بفضل الرؤية المستقبلية وبعيدة المدى لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، سابقت مملكة البحرين الزمن بإطلاق مشروع الإصلاح الاقتصادي الشامل، ووضعت خطواته العملية منذ ما يقارب 15 عامًا من خلال تأسيس لجنة فرعية بمجلس التنمية الاقتصادية لمتابعة وقيادة مشروع إصلاح سوق العمل.
لتكون هذه اللجنة أول لجنة معنية بالإصلاح، إلى جانب اختيار شركة مكنزي من بين عدد من الشركات لصياغة الحلول المناسبة لإصلاح سوق العمل، والتي خلصت إلى أن الإصلاح الجذري المنشود لهيكلة سوق العمل يجب أن يأتي ضمن ثلاث مراحل، هي إصلاح سوق العمل (على المدى القصير)، والإصلاح الاقتصادي (على المدى المتوسط)، وإصلاح التعليم والتدريب (على المدى الطويل).
وقد أثبتت هذه الرؤية صوابيتها وبُعد نظرها لاسيما مع التطورات التي باتت تشهدها اقتصاديات المنطقة نتيجة انخفاض أسعار النفط في السنوات الماضية، حتى شرعت بعض دول المنطقة حديثًا في تطبيق إجراءات لإصلاح أسواقها بصورة مقاربة لمسار بدأت فيه المملكة منذ 15 عامًا، وشرعت بتطبيقه منذ نحو عقد من الزمن بعد انجاز الدراسات والإجراءات القانونية بتأسيس كيانين اثنين يقومان بتطبيق المشروع الإصلاحي ممثلتين في هيئة تنظيم سوق العمل وصندوق العمل «تمكين»، وقد تمكنت المملكة بفضل هذه الإجراءات من الحفاظ على نسبة البطالة عند الحدود الآمنة. كما أنبأت بذلك الدراسة التي أكدت نسبة البطالة، وحذرت من أن عدم تطبيق إجراءات اصلاح سوق العمل سيؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 21% بالعام 2013، إلا أنها ستنخفض إلى 4% في حال تم تطبيق الإصلاحات وهي نسبة مقاربة لما هي عليه البطالة حاليًا بحسب ما تؤكده وزارة العمل.
إذا بعد أن حظي سمو ولي العهد ومجلس التنمية الاقتصادية بتفويض المشاركين في الورشة الأولى لمواصلة الطريق وقيادة ملف إصلاح سوق العمل، ووضع الحلول الممكنة لتحقيق مستقبل أفضل، شرع سموه والمجلس في المرحلة الثانية، وهي إجراء الدراسات اللازمة واقتراح الحلول والتصورات والسياسات لإعادة هيكلة سوق العمل، بما يرفع من مقدرة القوى العاملة البحرينية على الإنتاجية، ويزيد من قدرتها التنافسية في الحصول على الوظائف والمهن، وبما يسهم في معالجة مشكلة البطالة بتوفير فرص العمل للمواطنين. وانطلق عمل المجلس على خطين متوازيين ومتكاملين تمثلا في:
1. الاستعانة بالخبرات:
طرح مجلس التنمية الاقتصادية مناقصة بالتعاون مع مجلس المناقصات، داعيًا الشركات الاستشارية إلى تقديم عروضها لصياغة الحلول المناسبة لإصلاح سوق العمل، وقد وقع الاختيار على شركة «مكنزي» بعد تفوق عطائها من الناحية الفنية والمالية.
2. تأسيس «لجنة القيادة»:
بالتزامن مع اختيار شركة «مكنزي»، أصدر سمو ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية القرار رقم (9) لسنة 2004 بشأن تشكيل لجنة فرعية بمجلس التنمية الاقتصادية لمتابعة وقيادة مشروع إصلاح سوق العمل، لتكون هذه اللجنة أول لجنة معنية بالإصلاح، وضمت ممثلين لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ووزارة الداخلية، ووزارة المالية والاقتصاد الوطني، والجهاز المركزي للمعلومات، بالإضافة إلى ممثلين لديوان سمو ولي العهد، ومجلس التنمية الاقتصادية.
وتشكَّلت اللجنة التي عُرفت باسم «لجنة القيادة» برئاسة الدكتور زكريا أحمد هجرس، وعضوية كل من: عبدالإله القاسمي، أسامة العبسي، الشيخ أحمد بن عيسى آل خليفة، بوب آلي، الدكتور محمد العامر، سيرين يوسف الشيراوي، يوسف عبدالحسين خلف، وعوف سالي.
