تحقيق: زينب حافظ
منذ ان صدر قانون حرية انتقال العمالة في البحرين والاستياء من تنفيذه من قبل أصحاب الأعمال لا يخفى على احد، تخوفا من انتقال العمالة قبل انتهاء مدة العقد المبرم بينهم، وضياع الجهد والمال المبذول في سبيل استقدامهم إلى مملكة البحرين، بالإضافة إلى الجهد الذي يبذل لتدريبهم، والتخوف الأكبر من قبل أصحاب العمل هو انتقال العامل بما يعرف من اسرار تخص العمل إلى منشأة أخرى.
وإشكالية حرية انتقال العمالة تعانيها الدول الخليجية كافة، وكذلك الدول العربية المصدرة للعمال، إذ أصبحت هي الأخرى تستقبل أعدادا لا بأس بها من العمالة الأجنبية، وخلال هذا التحقيق أكد العديد من المسئولين والوزراء لمجموعة من الدول العربية ان نظام الكفالة عرف وليس قانونا وحان الوقت للتخلص منه لأنه أصبح من مخلفات التاريخ، ولكن هناك أيضا من يرفض إقرار قانون حرية انتقال العمالة لما فيه من أضرار لصاحب العمل ولنظام سوق العمل وهذا ما سوف نلقي عليه الضوء بالتفصيل خلال السطور التالية:
بداية تحدثنا مع وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في الكويت الدكتور محمد محسن العفاسي عن موقفهم من قانون حرية انتقال العمالة، وقد أكد ان دولة الكويت سبقت مملكة البحرين في إصدار هذا القانون منذ سنوات وبشروط بسيطة جدا لا تتعدى مكوث العامل لدى صاحب العمل مدة ثلاث سنوات ثم يصبح من حقه التنقل كما يشاء، والخطوة القادمة هي إلغاء نظام الكفيل لشرائح معينة وبضوابط يتم تحديدها، خاصة ان قانون العمل يعطي العمالة الوطنية والوافدة الحقوق والواجبات نفسها مراعاة لحقوقهم حتى لا يظلم احد، مشيرا إلى أنهم كدولة قانون ومؤسسات يحرصون على إيضاح حقوق وواجبات الأطراف المعنية كافة.
أما بالنسبة إلى موقف أصحاب الأعمال من هذا القانون فيقول: دائما ما يكون لأصحاب الأعمال وجهة نظر تتفق مع مصالحهم، ودائما ما تتعلق بضبط تنقل حرية العمالة، خاصة انهم يبذلون الجهد والمال في سبيل استقدامها، وانتقالهم إلى جهة أخرى قد يربك عملهم ولكننا يجب ان نؤمن للعامل الحصول على حقوقه وألا يعامل بشكل يسيء إلى آدميته، وقد أصرت الحكومة على إصدار القانون رغم وجود بعض التحفظات.
اما خالد الغبيشان عزمي رئيس الاتحاد العام للعمال الكويتي فيقول: دول الخليج كافة تعاني كثرة العمالة الوافدة خاصة العمالة غير العربية، لذلك كان هناك قانون الكفيل الذي هو غير موجود من الأساس لا في الكويت ولا في الدول الخليجية والعربية كافة التي أصبح بها عدد لا بأس به من العمالة الأجنبية، وبالتالي أصبحت تخضع لنظام الكفيل، ولكنه كان قرارا وسار منذ 50 عاما، واليوم بعد مرور تلك السنوات وجب تغييره لأن هذا النظام مخالف للاتفاقيات الدولية ولتنقل الأيدي العاملة، ولذلك هناك اتجاه إلى تصحيح هذا الخطأ، ومؤخرا صدر في الكويت قانون جديد للعمل سوف يتم تفعيله بعد أربعة أشهر من الآن، لا يوجد به شيء اسمه الكفيل، بالعكس أعطى حرية تنقل الأيدي العاملة، واقر الحد الأدنى للأجور وغيرها من أساسيات إرساء قواعد العمل، واختصت المادة الـ 9 من هذا القانون بما يسمى “هيئة إصلاح سوق العمل” وهي المسئولة عن جميع العمالة الأجنبية والوطنية.
