تجار «الفري فيزا» وراء تفشي هذه الظاهرة وهم المسؤول الأول عنها

تختلف المسميات ولكن الظاهرة واحدة! هذا ما يمكن أن يطلق على ظاهرة العمالة السائبة أو قل «العمالة غير النظامية» بلغة الجهات الرسمية في البحرين.

ففي الآونة الأخيرة كثر الحديث وكثرت الشكاوى بل وصلت إلى حد التذمر، لتصبح كارثة كما يسميها التجار الصغار وأصحاب الأعمال والمجتمع بشكل عام، وكيف لا تكون كذلك والناس تعاني الأمرّين والمعاناة تلو الأخرى جراء ملاحقتهم في رزق عيشهم من قبل تلك «العصابات العمالية» التي ما فتأت تسلبهم كل صغيرة وكبيرة، ليشعر هؤلاء الناس من البسطاء وأصحاب الأعمال بأنهم مطاردون ومضطهدون في آنٍ واحد، علاوة على ذلك فإن المظهر العام والحضاري للباعة من الآسيويين في الشوارع وبجانب الإشارات الضوئية وأمام المساجد والطرقات يعكس المشكلة ويفاقم حجم المأساة، وسط مطالبات حثيثة لايجاد حل ناجع لمشكلة العمالة غير النظامية والتي تفاقمت في السنوات الأخيرة لتصبح أمامهم كشبح مرعب!

فبائع الأسماك يشكو، وتاجر الخضار والفواكه يتذمر، وصاحب الانشاءات يكاد يفقد عقله، والباعة في الأسواق الشعبية يزيدون على ألمهم وأوجاعهم وجعاً آخر، فكلما اشتدت عليهم المشكلة وضاق بهم الحال طرقوا أبواب الصحافة وتقدموا بشكاوى لكل جهة رسمية يسكبون عندها ما تبقى لديهم من الصبر والألم، لكنهم يتفاجؤون بأن المشكلة أكبر مما يشكون بكثير، لأن هناك عصابات في الداخل والخارج هي المكون الأساسي والسبب المباشر لتزايد هذه المشكلة.

«الأيام» فتحت هذا الباب على مصراعيه ورافقت الجهات الرسمية في حملة تفتيشية إلى محافظة المحرق بعد مشاركتها حملتها التنفتيشية الأولى بالمحافظة الوسطى والتي لم تكن بأقل من سابقتها من الحملات التفتيشية التي تقوم بها هيئة تنظيم سوق العمل بين فينة وأخرى.

المواطن والقارئ يتساءلان عن المسؤول الأول عن تفاقم هذه الظاهرة، الدولة بأجهزتها الرسمية، أم التجار وأصحاب الأعمال؟ أم أن هناك أيدي خفية وراء ذلك؟ ما هي سبل العلاج والآليات التي وضعت من أجل مكافحة هذه الظاهرة؟ من هو المتضرر الأول والأخير من هذه المشكلة؟ كيف انعكست هذه الظاهرة على الاقتصاد والمجتمع؟

كلها أسئلة وثقت لها العديد من الإجابات من قبل الجهات الرسمية في الدولة وتمت مواجهتها بالأدلة والقرائن على أن الأسباب يشترك فيها الجميع كما الحلول، فكما ان الدولة تلاحق هؤلاء في كل مكان وتعمل ليلاً ونهارا على مكافحة هذه الآفة، فإن أصحاب الأعمال والمنتفعين من تجار (الفري فيزا) يتحملون النصيب الأكبر من هذه المشكلة وهذا ما لمسناه خلال الحملة.

عمالة تجهل أصحاب أعمالها:

«راجوا وعبدالرحيم»، من الجنسية الآسيوية، كلاهما يعملان في بيع الفواكه على أحد الأرصفة بمنطقة البسيتين، قبض عليهما أثناء الحملة التفتيشية بإقامات غيرُ مشروعة ومنتهية منذ فترة طويلة، ولما سألنا أحدهما عن وجوده في البحرين وعن المبلغ الذي دفعه مقابل مجيئه أجاب: «لا أعلم من هو صاحب العمل الذي أعمل عنده، وأنا دفعت 1000 دينار من أجل العمل في البحرين كبائع متجول»!!

أسيوي آخر يدعى «نصير الدين»، (بائع توت) قبض عليه بالقرب من أحد البنوك في المحرق، سألته عن أسباب وجوده هنا فأجاب: «دفعت 1500 دينار من أجل العمل في البحرين.. أرباب ما في معلوم» فتبين من خلال قارئ بيانات هيئة تنظيم سوق العمل بأنه هارب من صاحب عمله وهناك بلاغ مسجل ضده.