ونص القرار على أنَّ اللجنة تختص بمتابعة الدراسة التي تقوم بها «مكنزي» بشأن سوق العمل في مملكة البحرين.
ملخص دراسة الإصلاح
أكدت دراسة الاصلاح التي أعدتها الشركة الاستشارية بمتابعة من لجنة القيادة، أنه يتعين على البحرين أن تختار خيارًا جذريًّا لمعالجة مشكلات سوق العمل، وأنْ تسعى إلى كسر الحلقة المفرغة، وعكس اتجاهها وتحويلها إلى «دورة حميدة» تضع البحرين على طريق الازدهار الدائم. وهذا السبيل البديل يستدعي من البحرين التفكير في هدفين رئيسين، من شأنهما أن يغيرا معًا آليات الاقتصاد البحريني ودينامياته:
أولاً: يجب أن يصبح القطاع الخاص محرك النمو الاقتصادي، فبما أن القطاع العام لم يعد قادرًا على استيعاب العمالة الجديدة، يجب أن يكون البحرينيون قادرين على التوجه إلى القطاع الخاص للعثور على الوظائف.
ومن أجل تحقيق ذلك، يجب أن تتاح للقطاع الخاص الفرص والحوافز الضرورية لإيجاد نوعية الوظائف التي يرضى بها البحرينيون.
ثانيًا: يجب أن يصبح البحرينيون الخيار المفضّل لشغل وظائف القطاع الخاص، ففي حين يمكن للقطاع الخاص إيجاد وظائف جديدة، فإن البحرينيين إذا عجزوا عن التنافس عليها بنجاح، لن يتمكنوا من الاستفادة من النمو المتحقق.
ورأت الدراسة أنَّ تبني هذين الهدفين معًا يمكن أن يضع البحرين على طريق الازدهار، وأن يوفر للمواطنين وظائف جيدة، ويمكنهم من تحسين نوعية حياتهم، فهذان الهدفان يذهبان أبعد وأعمق من مجرد إجراء التعديلات الطفيفة على السياسات الحالية، فكسر الحلقة المفرغة يستدعي تغيير بنية السوق، ونموذج النمو الاقتصادي، وهو ما يتطلب إجراء إصلاح شامل ومتكامل.
وقد تضمنت الدراسة النقاط الآتية:
1. دعائم الإصلاح
أكدت الدراسة أنَّ نجاح الإصلاح في إقامة «دورة حميدة» من الازدهار المتزايد، يشترط أن يكون شاملاً ومتكاملاً في آنٍ واحد، فالإصلاح الشامل يعني أن البحرين يجب أن تفكر بمنظور واسع فيما يجب عمله لضمان الازدهار، فلا يوجد حل واحد يحقق المعجزة، ولا عصا سحرية تقلب الأحوال رأسًا على عقب. أما الإصلاح المتكامل فيعني أنَّ كل جهود الإصلاح يجب أنْ يدعم بعضها بعضًا، وتسهم في تحقيق الهدف النهائي المتمثل في توفير وظائف للبحرينيين تتميز بالنوعية العالية، والرواتب الجيدة.
ودعت الدراسة البحرين إلى التفكير في الإصلاح من منظور واسع، عملًا على ضمان تلبية كل الاحتياجات لمختلف القطاعات؛ إذ إنَّ المواطن البحريني من أصحاب المهارات المنخفضة يواجه صعوبات عسيرة؛ لأن عبء البطالة يقع عليه أكثر من غيره، وليس أمامه إلا خيارات قليلة للتوظيف. كما أنَّ الأغلبية العظمى من المنضمين الجدد إلى سوق العمل سيكونون من أصحاب المهارات المتوسطة والعالية، وهم يتوقعون الحصول على وظائف تتناسب مع تعليمهم وخبراتهم.
وانطلاقًا من ذلك، أوصت الدراسة بأنْ يكون الإصلاح الشامل والمتكامل ينطوي على ثلاثة عناصر رئيسة تلبي حاجات البحرينيين من مختلف مستويات المهارات:
• إصلاح سوق العمل، وهي الخطوة الأولى لتحقيق هدفي الإصلاح، لضمان استفادة البحرينيين، وخصوصًا ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة، من النمو الاقتصادي، وعدم مواجهتهم عقبات هيكلية تعترض عثورهم على الوظائف.