ويضيف: وهذه الهيئة أصبحت تقوم بدور صاحب العمل من ناحية جلب العمالة الفنية والمدربة وفقا للمواصفات المطلوبة حسب معايير محددة، ويتم فحصها بشكل جيد، ويتم الاتفاق معها على الشروط كافة من راتب واقامة وما إلى ذلك، ويتم توقيع العقود معهم، والهيئة هي التي تدفع مصاريف جلبهم بالكامل، وتصبح هي المسئولة عنهم وبذلك يستطيع العامل ان يبحث عن وظيفة أفضل وهو يعمل في الهيئة نفسها وبهذا أصبحت كلمة الكفيل من مخلفات التاريخ بما كانت تحمله من وضع مأساوي بالنسبة إلى العمالة.
ويكمل: عندما خرجت هذه الهيئة لإصلاح سوق العمل، كان الغرض منها خدمة صاحب العمل، إذ أصبح يحصل على ما يريد من عمالة، من دون ان يبذل ادنى جهد أو يتكبد أي خسارة مادية في سبيل استقدامها، ولكن نظير ذلك نلزمه بتنفيذ بنود العقد التي اتفقنا عليها مع العامل من الالتزام بتوفير راتبه، والتكفل بإقامته وطعامه وما إلى ذلك، ولذلك ليس من حقه حاليا ان يبقى العامل تحت رحمته عدة سنوات.
ألا يعترض صاحب العمل على إجباره على دفع راتب محدد للعامل؟
هيئة إصلاح سوق العمل مؤسسة إصلاحية، لخدمة صاحب العمل وضمان استقرار العامل، ولذلك وجب تحديد الحد الأدنى للأجور بالنسبة إلى كل مهنة، واقل راتب 200 دولار، ويحصل عليه عامل النظافة، وصاحب العمل لا يظلم في ذلك لأنه يحصل على عامل مدرب على أعلى مستوى وكفالته سوف تكون على هيئة سوق العمل.
فيما تؤكد وزيرة القوى العاملة والهجرة المصرية عائشة عبدالهادي ان الموافقة على استقدام العمالة الأجنبية إلى مصر تخضع لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 الذي ينص على ألا يزيد عدد العمالة الأجنبية العاملة في أي منشأة على 10% من إجمالي العمالة الموجودة بها، وأن يتم الترخيص لهم مدة عام واحد يقومون خلاله بتدريب عمالة محلية لتحل محلهم، وأن يتم استقدامهم على مهن وحرف لا يتوافر فيها البديل المحلي حتى لا يتسبب وجودهم في مزاحمة العمالة الوطنية مع الوضع في الاعتبار المصالح الاقتصادية لتلك المنشآت، خاصة ان مشكلة التشغيل في مصر متعددة الأبعاد والتأثيرات، حيث تؤثر في الشباب من الجنسين بقدر متفاوت، وهو ما يعكس زيادة عدد الشباب المتعلم الذي يعاني البطالة رغم أنه الأفضل تعليماً، هذا في الوقت الذي يعلن فيه أصحاب الأعمال أنهم يواجهون صعوبات في إيجاد العمالة المؤهلة، وتحدي تشغيل الشباب في مصر لا يعني فقط توفير المزيد من فرص العمل وإنما توفير فرص عمل أفضـل.
