أكد الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل أسامة العبسي أن نظام تصريح العمل المرن تمت صياغته وإطلاقه بعد دراسات مستفيضة ناهزت السنتين والنصف، تم خلالها متابعة حركة سوق العمل بالنحو التفصيلي والدقيق، مستندين على قاعدة البيانات وبنك المعلومات التي لدى الهيئة وخبرات تجاوزت العقد من الزمن.
وقال العبسي في لقاء مطول مع صحيفة «الأيام» بأن المخاوف من كون هذا النظام سيسهم في تقليل أفضلية العامل البحريني أمام الأجنبي ليس لها سند واقعي او علمي، رغم أننا نتفهم الدافع الوطني خلفها، مؤكدًا أن هذا البرنامج يهدف بصورة أساسية الى منح المواطنين فرصهم في السوق من جهة ويمكن أصحاب العمل من مصالحهم من جهة أخرى، فضلاً عن المساهمة في وضع حل جذري للعمالة غير النظامية (السائبة)، وهو هدف يتطلب شراكة مجتمعية للوصول إليه.
وأوضح العبسي أن المشروع مختلف في مقاربته لعملية إدارة سوق العمل، وهذا ما يمنح الجمهور حق التخوف والتساؤل، ونحن كهيئة في كامل الاستعداد للإجابة على الاستفسارات لكل من لديه تساؤلات او مخاوف. وفيما يلي نص اللقاء:
إذًا فلنبدأ من البداية.. كيف وصلتم لهذا المشروع؟ وما هي فلسفته؟
أنظمة إدارة العمالة الوافدة في الخليج وضعت منذ أكثر من 50 سنة، ووضعت في البحرين تحديدًا في العام 1962، وكانت مناسبة لاحتياجات الاقتصاد آنذاك، وتتماشى مع التطلعات الرسمية والمجتمعية. النظام الذي وضع كان مبنيًا على قاعدة (الكافل والمكفول)، فلا صاحب العمل يمكنه أن يوظف شخصًا ليس تحت كفالته، ولا العامل يمكن أن يخرج من تحت عباءة هذا الارتباط الابدي. وبالنظر لتركيبة الاقتصاد البسيطة، وتركيبة المجتمع المحافظة في ذلك الوقت، كان النظام مناسبًا.
ولكن بعد مرور 55 سنة منذ وضع هذا النظام، هل احتياج الاقتصاد البحريني هو ذاته؟ ما الذي تغير على اقتصاد البحرين منذ 1962 وحتى 2017؟
بالطبع الاحتياج الاقتصادي والمجتمعي للخدمات تتغير، وليس أدل على ذلك من مشكلة العمالة السائبة التي تؤرق الجميع.. فالدولة حاولت التعامل مع موضوع العمالة السائبة بكافة الاساليب، منها أسلوب التفتيش والقبض والتسفير، ومنها أسلوب ملاحقة الكفلاء والوسطاء، ومنها أسلوب فترات السماح لتعديل الاوضاع، وكلها كان تأثيرها محدودًا لتعود أعداد العمالة السائبة إلى سابق عهدها، أليس ذلك صحيحًا؟ إذًا أين المشكلة؟ المشكلة أننا كنا نتعاطى مع العمالة السائبة كمخالفة للقانون فقط، وهي بلا شك كذلك، إلا أن مقاومة هذه الظاهرة لكافة أساليب مكافحتها ومعالجتها هو دليل على أمر آخر… دليل على أن المجتمع والاقتصاد يطلبها ويحتاج لها. بالطبع هو لا يطلب عمالة سائبة ولكن يطلب المرونة التي توفرها العمالة السائبة، ولم يجد هذه المرونة إلا منها.
فالعمالة السائبة ليست سوى دليل على أن التاجر والمواطن يحتاجان إلى الحصول على عمالة مؤقتة، فالمقاول الصغير الذي يعمل على بناء ملحق أو صباغة بيت يلجأ إليهم ليخفف من تكاليفه والتزاماته. والمطعم الذي يحتاج عامل توصيل طلبات لثلاث ساعات في الفترة المسائية لا يمكنه أن يوظف عاملاً بدوام كامل ليعمل 3 ساعات فقط، فيلجأ إليهم.