• الإصلاح الاقتصادي، بحيث يحفز خلق فرص عمل جديدة في القطاع الخاص، خصوصًا الوظائف ذات الأجر العالي والمتوسط للبحرينيين من أصحاب المهارات العالية.
• إصلاح التعليم والتدريب، بما يرتقي بالمهارات والمعرفة والسلوكيات، من أجل المساعدة على نقل أكبر عدد ممكن من البحرينيين إلى الوظائف ذات الراتب المرتفع، وبما يضمن زيادة إنتاجيتهم، ويجعلهم خيارًا جذابًا أمام أرباب العمل في القطاع الخاص.
2. عوائق البحرنة في القطاع الخاص
رأت الدراسة أنَّ البحرينيين آنذاك ليسوا الخيار المفضّل لشغل وظائف القطاع الخاص، وخصوصًا في مجال الوظائف منخفضة الراتب. وأرجعت ذلك إلى سببين اثنين:
السبب الأول: هيكلية سوق العمل؛ إذ تمثل عقبة دائمة أمام البحرينيين ذوي الأجور المنخفضة الذين يتنافسون على الوظائف، فالعمالة الوافدة غير محدودة العدد من الناحية العملية، بما يبقي الأجور عند مستويات تقل بنسبة 50% عن أجور البحرينيين، بالإضافة إلى سوء استغلال العمال المغتربين؛ إذ يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة، ويعانون من شروط عمل قاسية، وفي غالبية الأحيان لا يستطيعون الحصول على رواتبهم في موعدها، ورغم كل ذلك هم مضطرون إلى القبول بالأجور المنخفضة والمعاملة السيئة بسبب حاجتهم الكبيرة للوظيفة، وخوفًا من إعادتهم إلى ديارهم إذا اعترضوا. ما جعل توظيف العمال المغتربين أرخص بنسبة 56% تقريبًا من توظيف البحرينيين، بعد احتساب كل الكلف المباشرة وغير المباشرة، والكلف المتعلقة بالإنتاجية.
السبب الثاني: الأنظمة التي تنظم سوق العمل؛ إذ تعطي البحرينيين حوافز ضعيفة، ولا تدفعهم إلى التحلي بروح العمل الجاد والأداء دائم التحسن، وهي مزايا هم قادرون عليها من ناحية، كما أنها خلاصة ما يطلبه أرباب العمل من عامليهم، من ناحية أخرى.
وأشارت الدراسة إلى أنَّ الحكومة حاولت خفض نسبة البطالة في صفوف البحرينيين بالاشتراط على أرباب العمل توظيف البحرينيين من خلال أهداف البحرنة، ورأت أنَّ هذا النظام كان ناجحًا في خفض البطالة، ولكن مع زيادة تحديات البطالة، سيتطلب الأمر التدخل بشكل أشد وقعًا بكثير.
ولفتت إلى أنَّ النظم التي ترمي إلى خلق الوظائف بقوة القانون بدلاً من ترك الأمر لخيارات السوق، تؤدي إلى إضعاف حوافز البحرينيين في التنافس على الوظائف. ويرى بعض البحرينيين، على ضوء حجز الوظائف له، أنه ليس مضطرًا إلى تقديم الأداء الجيد للحصول على تلك الوظائف والحفاظ عليها.
وبينت الدراسة أنَّ النظم الخاصة بإنهاء الخدمة تعني أن البحرينيين لا يشعرون بضغط كبير لتحسين الأداء؛ لأن الأداء السيئ لا يترتب عليه إلا القليل جدًّا من النتائج السلبية. وفي غالبية الأحيان، يجب على أرباب العمل أن يحتفظوا ببعض العمال البحرينيين من ذوي الأداء السيئ؛ لأن كلف إنهاء الخدمة عالية جدًّا وكثيرة التقلب والتغيير. وهذا، بطبيعة الحال، يجعل أرباب العمل يترددون في توظيف البحرينيين في بادئ الأمر.
وذكرت الدراسة أيضًا أنَّ وظائف القطاع العام توفر – في أغلب الأحيان – أجورًا أعلى، ومنافع أفضل، وأمانًا وظيفيًّا أكبر من وظائف القطاع الخاص، مما يخفض جاذبية العمل في القطاع الخاص للبحرينيين، كما أنَّ بعض لوائح التوظيف في القطاع العام، مثل الاشتراط المتكرر أن يكون المرشح عاطلاً عن العمل لكي يعتبر مؤهلاً للتوظيف في هذا القطاع، يزيد في إضعاف حوافز البحرينيين لإيجاد وظيفة في القطاع الخاص.