توطين الوظائف
وأشار نائب وزير العمل السعودي د. عبدالواحد بن خالد الحميد إلى ان العلاقة بين رب العمل والعامل ينظمها العقد الذي يوقعه الطرفان قبل بداية تسلم العامل لعمله، وهذا العقد محدد بفترة معينة، ويلزم كلا الطرفين بأن يقوم بواجبه تجاه الطرف الآخر، وبالتالي فان العامل الذي يحضر إلى المملكة العربية السعودية يكون على ارتباط مع منشأة محددة، أو فرد محدد، هذا في حال العمالة المنزلية، ولذلك لابد ان يفي العامل بالمدة المنصوص عليها في العقد، وليس من حقه الانقطاع عن العمل أو الانتقال لدى صاحب عمل آخر إلا بعد انتهاء هذه المدة، إذ لابد لصاحب العمل ان يستفيد من العامل الذي استقدمه من بلاده وتكبد في سبيل ذلك الكثير من المال والجهد، كما يستفيد العامل من تعاقده مع صاحب العمل.
ويكمل مفسرا كلمة الكفيل فيقول: العلاقة بين الطرفين تفرض على رب العمل التزامات معينة تجاه العامل ومن هنا جاءت الكلمة الشائعة “الكفيل” علما بأنه لا يوجد شيء اسمه نظام الكفيل، ولكن هذه الكلمة تعبر عن الحالة التي يوجد عليها الطرفان، لان رب العمل يكفل حقوق العامل، وبعد انتهاء العقد بينهما بعض الكفلاء لا يحبذون بقاء العمالة، ويفضلون ترحيلهم حفاظا على أسرار العمل التي تحكمها لوائح المؤسسة، وهذه العمالة مؤقتة تأتي إلى البلد لقضاء فترة محددة ثم تعود إلى بلدانها، نظرا لوجود خطة “السعودة” أو توطين الوظائف ومتابعة تطورات سوق العمل.
وعلى الرغم من ان الجمهورية اليمنية تصدر العمالة إلى الخارج، وقانون حرية انتقال العمالة يجيء في صالح العمالة اليمنية التي تعمل خارج اليمن فإن وزيرة العمل اليمنية د. امة الرزاق توافق نائب وزير العمل السعودي في رأيه، إذ تؤكد ضرورة ان ينظم القانون التزام كل من العامل والكفيل بالعلاقة بينهما، حيث ينفذ كل منهما بنود العقد المتفق عليه في الأطر القانونية للدولة، نظرا لان العقد شريعة المتعاقدين، وتشير إلى ان النظام في اليمن أعطى العامل الحق في ان يشكو صاحب العمل إذا اخل بشروط العقد، والوزارة تحاول الإصلاح بينهما، من خلال ما يسمى اللجان التحكيمية، وفي حالة العجز عن التوفيق بينهما يتم ترحيل العامل، كما تؤكد ان العمالة الوافدة إلى اليمن قليلة جدا، نظرا لان اليمن في الأساس تصدر العمالة إلى الخارج.
وتطرقت الرزاق إلى ان حرية انتقال العمالة تتسم ببعض الايجابية، وذلك في حالة التعاقد مع العامل على ممارسة عمل محدد ثم يتم إلزامه بممارسة عمل آخر قد لا يجيده أو لا يتناسب مع قدراته أو قد يكون به إخلال ما بشروط العقد، وهنا يصبح من حق العامل ان يترك وظيفته والبحث عن عمل آخر.
