عبدالحسن بوحسين
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على سوق العمل في مملكة البحرين والجهود المبذولة من قبل الأطراف المعنية بمعالجة أزمة البطالة، وطبيعة التناسق بين هذه الجهود لتحقيق الأهداف المرسومة، والآليات المتبعة لجعل المواطن الخيار المفضل للتوظيف في القطاع الخاص.
في البداية وجب الإشادة بما تبذله وزارة العمل من جهود ملموسة لوضع المواطن على العمل والتي ساهمت في خفض نسبة البطالة إلى ما يقارب من 4.1 في المئة وفقا لإحصائيات وزارة العمل حيث انخفض عدد العاطلين من حملة الثانوية العامة خلال عام واحد وبنهاية عام 2008 من 6360 عاطلا إلى 1359 عاطلا. الا ان سوق العمل شهد ظاهرتين جديرتين بالاهتمام، الأولى هي نمو قوة العمل الأجنبية بمعدل 10.7 في المئة مقارنة بـ 2.4 في المئة للعمالة الوطنية لتهبط نسبة البحرنة إلى أدنى مستوياتها وهي 22.9 في المئة مع تزايد الفارق في متوسط الأجر لصالح الأجنبي.
وبحسب دراسة الفجوة في المهارات في سوق العمل التي أجرتها مجموعة الين الاستشارية بتكليف من صندوق العمل (تمكين) فقد نمت العمالة الأجنبية بنسبة 106 في المئة بين العام 2002 والعام 2008 وان معظم المكاسب المالية تراكمت لصالح غير البحرينيين.
الظاهرة الثانية تمثلت في زحف البطالة إلى اعلى لتطال مخرجات التعليم العالي مما حدا بوزير العمل، على هامش افتتاحه معرض الوظائف السادس الذي نظمته الوزارة، للتصريح باعتبار ملف العاطلين الجامعيين مشكلة حقيقية بعد ان بلغ عددهم 4500 عاطل.
وقد تنبهت وزارة العمل لهذه الظاهرة الخطيرة فتم تدشين مشروع تأهيل وتوظيف الجامعيين برعاية صاحب السمو الملكي ولي العهد. فما هو الدور الذي تضطلع به مختلف المؤسسات الرسمية بهذا الخصوص؟
ان هيكلة المؤسسات الرسمية المعنية بإصلاح سوق العمل قد أوجدت اكثر من جهة رسمية تتسابق من أجل تحقيق الهدف الرئيسي لقانون اصلاح سوق العمل والمتمثل في جعل المواطن الخيار المفضل للتوظيف في القطاع الخاص. وهذه الأجهزة بالإضافة إلى وزارة العمل هي هيئة تنظيم سوق العمل المعنية بضبط اصدار رخص العمل وتحصيل الرسوم، والتي بلغت حصيلتها 51 مليون دينار في العام 2008، وصندوق العمل (تمكين) والذي كان نصيبه منها 41 مليونا و81 الف دينار.
من الواضح ان تمكين هي الجهة التي تستحوذ على 80 في المئة من الرسوم المحصلة سنويا، وبهذا تصبح الذراع الأقوى والمؤهل لقيادة عملية التوظيف والتأهيل. وبالقاء نظرة فاحصة على الاستراتيجية التي تبنتها تمكين للفترة من 2010 إلى 2014 يتضح ما يلي:
ان تمكين ستعمل على استحداث 3600 وظيفة سنويا، إلا أن خطة العمل المفصلة لاستحداث هذه الوظائف مازالت غير واضحة المعالم عوضا عن كون هذا العدد لا يتناسق ومخرجات التعليم المقدرة بـ 8600 فرد سنويا نصفهم من التعليم العالي، بالإضافة إلى وجود 3600 مواطن في حاجة للتأهيل للدخول في سوق العمل.
وحيث إن تمكين معنية بمواكبة متطلبات الرؤية الاقتصادية حتى العام 2030 فإنها تسعى لدعم الاستثمار الأجنبي المباشر بتسهيل حصوله على التمويل وضمان جزء من القروض وتوفير الكفاءات الوطنية ودعمها بالأجور.
كما تسعى تمكين لدعم وتحسين انتاجية 2900 مؤسسة خاصة سنويا. وقد خصصت تمكين لاستراتجيتها ميزانية تبلغ 250 مليون دينار بواقع خمسين مليونا لكل سنة. وهذه الاستراتيجية التي أعلن عنها في أكتوبر/ تشرين الأول من هذا العام سبقها في يونيو/ حزيران الماضي ما تناقلته الصحف المحلية من عدم قدرة تمكين على تمويل المشروع الوطني لتوظيف الجامعيين بسبب التزامات ارتبط بها الصندوق بموازنة قدرها 52 مليون دينار حتى العام 2010.