يضاف إلى ذلك أنَّ أرباب العمل يترددون في أغلب الأحيان قبل تزويد موظفيهم بفرص التقدم والتنمية، ونادرًا ما يستثمرون في التدريب والتطوير، فالكثير منهم قلقون من أنَّ البحرينيين، بعد أن يتدربوا، سيتوجهون إلى العمل في القطاع العام، كما أنَّ البحرينيين، بدورهم، من المستبعد أن يروا أي مكاسب يمكن حصدها من تحسين أدائهم.
ويفضي نظام اللوائح والقواعد هذا إلى وجود قوة عاملة بحرينية لا تشعر بالتشجيع والتحفيز. ولا شك أنَّ النظام القائم آنذاك يحصر العمال البحرينيين في مأزق: فهم يحصدون منافع قليلة من العمل الشاق، ولا يخسرون الكثير إذا هم قدموا الحد الأدنى المطلوب منهم. وتكون النتيجة في المحصلة أنَّ أغلبية أرباب العمل لا يجدون حافزًا قويًّا في توظيف البحرينيين، ويشعر أكثرية البحرينيين بضعف الحافز لقبول وظيفة في القطاع الخاص.
3. معوقات النمو في القطاع الخاص
أكدت الدراسة أنَّ لوائح وقواعد سوق العمل القائمة آنذاك تتسم بالتعقيد الكبير، فتقلل قدرة القطاع الخاص على تولي دور محرك النمو في الاقتصاد، وأرجعت الدراسة ذلك إلى ثلاثة أسباب:
السبب الأول: أنَّ الأهداف التي يفرضها نظام البحرنة آنذاك يجبر أرباب العمل على توظيف أفراد لا يريدونهم أو لا يحتاجون إليهم، وبذلك يختلق أرباب العمل وظائف جديدة على الورق فقط، وصاروا يعتبرون البحرنة مجرد كلفة إضافية للعمل التجاري في البحرين، كما أنَّ اشتراط توظيف البحرينيين يتطلب من الحكومة التدخل في قرارات أرباب العمل اليومية، والحال أنه من الأفضل إيجاد إطار تنظيمي يمكن من خلاله لأرباب العمل والعاملين أن يتخذوا القرارات التي تحقق لهم أقصى استغلال للفرص المتاحة، من دون أن تقف الحكومة عائقًا في طريقهم بسبب محاولتها استباق القرارات الفردية.
السبب الثاني: أنَّ جمود السياسة الخاصة بإنهاء الخدمة يعني أنَّ أرباب العمل يواجهون مشكلة صعبة في تحفيز البحرينيين على تحسين الأداء.
السبب الثالث: بسبب صعوبة تنقل الموظفين المغتربين بين أرباب العمل، وجد القطاع الخاص نفسه مضطرًا إلى جلب المغتربين بأعداد أكثر بكثير مما هو ضروري لسد حاجات الاقتصاد؛ إذ إنَّ القطاع الخاص لا يستطيع اللجوء إلى سوق العمالة داخل البحرين للحصول على العمال المغتربين.
4. مواجهة تحديات سوق العمل
أوصت الدراسة بتطبيق سياسات إصلاحية محددة في سوق العمل، بحيث يسمح للبحرينيين أن ينافسوا العمالة الوافدة بإنصاف على الوظائف المتاحة، ليكونوا الخيار المفضل لشغل الوظائف، مما يتطلب إزالة فروق الكلفة بين البحرينيين والوافدين في شريحة العاملين منخفضي الأجر، كما يتطلب أن يتساوى البحرينيون والوافدون في الحقوق وظروف العمل.
كما دعت الدراسة إلى إزالة القواعد الجامدة التي تحكم سوق العمل آنذاك لمساعدة القطاع الخاص في أن يصبح محرك النمو، ولإعطاء أصحاب الأعمال المرونة التي يحتاجون إليها لتحقيق النمو والنجاح، فالرقابة الصارمة القائمة على سوق العمل الداخلية آنذاك يجب أن تستبدل بزيادة حرية أصحاب الأعمال والعاملين.
