اتجاهات
فيصل الشيخ
بالأمس استلمت بياناً من مكتب النائب السلفي المستقل الشيخ جاسم السعيدي يشيد فيه بما وصفه بـ”القرار الحكيم” الذي اتخذته وزارة العمل (هيئة تنظيم سوق العمل) بتثبيت 54 موظفاً وموظفة من المواطنين، مشيراً إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد تحركات قام بها شخصياً، وبدورنا نشكره عليها، ونشكر أي نائب آخر يقوم بفعل مماثل يخدم المواطنين في هذا البلد. بيد أنني أريد في هذه السطور، وبالاستناد على اهتمام الشيخ السعيدي بهيئة تنظيم سوق العمل أن ألفت انتباهه إلى ضرورة توجيه البوصلة جيداً على هذه الهيئة، والتي قرنها في بيانه مع وزارة العمل، وهو إقران ليس خاطئاً تماماً أو بعيد عن الواقع، إذ كلنا نعلم بأن وزارة العمل هي من تدير الهيئة، باعتبار كون وزير العمل هو رئيس مجلس إدارة الهيئة، وأن عديداً من موظفي الهيئة هم أساساً من الوزارة، وبحسب قول الوزير مجيد العلوي فإن التعيينات في مناصب مدراء وما فوق في الهيئة تتم بعلمه. أعلم تماماً بأن الشيخ السعيدي استقبل في مجلسه قبل أسابيع الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل، ومعه أحد نوابه، وكان بودنا إضافة إلى إطلاع الشيخ السعيدي على بعض الملفات ”الإيجابية” من قبل المسؤولين في الهيئة، أن يطلعوا النائب أيضاً على بعض الملاحظات والانتقادات التي توجه للهيئة باعتبارها مسؤولية منوطة بمسؤولي أي قطاع أن يتحركوا لوقف صور الخطأ أو الفساد وما شابه ذلك، لكن طبعاً ذلك لا يحصل أبداً، إذ من يمكنه أن ”يفقأ عينه بإصبعه”. سطورنا التالية للشيخ النائب السعيدي، نتمنى من خلالها أن يتحرك السعيدي بقوة في ملف هيئة تنظيم سوق العمل، أن يطلع على الانتقادات الموجهة لها، ولا أتحدث هنا عن مسألة الرسوم وآليات العمل، بقدر ما أتحدث عن حالات الفساد الإداري والمحسوبية وغيرها من الأخطاء، والتي أوصلناها إلى الجهات العليا المعنية بالهيئة، وكذلك أوصلناها إلى رئيس مجلس إدارة الهيئة الوزير الحالي المعارض السابق، والذي وعد بفتح تحقيق فيها إلا أنه إلى الآن نحن ”نؤذن في خرابة”، إذ لا تحقيق تم ولا نتائج نشرت، ولا محاربة للطائفية والفساد تمت. السعيدي أحد النواب الذين يعرفون بطرقهم للعديد من الأمور، وبحسب علمي فإنه رجل يرفض الخطأ، باعتباره رجل دين أولاً ومن ثم نائب يمثل الشعب، بالتالي حين يغمض هو غيره من النواب أعينهم عن الأخطاء فإن من مسؤولية السلطة الرابعة والناس أيضاً أن ينبهوا النواب إلى ذلك، بل يطالبوهم بالتحرك ويحاسبونهم على التقصير. إشادة السعيدي بخطوة سوق العمل تصب في اتجاه صحيح، لكن في المقابل هل سيكون ما تحقق، والذي جاء بناء على مساع من السعيدي نفسه، عائقاً أمام النائب نفسه لنقد الهيئة أو التصدي للأخطاء الفاضحة فيها، أو يمنعه حتى من مساءلة الوزير المعني بها؟! أعتقد أن السعيدي نفسه يرفض فكرة أن يتم ”تقييده” بأسلوب ”حققنا مطالبك، فاتركنا في حالنا”. يا نائبنا الكريم، هناك فساد واضح وفاضح في الهيئة، هناك محسوبيات، وهناك تكريس للطائفية، وهناك