هناء الصفار
لطالما كانت البحرين جاذبة للعمالة وكانت ولا تزال واحة أمن وأمان للوافدين، فطبيعة البحرين بوصفها مجتمعًا متنوعًا ومنفتحًا ومتحضرًا لم يكن يومًا منفرًا وطاردًا للوافدين، وهذا يعود إلى طبيعة البحرين الجغرافية جزيرة وموروثها التاريخي الذي صهر ويناغم بين مكونات المجتمع.
واليوم ونحن نحتفل والأسرة الدولية باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص 30 يوليو من كل عام، استرجع في ذاكرتي عشرات القصص الإنسانية لوافدين من العمالة المنزلية عاشوا معنا خلال العقود الأربعة الماضية، منذ بدأت الأسر البحرينية مرحلة الانتقال المجتمعي من أنماط العائلة التقليدية الممتدة إلى نمط الأسرة النووية الصغيرة، ومنذ بدأت المرأة البحرينية تقتحم مجالات العمل الأمر الذي انتج الحاجة لدى المجتمع إلى وجود العمالة المنزلية، إذ مَن سيعتني بالأطفال في منزل الأسرة الصغيرة لدى ذهاب الأم والأب الى عملهما؟
أربعة عقود من المتغيرات التي رسخت الحاجة لدى الأسر البحرينية إلى وجود العمالة المنزلية، بإيجابياتها وسلبياتها على المجتمع، حتى بات المجتمع البحريني اليوم يضم 100 ألف عامل منزلي بالبحرين رسميًا -من نحو 1.45 مليون انسان إجمالي السكان، وتم التوافق على مصطلح العمالة المنزلية بدلا من خدم المنازل في الأدبيات الدولية والوطنية- حسب بيانات الهيئة للربع الأول من العام الجاري، 65 بالمائة نساء و35 بالمائة ذكور، علما أن هذا النوع من العمالة تشمل عمالة منزلية وسائقين وعمال زراعة منزلية.
وإذ تمر أربعة عقود واستعرض واقع العمالة المنزلية بالبحرين، يتردد دوما السؤال: ماذا يدعو خادمة الى التعايش والحياة ربع قرن مع اسرة بحرينية وتشاركهم أعراسهم كعضو اصيل من أفراد الأسرة؟ بل ماذا يدعوها الى البقاء لدى الاسرة ذاتها لثلاثين عاما، لولا الاحسان الذي يتعامل به البحرينيون مع عمالهم المنزليين، والبحرينيون بجميع اطيافهم ومكوناتهم؟
لا اريد تكرار الأسطوانة الكلاسيكية المعتمدة لدى جميع شعوب العالم، بأننا الأفضل والأرحم والأكثر إنسانية وتحضرا، لكن شهادات الواقع وشهادات المنظمات الدولية المستقلة لا تفتأ تؤكد أن للبحرين خصوصيتها بين الأمم بما تتمتع به من شعب مضياف متسامح ومنفتح، وهذا لا يعني بأي حال أننا مجتمع ملائكي، فلا يخلو الامر من شواذ للقاعدة، لكن القطاع العريض الساحق والشامل من مجتمعنا يكاد يضرب أروع الأمثلة في التعايش والإنسانية والتعامل الحضاري مع العمالة المنزلية، فقد كشف مسح اكاديمي احترافي عن تصنيف البحرين في أعلى مرتبة في العام 2017 مكانا مفضلا للأجانب للعمل والإقامة مع الأسرة وفق دراسة استقصائية شملت 13 ألف مغترب ينتمون إلى 166 جنسية، حسب شبكة «إنترناشيونز»، متفوقة على دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ناهيك عن دول الخليج العربية والدول العربية قاطبة، وحق لنا جميعًا أن نفخر بمجتمعنا وبإنجازاتنا وهي فرصة لنا لنعزز هذه الإيجابيات ونراكمها خاصة مع حلول اليوم العالمي لمكافحة الاتجار، وهذه دعوة للجميع إلى الوقوف لحظة تأملية لننظر الى العمالة المنزلية التي تعيش في بيوتنا ونأمنها على أطفالنا وامهاتنا نظرة جديدة تنسجم مع قيمنا المجتمعية البحرينية وتعزز إيجابيات مجتمعنا الذي لطالما كان مجتمعا يقارب النموذجية.
وفي هذا اليوم العالمي، أدعو كل ربة منزل وكل رب اسرة أن يقدم إلى عاملته المنزلية باقة ورد ومكافأة عينية أو مالية، إذ بالإنسانية تحيا النفوس، والدعوة مفتوحة لكل من له قلب.