5. التباين في الكلفة
اقترحت الدراسة مجموعة من السياسات لتقليل كلفة توظيف البحرينيين وزيادة كلفة توظيف الوافدين، وذلك لإزالة التباين في الكلفة بين البحرينيين والوافدين، ورأت الدراسة أنَّ تطبيق هذه السياسات يمكِّن البحرينيين من التنافس بإنصاف مع الوافدين. وتتلخص هذه الاقتراحات في الآتي:
أولاً- فرض نظام لرسوم العمل، ووضع سقف على العمالة الوافدة، من أجل تقييد عرض العمالة في الاقتصاد ككل. والهدف المقترح هو فرض قيود أفضل على إمكان دخول سوق العمل؛ وذلك من خلال آليتين:
(أ) رسوم العمل: وتنقسم الرسوم إلى عنصرين: الأول أن يدفع أصحاب الأعمال رسم دخول للسوق يعادل نحو 600 دينار لتصريح العمل يدوم سنتين، ويدفعون رسومًا مماثلة لتجديده. كما يدفعون رسمًا شهريًّا قيمته نحو 75 دينارًا بحرينيًّا عن كل عامل وافد يعمل لديهم. على أن تكون رسوم الدخول والتجديد مرنة وقابلة للتعديل للسيطرة على تدفق العمالة الوافدة، وبحيث تكون خاضعة لسلسلة من المؤشرات الاقتصادية، ومن ضمنها إجمالي الناتج المحلي، ومعدلات البطالة، ومستويات الأجور. ويكون الرسم الشهري ثابتًا على الفترات الزمنية الأطول. ورأت الدراسة أنَّ هذه الرسوم ستحد من تفضيل أصحاب الأعمال للوافدين على البحرينيين لمجرد أنهم أرخص بكثير من البحرينيين.
(ب) وضع سقف على العمالة الوافدة: اقترحت الدراسة تحديد العدد الإجمالي للوافدين الذين يسمح لهم بالعمل في البلاد في وقت واحد، مما يسمح للبحرين بالسيطرة على اعتمادها العام على العمالة الوافدة.
ثانيًا- دعم توظيف البحرينيين من خلال تقديم حوافز للتوظيف، وتوفير برامج الإعداد للعمل:
اقترحت الدراسة تطبيق سلسلة من برامج العمل والتوظيف لمساعدة البحرينيين في الحصول على وظائف في القطاع الخاص، تتضمن تقديم الدعم المالي للمساهمات التي يدفعها أصحاب الأعمال للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية عن العمال البحرينيين منخفضي الأجور، وتشمل إعانات إضافية لأجور الباحثين عن العمل الجدد أو العاطلين لمدد طويلة.
إلى جانب التدريب للإعداد للعمل لضمان أن يكون البحرينيون يتمتعون بالمهارات الجيدة وأخلاقيات وسلوكيات العمل التي تشكل أساس النجاح في وظائف القطاع الخاص. كما أوصت الدراسة بتحسين جهود التوفيق لمساعدة أصحاب الأعمال من القطاع الخاص على العثور على العاملين البحرينيين المناسبين لهم، والعكس.
ثالثًا- حرية انتقال العمال الوافدين:
اقترحت الدراسة تحرير سوق العمل بحيث يتمتع الوافدون بالحرية اللازمة للتنقل بين أصحاب الأعمال؛ إذ إنَّ الربط الفعلي بين الوافدين وأصحاب الأعمال الذين يعملون لديهم، يجعل العامل الوافد أكثر جاذبية من البحرينيين في نظر أصحاب الأعمال، الذين يستطيعون التنقل بحرية. فعندما يُعطى الوافدون الحقوق نفسها، فإنهم سيحرمون من ميزة إضافية يتفوقون بها على البحرينيين عند التنافس على وظائف القطاع الخاص، كما سيحتم على أصحاب الأعمال من القطاع الخاص أن يجعلوا الوظائف وظروف العمل أكثر جاذبية، لأنهم سيحتاجون إلى التنافس فيما بينهم على العمالة الوافدة، مما سيعطي البحرينيين فرصة أفضل للنجاح في الفوز بوظائف القطاع الخاص. بالإضافة إلى أنَّ ذلك سيساعد في تحسين شروط العمل الاستغلالية التي يعمل فيها الكثير من الوافدين.
