فوزية رشيد
أحد الأخطاء المهمّة التي أصابت التوجهات الخليجية بعد المرحلة النفطية، هو الاعتماد على العمالة الأجنبية، وبكل مستوياتها، لتسهم في مشاريع النهضة الخليجية ونموّها.وعلى الرغم من أن السوق العربية كانت ولاتزال قادرة على سدّ الاحتياجات الخليجية في العمالة، سواء الرخيصة أو العمالة الماهرة والفنية، فإن التوجه نحو العمالة الآسيوية والغربية، كان هو الغالب والسائد، لربما خوفا من التجانس الطبيعي بين الشعوب العربية، وبالتالي الخوف من إسهام ذلك التجانس، في القضايا الداخلية، وخاصة بالنسبة إلى بعض الدول الخليجية، التي كانت تحظى بحركة شعبية فاعلة منذ بدايات القرن الماضي.
واليوم مع الانفتاح السياسي والإعلامي، ومع التوجّه الإصلاحي، ضاقت هوّة التمردات العشوائية، وحيث لا أهمية كبيرة لبعض أوجه المعارضة التي تمارس الشغب السياسي والفوضوي في ميزان التوجه الشعبي العام، نحو الانفتاح على الإصلاح، بمداخله الدستورية والقانونية والبرلمانية التشريعية، مما يجعل من ذلك الخوف الكامن في اللاوعي لبعض الدول الخليجية، لا مكان له اليوم، وخاصة مع تزايد الأضرار الاجتماعية والثقافية الناجمة عن كثافة الوجود الأجنبي في دول الخليج كافة، وتأثير تلك العمالة في الديموغرافية الخليجية، وحيث النسب العددية في بعض الدول تصل الى مستويات هائلة، حذّر الكثير من الخبراء من انعكاساتها وتداعياتها على دول الخليج وفي كل المجالات.
إن المذكرات أو الاتفاقيات البحرينية مع كل من مصر وتونس، لاستقدام العمالة الماهرة والفنية، من المفترض ان تتوسع من حيث التوجه والرؤية، لينفتح الاستقدام على كل المجالات التي بالإمكان سدّها بالعمالة العربية، ومن مختلف الدول العربية، وتقليص حجم العمالة الأجنبية بالتدريج، حتى وصولها الى التلاشي أو الحدود الدنيا، في تشكيل الأرقام العددية بالنسبة إلى عدد السكان في الخليج، لأن تنوّع الوجود العربي في أي دولة عربية، يخلو حتما من كثير من المخاطر التي يتسبب فيها الوجود الآسيوي أو الأجنبي، مع مرور الوقت، وهي المخاطر التي بات يعرفها كل المسئولين الخليجيين أو تعرفها الشعوب الخليجية نفسها، سواء في الجوانب الاجتماعية أو الثقافية أو النفسية أو حتى الاقتصادية والسياسية، في ظل تكتل العمال وشعورهم بتشكيلهم قوة داخلية نتيجة حجم الوجود، الى جانب ما أصبحت النظم العولمية الجديدة توفره لهم من غطاء حقوقي لم يعد يجعل منهم عمالة رخيصة كما السابق.
ولعل التوجه الخليجي نحو البلاد العربية، بات في هذه المرحلة من المقتضيات الضرورية في استقدام العمالة، وخاصة بالنسبة إلى البلدان الخليجية ذات الأعداد السكانية الطفيفة، قياسا إلى المستقدمين الأجانب.
وحيث تزول في حضور العمالة العربية في بلداننا مخاطر الخوف على اللغة أو الثقافة أو النسيج الاجتماعي أو الهوية، فكل تلك الحدود الفاصلة شبه ملغاة بالنسبة إلى العرب وبعضهم، ان لم تكن ملغاة تماماً، الى جانب الإسهام العربي/ العربي في حلّ البطالة الداخلية والعربية، وضخ الأموال العربية الى البلدان العربية نفسها، بدل ضخ مئات المليارات سنويا الى خارج النطاق العربي، في الوقت الذي تعاني فيه كل الدول العربية أو أغلبها مظاهر الفقر.
وفي ظل الانفتاح على التقنيات وعلى التكنولوجيا، أصبحت العمالة العربية تتمتع بالقدرة على اكتساب المهارة والفنية العاليتين، التي بإمكانها أن تسّد الفراغ في المجالات العربية التي تحتاج إليها.
إن لغة العصر الجديد، بانفتاحه الهائل، وبأزمات نظامه العولمي الوحشي، يجعل الحاجة العربية / العربية إلى بعضها حاجة ملموسة وهائلة، سواء على مستوى التكتل العربي الفوقي، من حيث السياسات العربية، والقطاعات الاقتصادية والتجارية والمالية والاستثمارية، أو على مستوى التكتل العربي الشعبي، الذي يمثلّ البنية الداخلية والأرضية الحقيقية للتلاحم العربي، وحتماً لن يتم سد هذا الأفق الواسع بمجرد استقدام أو تبادل العمالة العربية / العربية، وإلا نكون من الواهمين، ولكن على الرغم من ذلك، فإن أي صيغة لأي تلاحم أو تعاون عربي/ عربي، يبقى قادراً على إعطاء مفاعيله على مستويات أخرى كبداية.
ومن هنا يجب تشجيع التوجّه لتوطيد علاقات التعاون الفني وتبادل الخبرات والتجارب في مجالات العمل المختلفة حسب احتياجات السوق الفعلية، كما أوضح وزير العمل (الدكتور مجيد العلوي).
وفي مجال القوى العاملة وتنمية الموارد البشرية من المفترض الاستفادة من التبادلية العربية، ليس في البحرين وحدها وإنما في كل دول الخليج، بل على النطاق العربي بشكل عام، حتى تشكل أحد الأسس العملية لبناء (وعي تكاملي عربي) كان من المفترض ان يتجه منذ زمن طويل إلى إيجاد وجود عربي قوي في كل المجالات، في ظل العولمة التي يؤكد الجميع أنها لا تعترف إلا بالتكتلات الكبيرة.