هجرة للكفاءات آخرها نائب الرئيس التنفيذي يوسف الحادي والذي قدم تقريراً صادقاً وشفافاً عن المصائب في الهيئة، والذي أتحدى أن يقوم رئيس مجلس إدارة الهيئة أو الرئيس التنفيذي بنشر تقرير الحادي (مثلما وصلهم دون زيادة أو نقصان) على الملأ. في إطار محاربتنا للفساد والأخطاء، فإن جميع الملاحظات والتقارير التي تبين أخطاء الهيئة موجودة، وبالإمكان تزويد النائب السعيدي بها، وأي نائب آخر يرفع شعار محاربة الفساد والطائفية المقيتة، وسنوصلها لهم بكل أمانة، وذلك لسبب بسيط جداً، أن رئيس مجلس إدارة الهيئة خيب آمال الجميع، سواء صحافة تسعى لبيان الأخطاء حتى تنصلح، أو موظفي الهيئة الرافضين للأخطاء والساكتين على مضض، حين آثر أن يطلق وعوداً بمحاربة الفساد، ولم يقم بشيء سوى رفض التصريح للصحافة التي انتقدته في رفض صارخ للتمثل بتوجيهات سمو رئيس الوزراء الذي أكد ضرورة تعاطي الوزراء إيجابياً مع كل الانتقادات التي توجهها الصحافة، في إطار مساعيه لتحقيق المصلحة العامة. رئيس مجلس الإدارة تناسى دوره الرقابي وآثر الصمت على الأخطاء الموجودة والتي تضعه هو أولاً في خانة الاتهام باعتباره ”ساكت عن الخطأ”، وكلنا نعرف الوصف الذي أطلقه رسولنا الكريم على من يسكت عن الخطأ.
هيئة تنظيم سوق العمل أصبحت مكاناً خصباً للأخطاء، وباتت متنفساً جميلاً لبعض المتنفذين لتوظيف المقربين منهم بآلية ”إن حبتك عيني”، وباتت مكاناً يولد الإحباط لدى المخلصين فيها، بل ومازالت تمضي في قيادة مشروع آمن به سمو ولي العهد إلى ”الانحراف”، فهل يرضى النائب السعيدي بكل هذا؟! قبل فترة نشرت أحد حالات الفساد الواضحة المرتبطة بأحد المسؤولين الكبار في الهيئة، معنية بقريب له، فهل تابع رئيس مجلس الإدارة هذه الحالة وحقق فيها؟! أم أنه غض الطرف عنها لأن المعني بها شخص وصفه رئيس مجلس الإدارة بأوصاف ”خارقة للعادة”؟! هل يريد الرئيس أن ننشر الأدلة والوثائق لتحصل فضيحة مدوية سيكون هو المتهم الأول فيها لأنه يرى الفساد ولا يتحرك؟! شخصياً لست أنتظر شيئاً من شخص يطلق وعوداً لا يمكنه أن يلتزم بها، لا أنتظر شيئاً من شخص يفرض عليه القانون لعب دور رقابي للحفاظ على المال العام ومحاربة أي شكل من أنواع الفساد ولا يقوم بذلك. لكنني سأنتظر من النائب السعيدي تحركاً جاداً في هذه المسألة، إن كان بالفعل نائباً يريد المصلحة العامة ومحاربة الفساد بشتى أنواعه. إن لم يتحرك نوابنا في اتجاه محاربة الفساد، في ظل ”تلكؤ” المسؤولين عن تنظيف قطاعاتهم، فمن يتحرك إذن؟! الصحافة هل التي ستغير؟! وكيف ستغير إن كان البعض لا يشكل فارقاً لديه إن أعطى الصحافة وعودا كاذبة، وسعى من خلالها لإيهام الناس بأن قطاعه قطعة من الجنة لا تحتوي على ذرة خطأ. بانتظار السعيدي وغيره من النواب لتحريك هذه الأمور، ولإنقاذ الهيئة مما ينخر فيها جراء التخبط وسوء الإدارة، وخاصة أن الأمل في أي إصلاح من جانب رئيس مجلس الإدارة يعد ضرباً من الجنون، فالرجل متحدث جيد، لكن للأسف ينطبق عليه المثل ”أسمع كلامك يعجبني، أشوف أفعالك أستغرب”.