رابعًا- رفع معايير العمل:
أوصت الدراسة بإلزام جميع أصحاب الأعمال بتلبية معايير ظروف العمل التي تنص عليها منظمة العمل الدولية، مشددة على ضرورة تطبيق هذه المعايير بالصرامة نفسها على الوافدين والمواطنين على حد سواء، مما سيجعل في نهاية المطاف العمالة الوافدة أقل جاذبية؛ إذ إنه سيمنع أصحاب الأعمال من تشغيل الوافدين في أماكن عمل تتسم بظروف عمل رخيصة وغير مقبولة لدى غالبية البحرينيين.
خامسًا- إلغاء نسب البحرنة:
اقترحت الدراسة إزالة القيود التي تلزم أصحاب الأعمال بتوظيف البحرينيين، بحيث يكون لأصحاب الأعمال الحرية في توظيف أي شخص متوافر في سوق العمل، تلبية فقط لاحتياجاتهم ولأداء العاملين لديهم. وتوقعت الدراسة أن تكون لهذه السياسة نتائج مهمة، أهمها:
(أ) مساعدة البحرينيين على التنافس في وظائف القطاع الخاص عن طريق تحسين أدائهم وإنتاجيتهم.
(ب) استئصال الكثير من أنشطة السوق السوداء، مثل توظيف العمال الوهميين، والشركات الوهمية.
(ج) إنهاء إدارة الحكومة البيروقراطية لتفاصيل السوق، وذلك بالسماح لأصحاب الأعمال بشراء تراخيص عمل جديدة بالأسعار السائدة، كلما احتاجوا إلى ذلك، أو توظيف البحرينيين الذين غدوا أكثر تنافسًا في السوق، بدلاً من الدخول مع الحكومة في مفاوضات مطولة تفتقر إلى الشفافية ولا يمكن الوثوق بنتائجها.
6. صندوق العمل
اقترحت الدراسة أن توضع رسوم العمل المستحصلة في صندوق العمل، متوقعةً أن تكون قيمة الصندوق كبيرة؛ إذ تشير التقديرات الأولية إلى أنَّ عائدات الصندوق يمكن أن تصل إلى 200 مليون دينار سنويًّا عند التطبيق الكامل للسياسات المقترحة. ويقدم هذا الصندوق فرصًا مهمة للاستثمار في المجالات الرئيسة اللازمة لتعزيز النمو الاقتصادي.
ورأت الدراسة أنْ يكون الصندوق منفصلاً عن موازنة الحكومة ومستقلاً عنها، ويدار من قبل مهنيين متخصصين، ويُمنح هيكلية تنظيمية متميزة، مع مشاركة ملائمة من أصحاب الشأن الرئيسيين، ويصمم بصيغة تضمن أن أمواله لا تستعمل إلا للغرض المحدد لها.
وأوضحت الدراسة أنَّ أموال الصندوق يمكن استثمارها في أربعة مجالات رئيسة، وهي:
الأول- العاملون البحرينيون: وذلك بتمويل مساهمات الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والأجور، ودعم الأجور، بالإضافة إلى استعمالها في تمويل برامج التوظيف المختلفة المصممة لزيادة منافسة البحرينيين في سوق العمل، مثل برامج التدريب الرامية إلى الارتقاء بالمهارات والمعرفة.
الثاني- المؤسسات التجارية: وذلك بدعم التعديلات الهيكلية للشركات والمشروعات التجارية، وخصوصًا في فترة الإدخال التدريجي للسياسات الجديدة، كما يمكن استعمالها للاستثمار في القطاعات الاستراتيجية ذات أفضل احتمال لتحقيق النمو في المستقبل.
الثالث- البحرينيون العاطلون: وذلك بتقديم الإعانات المالية لتوظيف العاطلين وتدريبهم في محل عملهم.
الرابع- الوافدون: وذلك بوضع جزء صغير من الأموال جانبًا في إطار برنامج تعويضات مؤجلة للوافدين، لتشجيعهم على تفادي السوق السوداء أثناء إقامتهم في البحرين. وعند مغادرة البحرين، يتأهل الوافدون للحصول على حصتهم في الصندوق إذا كانوا ملتزمين بالقانون.