بائع ألعاب متجول، صيني الجنسية وجدناه على أحد أرصفة سوق المحرق، ولما حاولنا الحديث معه كان لا ينطق العربية أو الانجليزية، إلا أن ما عرفناه منه بأنه يسكن في منطقة المنامة ويتنقل بائعاً من مكان لآخر، فتم القبض عليه، كونه لا يحمل هوية تثبت شخصه.

10 من العمالة غير النظامية قبض عليها خلال الحملة:

وفي ختام الحملة تم القبض على أربعة من الآسيويين (بنغلاديش)، بالقرب من سوق المحرق المركزي وبالتحديد عند مواقف السيارات المقابلة للسوق؛ هؤلاء الأربعة يعملون في غسيل السيارات، وعملهم يبدأ في الرابعة من كل صباح. سألت أحدهم عن طبيعة عمله وعن صاحب العمل الذي يعمل لديه، فأجابني: «لا أعلم عنه شيئاً، فقط دفعت مبالغ للحصول على الفيزا، وجئت للبحرين للعمل..» آخر يقول «أرباب بيت بديع.. و2000 دينار يشتري فيزا» أي «صاحب العمل الذي أعمل عنده يسكن منطقة البديع، ودفعت ألفين دينار مقابل المجيء للعمل في البحرين».

هذه بعض النماذج والعينات التي شاهدتها خلال الحملة التفتيشية، حيث كان انتقاء العينات خلال الحملة بصورة عشوائية، وقس على ذلك الكثير من النماذج التي ترصدها الجهات المعنية في كل يوم، ويتم ترحيلها لذات الأسباب أو غيرها.

غالبية أولئك الآسيوين كانوا يجهلون أسماء أرباب أعمالهم، وان ما يعرفونه فقط بأنهم عمال (فري فيزا) قدموا للبحرين وخيل لهم من قبل عصابات تبتاع البشر في بلدانهم بأنهم سيعيشون أفضل الأحوال ولن يرجعوا إلى بلدانهم إلا وهم أثرياء، وأخطرتهم تلك العصابات بأن العمل في دول الخليج ما هو إلا مقدمة وباب يدّر الملايين على العامل، ليعيش هؤلاء بين وهمين، وهم العيش وسط كذبة وديَن، ووهم بالوصول إلى الثراء الفاحش!!

تجار (الفري فيزا) الجزء الأكبر من المشكلة:

كنت أتساءل خلال الحملة عن الأسباب الحقيقية لانتشار العمالة غير النظامية في البحرين، وعما اذا كانت هناك آليات لمكافحة هذه الظاهرة، ووقفت على أن المتحايلين على القانون وعلى الأنظمة في المؤسسات الرسمية هم السبب الرئيس وراء تفاقم الظاهرة، فبعض المنتفعين من تجار (الفري فيزا)، يجلبون هؤلاء ويقبضون الثمن، لكنهم سرعان ما يقدمون بلاغات كاذبة للأجهزة الأمنية عن هروب هذا العامل أو ذاك، حتى يخلي هؤلاء مسؤولياتهم مما سيجري أمام المؤسسات الرسمية في حال هرب العامل أو توفي، وفي أحايين كثيرة تقدم البلاغات من أجل الهروب من دفع الرسوم لهيئة تنظيم سوق العمل، أو أن البعض من هؤلاء التجار وفي أحايين كثيرة يلجأ لتحويل العمالة إلى جهة أخرى أو تصحيح أوضاعها اذا وجدت مخالفة، لكن ذلك نادراً ما يحدث.

نظام البصمة كافح هذه الظاهرة:

فبالرغم من ذلك كله إلا ان الجهات الرسمية في البحرين استطاعت بشكل أو بآخر أن تضع حداً لهذه الظاهرة وذلك عبر تضافر الجهود مع وزارتي التجارة والداخلية وهيئة تنظيم سوق العمل من أجل إصدار السجلات التجارية ومراقبة الوضع العام للعمالة واستحداث آليات جديدة من شأنها أن تخفف من حدة هذه الظاهرة، إضافة إلى ان استحداث نظام البصمة للعمال في مطار البحرين الدولي، كان له دور كبير في مكافحة العمالة غير النظامية والتي يتم ترحيلها من البلاد.

11 ألف بلاغ هروب للعمالة غير النظامية:

الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل أسامة العبسي كشف في مقابلة لـ»الأيام» الشهر الماضي مع الزميلين خليل يوسف وأحلام معيوف عن عدد العمالة السائبة قائلاً: «عددهم كبير وهم انواع منهم مسجلون على سجلات لم تعد قائمة، او غير مجددة في وزارة الصناعة والتجارة، وهؤلاء بنحو 30 الفا، وهناك من البحرينيين من استخرجوا سجلات واستقدموا على اساسها عمالا ثم اغلقوا سجلاتهم، وهناك سجلات لم تجدد وعليها عمال، وسجلات غير نشطة، وعموما عدد هذه الفئة بلغت 14390 سجلا مسجل عليها 27 الف عامل بمعدل عاملين اثنين لكل سجل، والعمال الذين عليهم بلاغات ترك عمل 11 الف عامل، وعلينا ان ننتبه الى ان هذا العدد تراكمي قبل انشاء هيئة سوق العمل، وعلينا ان ننتبه مرة اخرى الى ان هناك ظاهرة المتاجرة برخص العمل، والعمالة في سياق هذه الظاهرة أسميها (بالعمالة الهلامية)، فصاحب العمل يأتي بالعامل ويتركه يعمل كيفما يشاء ويستلم منه مبلغا معينا ويدفع عن العامل الرسوم ويجدد له في الموعد المحدد والسجل التجاري قائم، بمعنى كل الامور تبدو سليمة من الظاهر والاتفاق بين صاحب العمل والعامل من الباطن، واعداد هؤلاء العمال يصعب حصرهم، لكن من واقع تجربة التفتيش نجد ان كل 10 عمال من العمال غير النظاميين من بينهم 4 منهم ليس عليهم بلاغات هروب وسجلاتهم قائمة والرسوم عنهم مدفوعة ورسميا يعملون تحت مظلة اصحاب اعمال، وهذه الفئة من العمال نقدرها بنحو 25 الف عامل».

رئيس المفتشين عماد.. قال: «ان أكثر القطاعات التي تنشأ منها العمالة غير النظامية هي قطاع الإنشاءات في البحرين للكثير من الأسباب».

مخاطر المفتشين.. لا بد من تأمينها:

في الجانب الآخر، من يتحمل مسؤولية المخاطر التي يتعرض لها مفتشو البلدية ورجال الأمن ومفتشو هيئة تنظيم سوق العمل عندما يتعرضون إلى الضرب أو الاهانة أو الخطر المحدق ساعة قيامهم بواجبهم تجاه مكافحة هذه الظاهرة؟ وهل هناك علاوات خطر تدفع للموظف تتناسب وحجم الخطر؟ قصص وروايات وشهود عيان كانوا يروون ما جرى عليهم أثناء أداء عملهم.

مفتش في الهيئة قال: «عندما كنا نقوم بعملنا اليومي بإحدى مناطق العاصمة، تم الاعتداء على أحد الموظفين من قبل آسيويين، الأمر الذي أفضى إلى إصابته بكسر في الساق؛ آخر من الموظفين غافله آسيوي وأقفل عليه أحد المحلات وفر هارباً، وبعضهم يصف الوضع بالمزري سيما في دخول هؤلاء للأسواق وبعض الأماكن المكتضة بهذه العمالة، سيما في الأسواق أو المناطق المأهولة؛ الأمر الذي يفاقم من حجم الخطر ليكون أكبر وأشرس، باعتبار أن مفتش الهيئة لديه صفة الضبط القضائي.

مفتشو البلدية يعانون ذات المشكلة:

مفتش بلدية المحرق (ابوخليفة)، يروي لنا قصص مختلفة، ويصف لنا وضع المفتشين في كل يوم ويقول: «ذات مرة كنت على موعد وفي حملة تفتيشية، ولما كنت أقوم بعملي الروتيني في ضبط الباعة المتجولين، غافلني أحد الباعة وهو يحمل سكين ولو لا لطف الله وعناية الاخوان لكنت في خبر كان..»، مفتش آخر من البلدية قال «عندما كنا نؤدي عملنا بأحد الأسواق في ضبط العمالة الجائلة، ولما حاولت ان أقبض على أحدهم دفعني بكل قوة إلى الأرض وفر هارباً، ما أدى لاصابتي برضوض في اليد والساقين».

هؤلاء المفتشين طالبوا الجهات المعنية بتأمين ما يلزم تأمينه لهم عن طريق منحهم علاوات خطر، وأكدوا لـ»الأيام» بأن عملهم لا يقل خطراً عن عمل رجل الأمن ازاء قيامه بواجبه، فهو يواجهون ذات المخاطر التي يتعرض لها سائر العاملين في هذا الجانب.

مشاهدات:

  •  خلال جولتنا بالقرب من سوق المحرق، استوقفنا أحد الزبائن قائلاً: «لقد جئتم صباحاً وشاهدتم بأعينكم ما يتعرض له الباعة البحرينيون وحجم المضايقات التي يعيشها الباعة، ولكن لا بد وأن تضعوا في الحسبان بأن أعداد هذه العمالة تزداد بشكل كبير ما بعد العصر من كل يوم وفي أيام الجمع والعطل.. فلا تقصروا في حملات التفتيش».
  • وفي نهاية الجولة، كانت الصدفة أن تختتم هذه الحملة بحادث بسيط بين سيارتي أحد مفتشي هيئة صندوق العمل وشاحنة تابعة لبلدية المحرق، لكنها جاءت سليمة وبسيطة.