صوّت مجلس الشورى – بإجماع أعضائه الحاضرين- أمس على رفض المرسوم بقانون رقم (32) لسنة 2011 بتعديل البند (هـ) من المادة (42) من القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل، والذي يهدف إلى تخفيض نسبة صندوق العمل (تمكين) من الرسوم التي تحصلها هيئة تنظيم سوق العمل من 80% إلى 50% وزيادة نسبة الدولة فيها من 20% إلى 50%.ويأتي رفض مجلس الشورى بعد رفض مجلس النواب للمرسوم بقانون ما يعني سقوط المرسوم بقانون وزوال أثره كقانون، وهي السابقة الأولى في تاريخ الحياة النيابية البحرينية منذ عام 2002.
وينص المرسوم بقانون -المُسقَط- على أن «تستقطع الهيئة نسبة 50% من إجمالي الرسوم التي تحصلها، وتودع المبلغ المستقطع في الحساب العمومي للدولة طبقا للإجراءات التي يتم الاتفاق عليها بين الهيئة ووزارة المالية».
وتنص المادة (38) من دستور مملكة البحرين لعام 2002 على وجوب عرض المراسيم بقوانين على مجلسي الشورى والنواب، فإذا لم تعرض زال ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك، وإذا عرضت ولم يقرها المجلسان زال كذلك ما كان لها من قوة القانون.
تفاصيل الجلسة
هذا، وقد استهلت جلسة مجلس الشورى الثامنة بدور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الرابع التي انعقدت برئاسة السيد علي بن صالح الصالح أمس (الاثنين)، بالتصديق على مضبطة الجلسة السابقة، ثم أُبلغ الأعضاء بالرسالة الواردة من رئيس مجلس النواب بخصوص ما انتهى إليه مجلس النواب حول مشروع قانون بتعديل المادة (9) من القانون رقم (11) لسنة 1975 بشأن جوازات السفر، ومشروع قانون بتعديل المادة الرابعة من القانون رقم (3) لسنة 2008 بشأن الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي (المعد في ضوء الاقتراح بقانون المقدم من مجلس النواب).
كما أخطر الأعضاء بإحالة الاقتراح بقانون بشأن تعديل المادة (320) من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976م، والمقدم من العضو نانسي دينا إيلي خضوري إلى لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني مع إخطار لجنة الشئون التشريعية والقانونية.
بعدها انتقل المجلس لمناقشة تقرير لجنة الخدمات بخصوص المرسوم بقانون رقم (32) لسنة 2011م بتعديل البند (هـ) من المادة (42) من القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل.
مواقف موحدة
هذا، وشهدت جلسة مجلس الشورى توحداً في موقف «الشورويين» الذين كانت مداخلاتهم جميعاً تصب في اتجاه رفض المرسوم بقانون المذكور و«الانتصار» لصندوق العمل (تمكين) وتعزيز دوره كهيئة وطنية أثبتت نجاحها في رفد الاقتصاد الوطني والأخذ بيد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة منذ إنشائها في عام 2006.
وأكد أعضاء مجلس الشورى: أن المرسوم بقانون صدر منذ 27 شهراً في 20 سبتمبر 2011، وقد ترك تبعات سلبية منذ نفاذه على تمكين وبرامجها ومشاريعها الطموحة حيث تم خلال السنوات الثلاث الماضية اقتطاع 50% من إيراداتها وإيداعها في الخزينة العامة للدولة.
وأشاروا إلى أن نجاح تمكين في تحقيق أهدافها منذ إنشائها بدليل أن تقرير ديوان الرقابة الإدارية والمالية الذي جاء في مئات الصفحات لم يشِر إليها بأي اتهامات عن فساد مالي وإداري، وإنما أورد بعض الملاحظات عن أدائها في 15 صفحة وجميعها بالإمكان معالجته. وحذروا من أن المرسوم بقانون المذكور هو «بداية نهاية صندوق العمل» بالرغم مما حققه من إنجازات.
وفي تقريرها بخصوص المرسوم بقانون، بينت لجنة الخدمات أنها توافقت مع رأي لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى ورأي مجلس النواب القاضي برفض المرسوم بقانون، الذي يتضمن رفع نسبة الاستقطاع من إيرادات هيئة تنظيم سوق العمل (تمكين) إلى 50% وإيداعها في الخزينة العامة للدولة.
وأشارت إلى أن ثمة مشروعات قد أطلقتها تمكين تتراوح مددها بين 10- 15 سنة، وبلغ مجموع التزاماته من خلال تلك المشاريع 117 مليون دينار وقد أخذ في الاعتبار حصول الصندوق على 80% من الرسوم التي تحصلها هيئة تنظيم سوق العمل وعدم تجميد الرسوم الشهرية خلال 14 شهرا في عامي 2011 و2012.
وذكرت أن تجميد رسوم العمل البالغة 10 دنانير شهريا عن كل عامل منذ أبريل 2011، إضافة إلى تقليص نسبة دخل تمكين من رسوم العمل من 80% إلى 50% سيؤثران في الخطط والبرامج التي يسعى الصندوق إلى تنفيذها.
ورأت اللجنة أن بقاء الصندوق أصبح أكثر ضرورة بالرغم من تعرضه لبعض العثرات جرّاء الأزمة المالية والسياسية، إلا أنه كان له الدور البارز في إنقاذ الكثير من المؤسسات الصغيرة ومساعدتها على تجاوز الأزمة المالية.
ونبهت إلى أن دستور مملكة البحرين قد منح السلطة التشريعية حرية البتّ في المراسيم وفقاً لما تراه مناسباً، لذلك أوصت برفض المرسوم معتبرة أن استمرار سريانه سيؤثرفي خطط تمكين وأهدافها.