7. أسس التطبيق
شددت الدراسة على ضرورة أن تطبق السياسات المقترحة على الجميع في ثلاثة أوجه اقتصادية، ويتلخص المبدأ العام في إقامة سوق عمل موحدة، ومجموعة بسيطة من اللوائح والقوانين التي تضمن الالتزام بالسياسات المقترحة:
أولاً- تشمل جميع قطاعات الاقتصاد: تنطبق مجموعة السياسات المقترحة بالقوة والمقدار نفسيهما على جميع قطاعات الاقتصاد، من دون تمييز. فالهدف هو إزالة جميع الاحتمالات والحوافز التي تشجع نشاطات السوق السوداء، والتي قد تنشأ إذا طبقت أجور وسياسات توظيف مختلفة على القطاعات المختلفة.
ثانيًا- تشمل جميع مستويات الأجور: تسري مجموعة السياسات المقترحة على جميع الأجور باختلاف مستوياتها، رغم أن الكثير من هذه السياسات تهدف بشكل محدد إلى مساعدة شريحة العاملين منخفضي الأجور. وذلك لأنَّ التطبيق الموحد يجنِّب من نشوء أي حوافز لإساءة الاستخدام عن طريق الادعاء بأن العمالة الوافدة ستكون عالية الأجور بغرض تجنب دفع رسوم العمالة، وبعد ذلك يتم استعمالها في وظائف منخفضة المهارات. كما سيساعد التطبيق الموحد البحرينيين ذوي المهارات المتوسطة والعالية أيضًا على أن يصبحوا أكثر تنافسًا.
ثالثًا- تشمل القطاعين العام والخاص: تسري مجموعة السياسات المقترحة أيضًا على القطاع العام؛ لتضييق الفروق بين التوظيف في القطاع العام والقطاع الخاص. مع السماح باستثناءات معينة لأفراد قوات الأمن والدفاع من غير المدنيين، كما يحدث في بلدان أخرى، لتوفير مرونة إدارية أكبر لأغراض الأمن القومي.
8. التدرج في التنفيذ
أوضحت الدراسة أنَّه رغم أهمية أن تطبق السياسات المقترحة بأسرع ما يمكن، لتبكير جني ثمارها، إلا أنَّها لن تطبق في وقت واحد أو فورًا؛ وذلك لأن عملية وضعها موضع التنفيذ يجب أن يُراعى فيها تحقيق أهداف عدة رئيسة، وأهمها إعطاء مؤسسات القطاع الخاص مهلة كافية للتخطيط والتكيف مع الكلف والقواعد الجديدة، وبناء وتعزيز قدرات الحكومة اللازمة لتطبيق السياسات الجديدة وفرض الالتزام بها، وذلك من خلال الاستثمار في إعادة تصميم إجراءاتها، والاستثمار في تكنولوجيا المعلومات، وتدريب الموظفين الحكوميين المعنيين. بالإضافة إلى التقليل بأقصى قدر من فقدان الوظائف بين البحرينيين أثناء المرحلة الانتقالية، وضمان استقرار الأوضاع في جميع أركان الاقتصاد مع امتصاص الأسعار للتغيرات الجديدة في هيكل كلفة العمالة.
ومن أجل موازنة كل هذه الاحتياجات، خلصت الدراسة إلى تقسيم عملية التطبيق المقترحة إلى مرحلتين، تركز المرحلة الأولى على تهيئة مختلف الجهات الحكومية للتعامل مع السياسات الجديدة. وبعد أن تصبح كل الأنظمة المعنية جاهزة للعمل، يجري إدخال حزمة السياسات نفسها حيز التنفيذ خلال مدة ثلاث سنوات.
وبينت الدراسة أنَّ الشطر الأكبر من حزمة السياسات سيطبق فورًا، باستثناء رسوم العمل الشهرية وإلغاء أهداف سياسة البحرنة. فرأت أنَّ رسوم العمل الشهرية يجب أن تسري بالتدريج على مدى ثلاث سنوات، بما يعطي الوقت اللازم للمؤسسات التجارية لتخطط كيفية استيعاب الزيادة المنتظرة في الكلفة وتهيئ نفسها لتحملها. وأوضحت أن أهداف البحرنة ستعلق فورًا، لكن المؤسسات التجارية ستلزم بالإبقاء على العدد نفسه من البحرينيين العاملين لديها إلى حين انتهاء السنة الثالثة، وعندئذ تلغى سياسة البحرنة، وذلك لضمان ألا يتعرض الاقتصاد لفقدان أعداد كبيرة من البحرينيين لوظائفهم في الأجل القصير أثناء المرحلة الانتقالية.