منذ أيام كتبت مقالا تساءلت فيه متألما عن الأسباب وراء هذا الفتور الذي قوبل به هذا الإنجاز العظيم الذي حققته مملكة البحرين مؤخرا بفوزها بالعضوية الأصيلة بمجلس إدارة واحدة من أكبر المنظمات الدولية وأقواها تأثيرا في مسيرات الدول, واختصاصها بمعالجة أكثر مشاكلها حساسية وشمولا وتأثيرا.. ألا وهي منظمة العمل الدولية.. فلم تحظ البحرين بهذا الفوز العظيم لتمثل البحرين في مجلس إدارة المنظمة.. وإنما لتمثل جميع دول غربي آسيا وكل الدول العربية.
ولقد حمَّلت في مقالي هذا الفتور إلى جميع الوسائل الإعلامية.. وكل الجهات على أرض البحرين.. وإن كنت قد التمست العذر لهذا الفتور في نهاية مقالي لكون إعلان هذا الفوز الكبير قد واكب بداية الأزمة الخليجية الأخيرة.
ولما كان العالم كله قد صفق للبحرين لحظة إعلان هذا الفوز العظيم.. الأمر الذي جعل وزير العمل جميل حميدان يقول: كنت أتمنى أن يكون كل شعب البحرين موجودا في هذه اللحظة ليسمع بنفسه دوي التصفيق فرحا وتهنئة للبحرين قيادة وشعبا.. ولما كانت البحرين قد حصلت على 223 صوتا من أصل 251 صوتا هي إجمالي أصوات الدول التي شاركت في انتخابات المنظمة.. وهي في الوقت نفسه النسبة التي لم يحصل عليها عضو آخر فاز بعضوية مجلس الإدارة.. فقد آليت على نفسي إلا أن أقدم لشعب البحرين صاحب هذا الفوز العظيم شرحا وافيا عن الأسباب التي جعلت البحرين جديرة بهذا الفوز.. وكيف تحقق هذا الفوز أيضا.. وماذا يعني؟
اتصلت بسعادة الوزير جميل حميدان قائد المجموعة التي تحقق على أيديها هذا الفوز الكبير لإجراء حوار معه يلقي الأضواء الكاشفة حول هذا الفوز الذي تحقق للبحرين على الصعيد العالمي.
رحب الوزير بما عرضته عليه.. وكان لقاؤنا في مكتبه بالأمس.
تفاصيل الحوار
قلت للوزير: سأكون واضحا ومباشرا في تساؤلاتي إليك.. لماذا استحقت البحرين هذا الفوز العظيم؟
وزير العمل والتنمية الاجتماعية: وراء هذا الفوز أسباب عديدة سأقدم لك بعضها أو أهمها فيما يلي:
– البحرين أثبتت التزامها بكل المعايير والإجراءات الدستورية الخاصة بالمنظمة من خلال تقديم التقارير المطلوبة، منها تطبيق معايير العمل الدولية في المواعيد المحددة لها.. كما صادقت البحرين على أهم وأشمل الاتفاقيات التي صدرت عن المنظمة.
– حققت البحرين استفادة عالية في برامج التعاون الفني الذي تقدمه منظمة العمل الدولية للدول الأعضاء.
– تتمتع البحرين بنظام متميز لإدارة سوق العمل وتنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعامل، قائم على الشراكة والشفافية مع أطراف الإنتاج.
– أقرت التشريعات الوطنية في خطوة رائدة في المنطقة حق العامل الوافد في الانتقال من صاحب عمل إلى آخر من دون موافقة صاحب العمل وبشكل فوري في حال تعرض العامل للاستغلال من قبل صاحب العمل.
– استحداث نظام تصريح العمل المرن الذي يتيح لأي عامل وافد، أصبح من العمالة غير النظامية بسبب يعود إلى صاحب العمل، أن يتقدم بشكل مستقل للحصول على تصريح شخصي للعمل على أرض البحرين من دون الارتباط بصاحب عمل.
– استحداث نظام الإحالة الوطني لمكافحة الاتجار بالأشخاص، الذي يكفل رقابة ومتابعة كل الجهات ذات العلاقة في المملكة لرصد وكشف أي حالة أو شكوى تتعلق بالاتجار بالبشر، وإحالتها إلى الوحدة المتخصصة في هيئة تنظيم سوق العمل التي تتولى المتابعة فورا، إلى جانب توفير الدعم والمساندة والحماية للضحايا وصون حقوقهم المشروعة.
