة الألف، لن نسمح لمشروع يقف وراءه سمو ولي العهد شيخ شباب هذا البلد بالفشل، بسبب أساليب إدارة خاطئة سببت إحباطاً في نفوس عديد من الموظفين الذين أغلبهم ملتزم للصمت والقهر يحرقه من الداخل، وستقود المشروع لأن يصل لمرحلة أكبر من ”الانحراف.