أما المواطن العادي الذي يحتاج سبّاكًا لإصلاح تسريب مياه بسيط في بيته فبالطبع لا يمكنه طلب شركة مقاولات لتصليحه، فالتكلفة عالية والانتظار طويل، هذا إن وجد أحد يقبل بهذه المهمة، وعليه يلجأ للعمالة السائبة التي تأتي بسرعة لتنقذ الموقف وتقوم بالعمل بتكلفة بسيطة يقدر عليها المواطن العادي.
وعليه ترى العمالة السائبة تقوم بمهام تخفض تكلفة التاجر، وتساعد المواطن على التعامل مع الاحتياجات البسيطة بكلفة يقدر على تحملها، ولهذا هناك طلب عليها، ولهذا فإن التعامل معها صعب، فنحن نحاول منعها ولم نوفر البديل الرخيص والمقبول لمن يستخدمها، ولهذا تكون النجاحات محدودة.
في الاقتصاد (العرض) يتبع (الطلب)، وطالما هناك (طلب) فأية محاولات للسيطرة على (العرض) ستكون محدودة النتائج. للقضاء على المخالفات لا يكفي أن تحارب العمالة السائبة المخالفة فقط، يجب كذلك أن توفر للمواطن والتاجر البديل القانوني بذات التكلفة وذات المرونة.
إذًا مع هذا المشروع.. هل ستتوقف جهود مكافحة العمالة السائبة من تفتيش وتسفير، ومخالفة تجار التأشيرات والوسطاء؟
قطعًا لن تتوقف، بل ستزيد، هذا المشروع عامل مساعد للجهود القائمة حاليًا، وليس بديلاً عنها. تخيل عندما تتوفر هذه العمالة ويطلبها التاجر والمواطن دون غيرها، وفي ذات الوقت تستمر عمليات التفتيش والمكافحة لتجار التأشيرات، لن يجد العامل المخالف أمامه منفذ، فإما تصحيح الأوضاع والاستمرار في الالتزام بالقانون، أو المغادرة، فلن يكون هناك (طلب) لخدماته.
ولكن ألن يفرغ هذا المشروع الشركات من موظفيها والبيوت من خدم المنازل، الذين سيتركون أعمالهم لينضموا للمشروع، فيخسر التاجر والمواطن؟
لا طبعًا. كيف يمكننا أن نسمح بمثل هذا الضرر سواء للمواطن أو التاجر.. لن يقبل في هذا النظام أي خادم منزلي مهما كان وضعه، كما لن يقبل انتقال العامل النظامي من مؤسسته إلى نظام تصريح العمل المرن.
إذن ستزيد حالات الهروب للانضمام للنظام!
لن نسمح للعامل الهارب بالانضمام للنظام، كيف لنا أن نكافئ من خالف القانون وأضر بالتاجر..
إذا لم تسمحوا للعامل النظامي بالانضمام، ولم تسمحوا للهارب بالانضمام.. من أين سيأتي عمال التصريح المرن؟ من الخارج؟
قطعًا لن نستورد عمالة مرنة من الخارج. وهنا سوء الفهم، اسمح لي أن أشرح لك معلومة قد تكون خافية على كثيرين..
من مجموع العمالة المخالفة في البحرين تشكل العمالة تاركة العمل (الهاربة) 15% فقط أو أقل، بينما 85% من العمالة المخالفة هي التي ألغى صاحب العمل تصريح عملها، أو انتهت مدة هذا التصريح ولم يجدده صاحب العمل، أو ألغي تصريح العمل بسبب شطب قيد السجل التجاري.
وعلى هذا، ترى أن من ضمن الفئات الاربع التي تشكل العمالة السائبة، هناك 3 فئات وضعها ليس من صنع العامل، بل صاحب العمل! فإلغاء تصريح العمل بيد صاحب العمل قانونًا، والتجديد من عدمه بيده كذلك، فلا يمكن للعامل أن يجدد لنفسه. وعليه سوف نقبل في نظام العمل المرن حصريًا هذه الفئات دون غيرها: العامل الذي وجد تصريح عمله ملغيًا إما من قبل صاحب العمل أو بسبب شطب قيد السجل التجاري، والعامل الذي أنتهى تصريح عمله، فلم يجدده صاحب العمل ولم يوفر له تذكرة العودة لبلاده. أما العامل الذي خالف القانون بمحض إرادته وهرب من صاحب العمل فلن نشمله ولن نكافئة.
ولكنكم أعطيتم العمالة السائبة أفضلية على العمالة النظامية الملتزمة!