– أتاحت المملكة لكل العاملين الاستفادة من نظام التأمين ضد التعطل من دون تمييز (بحريني وأجنبي) لحماية العامل من العوز والحاجة أثناء فترة تعطله.
– تتمتع البحرين بنظام قانوني يقوم على صيانة واستقلالية العمل النقابي من حيث إقرار حق التمثيل لجميع العمال في النقابات والاتحادات العمالية، والتفرغ للقيام بالأنشطة النقابية، وحماية النقابيين من الفصل بسبب نشاطهم النقابي، وضمان مشاركة العمل وأصحاب العمل في صنع القرار فيما يتعلق بسوق العمل.. الخ.
– حماية العمالة المنزلية للأحكام الأساسية الواردة في قانون العمل من حيث تطبيق كل مبادئ عقد العمل، وحماية الأجر والإجازات السنوية، ومكافأة نهاية الخدمة، والإعفاء من رسوم التقاضي.. الخ.
- تنفيذ برنامج العمل اللائق بالتعاون مع منظمة العمل الدولية.
– اهتمام مملكة البحرين بمكافحة التمييز بكل صوره.. حيث أقر دستور البحرين في المادة (18) أن المواطنين سواسية في الكرامة الإنسانية.. كما أن البحرين لا تفرق بين عامل وطني وعامل أجنبي، أو بين الرجال والنساء، كما حظرت قوانين البحرين التمييز في الأجور والمزايا الوظيفية بين البحريني والأجنبي.
– جميع قوانين العمل في البحرين متوافقة مع قوانين واتفاقيات منظمة العمل الدولية.. وخاصة في مجال نظر الشكاوى وتسوية المنازعات.
- حظر وتجريم استغلال العمالة الوافدة.. وقد استحدثت البحرين وحدة خاصة لدعم وحماية العمالة الوافدة وفقا للمواصفات الدولية، ناهيك عن عدم التمييز في الأجور.. والسماح للعامل الأجنبي بطلب شموله بالنظام النقابي العمالي.
– إجماع سفراء الدول المصدرة للعمالة على أرض البحرين على حسن معاملة البحرين للعمالة الوافدة.. وأن البحرين من أقل الدول التي يشكو فيها العامل الأجنبي.
– سجلت البحرين المرتبة الأولى على مستوى العالم في معدل نمو مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، كما تسجل أعلى نسبة مشاركة في سوق العمل على الصعيد العربي (33%).. ويشكلن نصف موظفي القطاع العام وثلث موظفي القطاع الخاص.
- إعلان البحرين التزامها بمكافحة العمل الجَبري.
ليست هذه كل الأسباب
وهل هذا الذي ذكرته يشكل أو يشير إلى كل الأسباب؟
– الوزير: لا.. هذا الذي ذكرته مجرد إشارات أوردتها في عجالة.
وهل هناك أسباب مباشرة أخرى غير ما ودر في اللوائح والأنظمة وقوانين العمل؟
– أجاب الوزير: لقد تفجرت مشكلة التأخر في صرف رواتب عمال أجانب أثناء انعقاد دورة منظمة العمل الدولية.. ولقد وقف العالم كله إعجابا وتقديرا لموقف سمو رئيس الوزراء الذي أمر بحل المشكلة فورا، عندما وجه إلى تخصيص جزء من مستحقات الشركة وتسديد جميع الأجور المتأخرة خصما منها في الحال وتحت إشراف وزارة العمل.. ونجحت الوزارة في تطبيق توجيهات سمو رئيس الوزراء بالكامل وبنجاح كامل.. ولم يتبق عامل واحد يشكو من تأخير حصوله على أجره كاملا.. وهذا الموقف كان يتردد في ردهات منظمة العمل الدولية في إعجاب وثناء كبيرين على مملكة البحرين.
الفضل بعد الله يعود إلى القيادة
وقال الوزير: الفضل في هذا الفوز العظيم الذي تتحدث عنه يعود بعد الله إلى قيادة البحرين.. وإلى المسيرة الإصلاحية الشاملة لجلالة الملك.. حيث وفرت أرضية واسعة وشاملة نحو التزام البحرين بالحقوق والحريات العمالية.. وإن توجيهات جلالة الملك لي لا تتوقف إلى درجة أن جلالة قد قال لي: «إذا لم توفق في إعادة العامل المفصول إلى عمله فأنا مستعد لتوظيفه عندي».