من جانبه، رأى رئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية خالد المسقطي أن لمرسوم القانون آثارا سلبية في خفض ميزانية صندوق العمل (تمكين) جراء تخفيض نسبة إيراداته من رسوم سوق العمل، لافتاً إلى الدور الكبير الذي تقوم به تمكين في إعادة هيكلة رأس المال البشري في البحرين من خلال دعم البحرينيين ودعم توجهاتهم الاستثمارية وهي إحدى العوامل الرئيسية في نجاح العملية الإصلاحية في سوق العمل، ونجاح كثير من المؤسسات الصغيرة في البقاء ومواجهة الأزمات بفضل مساعدات وتوجيهات الصندوق.
وتساءل حول المبلغ المخصص للخزينة العامة إذ ليس مفهوما أين سيتم صرف هذه المبالغ، ولا يوجد ضمان بشأن صرفها في مكان محدد، مشيراً إلى أن رفع نسبة حصة الخزانة العامة للدولة من إيرادات هيئة تنظيم سوق العمل من 20% إلى 50% يعني صرف هذه المبالغ في خزانة الدولة أي صرفها في القطاع العام بدلاً من القطاع الخاص، بالرغم من أن هذه الإيرادات هي من القطاع الخاص في أغلبها.
ونبّه إلى التأثيرات الاقتصادية لهذا المرسوم حيث سينخفض مستوى المبالغ المخصصة لدعم المؤسسات الصغيرة، ودعم برامج العمالة المحلية ودعم الشركات، وخفض النفقات المخصصة لتعزيز الإنتاجية العامة في الاقتصاد الوطني.
وأكد أن سوق العمل والمؤسسات الإنتاجية ما تزال بحاجة إلى الدعم والتطوير، محذراً من تأثر هذه المؤسسات والعمالة سلبا في حالة خفض ميزانيتها خاصة أن سوق العمل يعاني من اختلالات هيكلية عدة تجعله عرضة لمشكلات معقدة تتعلق بانخفاض مهارات العمالة الوطنية إزاء ارتفاع عرض المهارات الخارجية. مطالباً بالعمل مستقبلاً على إعادة النظر في نسبة الاقتطاع الحالية لخزينة الدولة وتبلغ 20% بحيث لا يكون هناك أي عبء مالي على الصندوق.
وقالت النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى د. بهية الجشي إنه في حال سريان مرسوم القانون وتخفيض موارد تمكين ستلغى جلّ مشاريعها التي تساعد المؤسسات المتوسطة والصغيرة والحاضنات، موصية بأن تتجه تمكين إلى التدريب بدلا من التوظيف لئلا تتداخل اختصاصاتها باختصاصات بعض الوزارات.
ادوات الرقابة
أما عضو المجلس لولوة العوضي فنبهت إلى ما تتناوله الصحف والناس في مجالسهم بشأن سوء الإدارة في تمكين، مطالبة بتفعيل أدوات الرقابة على مثل هذه المؤسسات التي تمتلك أموالاً طائلة بغرض تحقيق أهداف بعينها.
واعتبر النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو أن ما تم تخصيصه من إيرادات لتمكين يجب أن يبقى، بالنظر إلى الأهداف والمشاريع الطموحة الذي يضطلع هذا الصندوق بتنفيذها.
ورأى أن تمكين قد نجحت نجاحا لافتا في تدريب المواطن البحريني وتمكينه من تحسين إنتاجيته والقدرة على المنافسة في سوق العمل المحلي، بعد رفع كلفة العامل الأجنبي.
ولفت إلى دراسة أعدتها مؤسسة تقييم محايدة أثبتت أن كل دينار تصرفه تمكين يقابله من 5 دنانير إلى 15 دينارا عائد على الاقتصاد الوطني، الأمر الذي يؤكد ضرورة بقاء تمكين واستمرارها.
وأكد أنه ليس هناك حاجة إلى الاقتطاع من الأموال الآتية من القطاع الخاص لتمويل الخزينة العامة للدولة، وإلا فإن ذلك سيعتبر ضريبة على القطاع الخاص.
واعتبرت العضو دلال الزايد أن تمكين تعد إحدى الآليات التي أنشأتها الدولة، لرفد سوق العمل، وقد نجحت بفضل برامجها في تمكين ودعم المرأة من خلال توفير الموارد المالية وتقليل نسب بطالة النساء.
وقالت إن خفض الموارد المالية لتمكين سيثير إشكالية في تنفيذ البرامج المعلنة وفي دعم أصحاب المشاريع الصغيرة، مؤكدة وجوب تفعيل الرقابة عليها وليس تقليص مواردها.
وبيّن رئيس لجنة الخدمات عبدالرحمن عبدالسلام أن تأثر تمكين من المرسوم بقانون سيطول نصف مشاريعها، كما سيؤثر بالسلب في أدائها بشكل عام.
وأشار إلى أن الأخطاء في إدارة تمكين يمكن أن تعالج، لكن يجب ألا تتخذ قرارات يُقضى بها على هذا المشروع الذي يجب أن يتم دعمه بكل الطرق المادية والمعنوية حتى يتمكن من مواصلة دوره في دعم الإنسان والاقتصاد والتنمية المستدامة.
ورأى العضو خالد المؤيد أن الدعم المقدم لتمكين يجب أن يضاعف ولا يقلص، لأنها تقوم بجهود كبيرة في دعم الاقتصاد وبخاصة المؤسسات الصغيرة. مؤكداً أنه إذا كان هناك بعض السلبيات في أدائها ولكن الإيجابيات أكثر.
وفي ختام المداخلات تلك، صوّت مجلس الشورى – نداءً بالاسم- برفض المرسوم بقانون، وإحالته إلى مجلس النواب.