وفي الإطار ذاته اعلن رئيس مجلس ادارة صندوق العمل نزار البحارنة في مؤتمر صحافي عقد في نوفمبر/ تشرين الثاني بالتزامن مع اصدار التقرير المتعلق بآخر تطورات نتائج مشروع الخريجيين الجامعيين عن توظيف 1448 جامعيا من ضمن قائمة تمكين التي تضم 1912 جامعيا باحثا عن عمل. أما وكيل وزارة العمل جميل حميدان فقد أعلن في أكتوبر من العام الماضي عن وجود 4500 عاطل جامعي، 80 في المئة منهم من الإناث.
من الواضح أن استراتيجية صندوق العمل شاملة لأهداف تنقصها المعالم والخطط التنفيذية المباشرة وخاصة تلك المعنية بمعالجة البطالة وبإيجاد آلية تنسيق متكاملة مع وزارة العمل لتبني الآلية المناسبة لتوظيف وتدريب العاطلين. فتمكين تتعاقد مع شركات التدقيق والمحاسبة لتنفيذ برامج متنوعة في مجال تأهيل العمالة الوطنية. ومن المعروف ان ادارة الموارد البشرية تختلف في نهجها وآلياتها عن مهام التدقيق والمحاسبة والاستشارات المالية لكونها تخصصا مغايرا وتتطلب مهارات مختلفة.
من جهة أخرى، فإن التوظيف والتدريب مهمتان متكاملتان، وان توظيف العاطل في مؤسسة لا تملك جهازا متخصصا لتنمية الموارد البشرية لن يساهم في استقرار العمل وتأهيل العامل. لكون التخصص المهني في القرن الواحد والعشرين قد فرض نفسه على ادارة الموارد البشرية فأصبح اكتساب المهارات لا تتم بالمعاينة فقط كما كان الوضع عليه في العصور القديمة بل وفق منهجية شاملة من بينها التوصيف الدقيق للعمل ورسم خطة لمسار التدريب والتطوير تتبناها المؤسسة ويسير عليها المتدرب.
وهذا هو المنهج الذي تتبعه الشركات الناجحة والتي أصبحت رافدا ومزودا للاقتصاد الوطني بالمهارات والكفاءات. فإذا ما توجه صندوق العمل لمساعدة مؤسسات القطاع الخاص لتطوير ادارات الموارد البشرية فيها واستحداث البنية التحتية اللازمة لتأهيل الكوادر الوطنية وفق المنهجية المتعارف عليها دوليا فإن تمكين المواطن ليكون الخيار الأفضل سيصبح حقيقة باكتمال عناصر التوظيف والتدريب.
حينها لن يضيع باحث العمل بين لغز البيضة والدجاجة عندما يكون عدم توافر الخبرة مسوغا لرفض توظيفه، وحينها لن يصبح الموظف عائما في مؤسسة لا تدرك آلية استيعابه بقدر ما تدرك الحاجة لاستخدام توظيفه كمبرر لجلب المزيد من العمالة الأجنبية.
لقد أحسنت وزارة العمل صنعا بانشاء مركز للتحليل الوظيفي يلجأ اليه الجامعيون الذين يتم تصنيفهم حسب قدراتهم والتي تتم مقارنتها بالوظائف الشاغرة الواردة لبنك المعلومات من القطاع الخاص. إلاَّ ان عملية التحليل الوظيفي لا تكتمل الا بالتوصيف الصحيح للعمل الذي لا يمكن الاستعاضة عنه بقائمة أسماء الوظائف الشاغرة، لكون الوصف الوظيفي هو الأساس المتعارف عليه لتحديد مستوى ونوع التدريب لمن سيشغل الوظيفة.
وهنا أيضا يأتي دور صندوق العمل لتأهيل العاملين في ادارات شئون الأفراد بمؤسسات القطاع الخاص على طرق التوصيف اللازمة للتدريب.
ختاما فإن التداخل والازدواجية وتعدد الأجهزة الرسمية لا يسهل من اجراءات إصلاح سوق العمل لأنها تفرض على مؤسسات القطاع الخاص والباحثين عن العمل التعامل مع مؤسسات رسمية مختلفة مما يربك اجراءات العمل ويوفر احصائيات متضاربة. وبالمثل فان فصل عملية التوظيف عن التدريب لا يستقيم لأنهما توأمان بمعيار إدارة المصادر البشرية، وإن كانا ليسا كذلك بمعيار التدقيق والمحاسبة.
فلكي يتدرب المواطن لابد من توظيفه اولا، ولكي تنجح مهمة اكتساب المهارات في المؤسسة الواحدة لابد من توافر نظام فعال لإدارة شئون الافراد يجعل من توصيف العمل أساسا لوضع مسارات وخطط التدرج المهني. وعندما تساعد تمكين القطاع الخاص على خلق بنية تحتية كهذه تكون حينها قد ضمنت النجاح لجعل المواطن الخيار الأول في التوظيف.