إنسانية العامل
وتعبر صاحبة شركة ديكور ومنسق لجان بغرفة تجارة وصناعة قطر ليلى المنفردي عن رأيها في حرية انتقال العمالة قائلة: أنا مع حرية انتقال العمالة إذ يجب ألا يكون صاحب العمل جلادا يستغل العامل ويتحكم في مصيره، لأنه كانسان يتعامل أيضا مع إنسان، ولكن في الوقت نفسه يجب ألا يستغل العامل هذا القانون في سبيل منافعه الشخصية من دون وجه حق على حساب صاحب العمل، كأن يمضي معه فترة قصيرة ثم يتركه إلى عمل آخر، ولذلك فإن وجود قانون ينظم العلاقة بين أصحاب العمل شيء ضروري كي يلزمهم بعدم سرقة العمالة من بعضهم بعضا، إلا بعد ان يوفوا العقد الذي تم التعاقد عليه، لان حرية الانتقال وان كان ما بها من ايجابيات تصب في صالح العامل إلا ان بها سلبيات أيضا، لان انتقاله لن يضمن له الراحة مع الكفيل الجديد وبالتالي لن يسمح له صاحب العمل الأول بأن يعود إلى عمله، لما في ذلك من حساسيات ونظرا لانعدام ثقة صاحب العمل في هذا العامل، وفي هذه الحالة سوف يظل بلا عمل، مما يؤدي إلى انتشار الفوضى والتسيب ولذلك يجب ان تتضافر جهود صاحب العمل ووزارة العمل، والحكومة والداخلية أيضا لتنظيم وجود العمالة داخل الدولة وتقنين حرية انتقالهم بالطرائق القانونية وعدم السماح لهم بالوجود في الدولة من دون عمل ثابت.
ويوضح رئيس لجنة العمال من دولة قطر يعقوب بوهندي ان تنقل العمال تلقائيا من صاحب عمل إلى آخر من دون موافقة الكفيل، تذهب مباشرة إلى مجلسي الوزراء والشورى، مشيرا إلى انه حتى الآن لم يصدر قانون بشأن إقرار هذا القانون، موضحا ان سلبيات هذا النظام تنحصر في خسارة الكفيل لعامل قد يكون جيدا، أما بالنسبة إلى العامل فبالتأكيد سوف يمثل إصدار هذا القانون مكسبا له لأنه سوف يستفيد براتب أفضل لدى الكفيل الجديد، ومن الطبيعي ان يرفض الكفلاء هذا القانون، لما يسببه لهم من خسارة مصاريف استقدام العمالة وتدريبها على العمل بالإضافة إلى اطلاعها على أسرارهم، ولا اعتقد ان رجال الأعمال سوف يوافقون على هذا المشروع والحكومة تنظر دائما إلى مصلحة العمل والعمال، وصاحب العمل والعامل جزء من الدولة والدولة لا تضع قانونا يظلم احدهما لأنها تراعي مصالح الجميع، وسوف يتم النظر في تنفيذ قانون وسط لمصلحة العامل وصاحب العمل والى الآن لا نعرف ما هي سلبيات صدور القانون ولكن اعتقد ان أصحاب الأعمال لن يوافقوا على إصدار قانون حرية انتقال العمالة، وعموما إذا وفر صاحب العمل للعامل سبل الراحة كافة فلن يجازف بالانتقال لصاحب عمل آخر قد لا يوفق معه.
اما محمد السعدي المستشار القانوني لاتحاد عمال سلطنة عمان فيشير إلى ان انتقال العمالة الوافدة توجد به اشتراطات محددة للطرفين تيسر عملية الانتقال ووزارة القوى العاملة أشرفت على هذا الموضوع وقامت بتوفير كل السبل لتوفير سهولة الانتقال، ولا يعرف متى تم تفعيل هذا القانون على وجه الدقة، ولكن الأصح ان هناك اتفاقات يتم الاتفاق عليها بين الطرفين، وأحيانا تطرح اعتراضات من قبل صاحب العمل نظرا لان انتقال العامل يسبب له خسارة ما، ولكن في النهاية لا يمكن للعامل ان يجبر على تحمل مساوئ رب العمل أو عدم إنصافه له ولذلك يجب ان يعطى العامل حرية الانتقال من دون النظر إلى التكاليف التي تكبدها صاحب العمل بحكم ان هذا العامل أنجز عمله فيجب عدم إجباره على العمل في ظروف سيئة، لأنه بشر والضغط عليه يعد بمثابة احد أنواع القهر والجبر يجب ألا يحدث.
وعن نوعية الشكاوى التي ترد إليهم يقول: كل الإشكاليات التي ترد إلينا لا تتعدى شكوى أصحاب العمل من المصاريف التي قاموا بصرفها لجلب العامل وما إلى ذلك.