العامل النظامي العادي يوفر له صاحب العمل راتبًا ثابتًا، وسكنًا، وتذاكر سفر، ويدفع عنه رسومه، وله مكافأة نهاية الخدمة، ويمكن أن تلتحق به زوجته وأبنائه، والعامل المرن ليس له دخل ثابت، ويتكفل بسكنه بنفسه ويدفع للهيئة مبلغ تأمين لتذكرة عودته، ويدفع بنفسه رسوم الاصدار ورسوم شهرية أعلى من رسم العامل العادي، ولا يجوز أن تلتحق به زوجته أو أبنائه، فكيف تكون له الافضلية؟
ولكن ألن ينافس هذا العامل التاجر والعامل البحريني؟إذا اتفقنا أن هذا العامل موجود بالفعل في البحرين، ويعمل بصورة غير نظامية، وينافس بالفعل، ويعرض من يستخدمه للمساءلة القانونية، فإن تنظيم عمله وإصدار تصريح له لن يزيد من المنافسة بل سيقللها! كيف؟
العامل المرن سيدفع 6 أضعاف رسم التصريح العادي، فهو يدفع رسم 30 دينارًا شهريًا بينما صاحب العمل العادي يدفع رسم شهري عن العمال 5 دنانير فقط، وهذه المبالغ تذهب لتمكين لدعم التاجر وتدريب المواطن، إذًا العامل المرن يدعم التاجر والمواطن الباحث عن عمل.
أما عن منافسة العامل البحريني، فهذا كلام أثبت الواقع العملي أنه غير صحيح، فكلنا نعلم أن المهن التي تعمل فيها هذه العمالة لا يرغب فيها الباحث عن عمل البحريني، كما أن هذا النظام لا يلغي أو يستبدل سياسات الدولة في البحرنة وتأهيل المواطن والحوافز التي توفرها أجهزة حكومية مثل تمكين لدعم توظيف البحرينيين.
ما هو المردود المتوقع لنظام تصريح العمل المرن؟
هناك مخرجات مختلفة نتوقعها من هذا المشروع على مختلف المستويات، فعلى المستوى التجاري سوف يتمكن صاحب العمل من تشغيل عمال بالساعة أو باليوم، ويدفع لهم فقط عن المدة التي عملوها معه، بدون ان يلتزم بدفع رسومهم وتذاكرهم وسكنهم، ورواتب ثابتة سواء كانت هناك حاجة لهم أو لم تكن، وبالتالي تقل التكلفة عليه، ومن ثم تقل التكلفة على المواطن المستفيد من خدماته. كما أن التاجر سوف يكون لديه القدرة على النمو السريع وتلبية الحاجة للعمالة بصورة فورية دون الدخول في إجراءات والتزامات.
كما أن هناك فائدة كبيرة للاقتصاد الوطني ككل من هذا النظام غفل عنها كثيرون: تخيل أن هناك 3 مؤسسات مختلفة، وكل مؤسسة جلبت عاملاً واحداً برغم أن حجم العمل لا يحتاج هذا العامل بصورة مستمرة، بل يحتاجه لفترات الذروة لساعات قليلة في اليوم، في هذا السيناريو سيكون هناك 3 عمال كل واحد منهم يقيم في البحرين ويشكل ضغطًا على الخدمات برغم أنه لا يقدم قيمة مضافة كاملة. الآن تخيل لو استغنت هذه المؤسسات الثلاث عن فكرة جلب عامل متفرغ، واستعانت كل من هذه المؤسسات الثلاث بنفس العامل المرن، يعمل لدى المؤسسات الثلاث في أوقات مختلفة حسب حاجتهم، ما الذي سيحدث؟ قلَّ عدد العمالة الزائدة عن الحاجة في البحرين، شخص واحد بدلاً من ثلاثة، شخص واحد يعمل بكامل طاقته، يساهم في الاقتصاد ويقلل التكاليف على التجار، وفي ذات الوقت يكسب عيشًا كريمًا فيحافظ عليه ولا يخالف القانون، أفضل من ثلاثة أشخاص يعمل كل منهم بثلث طاقته ويشكل عبئاً على صاحب العمل والمجتمع، ويمكن أن يصبح مخالفًا في أي وقت.