وقال: لا ننسى سلسلة البرامج الناجحة التي وضعتها وكفلتها الحكومة برئاسة سمو رئيس الوزراء من أجل حماية العمال ومصالحهم.. وتوجيهات سموه لنا بأن نضعها في قمة الأولويات.
وأضاف الوزير: إن اهتمام سمو ولي العهد كبير جدا ومتواصل في إصلاح سوق العمل من خلال النمو الاقتصادي حتى يكون هذا القطاع قادرا على توفير فرص العمل، وخاصة الوظائف النوعية.. وتوجيهات سموه لتحقيق الاستقرار الوظيفي من خلال برامج التأهيل والتدريب والأخذ بنظام التعليم الشامل.
ثم يقول الوزير: كل هذا كان له تأثير قوي على قرار دول العالم في الإجماع على إعطاء أصواتهم للبحرين في هذه الانتخابات العالمية.
البحرين الدولة العربية الوحيدة
كم عدد الأصوات التي نالتها البحرين في هذه الانتخابات؟
– الوزير: حصلت البحرين على (223) صوتا من بين 251 صوتا هي إجمالي أصوات الدول الأعضاء المخولة بالتصويت في انتخابات مجلس الإدارة الأخيرة .. ويكفي أن هذه هي أعلى أصوات حصل عليها أي عضو آخر في مجلس الإدارة.. كما أن مملكة البحرين هي الدولة العربية الوحيدة التي فازت بهذه العضوية الأصيلة في هذه الدورة (2017/2020م)، وإن كانت السعودية والمغرب والعراق قد فازت هذه المرة بالعضوية المناوبة وليست العضوية الأصيلة.
ثم قال الوزير: وبما أن البحرين تمثل دول غربي آسيا والمجموعة العربية في مجلس الإدارة الآن، فسوف تضطلع بدور مهم في توجيه سياسة المنظمة، وتوصيل وجهات نظر ومصالح الدول العربية والآسيوية إلى مجلس الإدارة، والعمل في مجال الحفاظ على مصالحها وترسيخ قيمها.. وهذا معناه أن البحرين مطالبة بأن تكون صوت جميع الدول العربية والآسيوية.. حيث إن مجلس الإدارة هو المسؤول عن وضع السياسات والبرامج وخطط المنظمة الراهنة والمستقبلية.
ماذا كان شعورك عندما أعلنت هذه النتيجة التاريخية بهذا الفوز العالمي المشرف بالعضوية الأصيلة بمجلس إدارة أكبر منظمة عالمية؟
– بصراحة تمنيت لو كان كل بحريني موجودا في منصة الرئاسة بالمنظمة وشاهد وسمع بنفسه كيف كان العالم كله يصفق للبحرين.. معلنا الثقة العالمية فيها، ومقدرا لتاريخها ومنجزاتها ومكاسبها ومكانتها العالمية.. وبصراحة من حق كل بحريني أن يفخر ويفاخر بما تحقق لبلده من خلال منظمة العمل الدولية.. لقد كان هذا الفوز تكريما استثنائيا عالميا لمملكة البحرين يضاف إلى ما حققه قادة البلاد من إنجازات عالمية مشهودة استحقوا الجوائز العالمية والتكريم الدولي عليها.
هل هناك إنجاز نوعي تحقق من خلال هذه الدورة لمنظمة العمل الدولية؟
– تحقق الكثير.. ومنها على سبيل المثال وليس الحصر اعتراف جميع الدول الأعضاء للبحرين بأنها الدولة السباقة في تقديم التزاماتها الدولية.. والمسارعة بأي معلومات تطلب منها.. وتنفيذها للاتفاقيات الدولية على أكمل وجه.. وهذه شهادة كبيرة.. كما أشادوا بانتظامنا في نشر مؤشرات سوق العمل ومعدل البطالة بكل شفافية.. لقد وصفوا البحرين بالريادة في هذه الأوجه وغيرها بالنسبة إلى منطقة الخليج.
ألم يظهر أي شيء خلال هذا المؤتمر الدولي بمنظمة العمل الدولية يمكن أن يسيء إلى هذا الإنجاز الكبير الذي تحقق؟
– إطلاقا.. حيث إن انتخابات كل طرف من أطراف الإنتاج الثلاثة تتم بشكل مستقل تماما.. إننا نظهر في هذه الآونة أمام العالم ظهور الكبار المشهود لهم من جميع الأوجه.
وللفوز المشرف أوجه أخرى.. وجب علينا استكمالها.