وماذا عن المواطن؟
المواطن اليوم تدخل العمالة المخالفة السائبة إلى بيته لحاجته لخدماتها البسيطة من إصلاحات وترميمات وغيرها. يدخل شخص مخالف للقانون، وغير معروف عنوانه، وغير معروف حتى اسمه الحقيقي، هل لك أن تتخيل المجازفة؟ هو يقوم بهذه المجازفة لحاجته لخدمات هذه العمالة، ولكن قد تنتج عنها سرقات أو ممارسات غير أخلاقية. فكل من يدخل بيوتنا لمثل هذه الخدمات هو عامل مخالف بلا استثناء. ولكن عند تعميم النظام المرن سيتمكن المواطن من طلب الاطلاع على هوية هذا العامل ومعرفة إن كان قانونيًا أم لا، حيث أننا سوف نصدر للعامل المرن بطاقة تعريفية تجدد كل 6 أشهر، وننصح المواطن والتاجر بأخذ صورة منها بهاتفه الجوال قبل إدخال العامل إلى بيته أو مؤسسته ليتمكن من العودة إليها عند الحاجة لا سمح الله.
ولكن هناك تخوفات من أن هذه العمالة المرنة سوف تكون مصدر تهديد أمني ولا يمكن الوصول إليها عند الحاجة؟
نحن اتفقنا أن هذا النوع من التراخيص سوف يكون متاحًا فقط للعمالة المخالفة الموجودة بالفعل في البحرين. فهل هو – بوضعه الحالي المخالف – يمكن الوصول إليه؟ هو قبل الحصول على التصريح المرن بالفعل مصدر تهديد أمني واجتماعي واقتصادي، وعندما تقدم للتصريح تحول من «مجهول» إلى «معلوم».. معلوم الاسم والعنوان، قد دفع رسمًا باهضًا ليصحح وضعه وسوف يحافظ على هذا الوضع الجديد، كما أننا ولهذا الغرض نصدر البطاقة التعريفية بصلاحية 6 أشهر فقط برغم أن التصريح والإقامة لمدة سنتين، فهو سوف يراجعنا شهريًا لدفع الرسم الشهري ومرة كل 6 أشهر لتجديد البطاقة التعريفية وتحديث بياناته. أليس هذا أفضل وأضمن من العامل السائب الذي لا يمكن الاستدلال عليه؟
قيل إن العامل المرن سيستفيد من العلاج المجاني.. فهل هذا صحيح؟
قطعًا غير صحيح، فضمن الرسوم التي يدفعها العامل المرن عند التقدم للتصريح هناك رسوم الرعاية الصحية التي تبلغ 144 دينارًا، ومن خلال دفعها سيستفيد من خدمات الرعاية الصحية الأولية. وتخيل الآن هناك عشرات الآلاف من العمالة السائبة التي لا تستطيع العلاج عند المرض لأنها غير مشمولة وتخشى من دخول مبنى حكومي كالمراكز الصحية لكي لا يقبض عليها، هذا أمر يهدد الصحة العامة للمملكة بوجود مرضى لا يتلقون علاجًا ويختلطون ببقية السكان من مواطنين ومقيمين. فشمولهم بالتغطية الصحية فيه حماية للمجتمع، وهم يدفعون ثمنها أسوة بغيرهم.
يبدو أنكم فكرتم في كل شيء.. فمن أين تأتي التخوفات؟
لا كامل إلا وجه ربك، هو مشروع طموح أخذ بعين لاعتبار مختلف وجهات النظر، وتمت دراسته بتعمق وبالتشاور والتناغم مع غرفة تجارة وصناعة البحرين، وتم عرضه على الحكومة الرشيدة التي هي أحرص على مصلحة التاجر والمواطن مما تتخيل، وأخذ بعين الاعتبار كل المخاوف وتم وضع حلول لها، إلا أنه كأي مشروع جديد سوف يمر بمراحل الدراسة والتقييم المستمرين أثناء التطبيق، وقد وجه مجلس الوزراء الموقر لوضع سقف شهري قدره 2000 تصريح مرن، وذلك لدراسة الموضوع وتقييم تأثيره على التاجر والمواطن والاقتصاد وأنه يحقق أهدافه، وإذا وجد هناك خللاً أو أثرًا جانبيًا سوف تتم معالجته فورًا، فنحن حريصون على حماية جميع مكونات الاقتصاد والمجتمع البحريني، وأن تكون مشاريع الهيئة داعمة للاقتصاد وحامية للمجتمع. ونأمل من الجميع المبادرة بالتواصل معنا للإجابة على استفساراتهم فمثل هذه المشاريع نجاحها مرهون بالتفاعل الإيجابي من المجتمع وهو ما يعزز الثقة المتبادلة.