اتجاهات
فيصل الشيخ
21 ديسمبر 2009
في الوقت الذي نقول فيه بأننا قضينا بنسبة كبيرة على مشكلة البطالة، نجد في جانب آخر مواطنين عاطلين عن العمل، يسيرون أمور حياتهم اليومية عبر ما يتحصلون عليه من علاوة التأمين ضد التعطل (الـ 1٪ المقتطعة شهرياً من رواتب الموظفين سواء في القطاع العام أو الخاص)
بانتظار الحصول على وظيفة مناسبة من خلال برنامج الوظائف الذي تقدمه وزارة العمل، وسط ما يتردد على لسان العديدين ممن يبحثون عن وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم بأن ما يعرض خلاف ذلك، فلا علاقة بالمؤهل فيما يعرض، حتى أن الحديث مؤخراً تركز على طرح وظائف في محلات للوجبات السريعة.
في ظل كل هذا، أستذكر كلاماً لقادة البلد حول اعتبار الإنسان البحريني المواطن هو ثروة هذا البلد، وأن العمل لابد وأن يتركز على تقديم أفضل الخدمات له، سواء من ناحية التعليم والصحة والتوظيف وغيرها من الأمور. في إحدى إجاباته لمجلة ”المجلة” السعودية بشأن العمالة الوافدة قال سمو رئيس الوزراء حفظه الله بالنص: ”نحن هنا في البحرين نحرص على أن تكون العمالة الوطنية دائماً في الصدارة، وهناك جهود تبذل في هذا الصدد لإصلاح سوق العمل لجعل العمالة الوطنية الخيار الأفضل من خلال تأهيلها وتدريبها، لأن أهل الوطن أولى بخيراته”.
كلام رئيس الوزراء واضح تماماً ويعكس توجه الحكومة بشأن جعل العمالة الوطنية الخيار الأول، وهذا الهدف بالتحديد هو ما تركز عليه الحكومة دائماً ومجلس التنمية الاقتصادية بقيادة سمو ولي العهد، طبعاً بالاستناد على توجيهات جلالة الملك الحريص أشد الحرص على تهيئة السبل للمواطن البحريني ليكون عنصراً فاعلاً في بناء المجتمع، بدليل أن جلالة الملك دائماً ما يتطرق لمشكلة البطالة والسعي لحلها بالتركيز على الثروة التي تمتلكها البحرين ممثلة بأبنائها.
بعد كل هذه المعطيات، من البديهي أن نستغرب ما تطالعنا به نتائج استطلاع قام به البنك البريطاني العالمي (أتش اس بي سي) التي تشير لكون مملكة البحرين على رأس قائمة أكثر الأماكن ترحيباً بالعمالة الأجنبية على مستوى العالم. الاستطلاع يبين بأن البحرين تفوقت على كندا التي اعتلت ترتيب العام الماضي وتراجعت هذا العام للمرتبة الثانية، كما بين بأن البحرين حصلت على درجات عالية من العمالة الوافدة لديها التي سجلت إعجابها بالتسهيلات التي تقدمها البحرين للعمالة الأجنبية سواء من ناحية الرعاية الصحية والسكن اللائق ذي الأسعار المعقولة وشبكة الفئات الاجتماعية التي يمكن للمغتربين الانضمام لها، إضافة إلى إمكانية جلبهم أسرهم وفرصة ”الاستقرار في بلد جديد” وتحصلهم على حياة نوعية أفضل مما كانوا يتحصلون عليها في بلدانهم الأصلية، وهنا ضعوا ألف خط تحت جملة ”الاستقرار في بلد جديد”.
قبل شهرين تحديداً نشرت تصريحات تشير لتجاوز عدد الأجانب الموجودين في المملكة لعدد المواطنين، ويومها ذكرنا بأن هذه الزيادة تصب في اتجاه زيادة العمالة الأجنبية بشكل مفرط به، ويأتي استطلاع البنك البريطاني اليوم ليؤكد أننا بالفعل تحولنا لمقصد للعمالة الأجنبية خاصة من يريد تغيير وضعه ويحسن من مستواه المعيشي، والأخطر لمن يبحث عن ”الاستقرار في بلد جديد”.
وزير العمل ورئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل الدكتور مجيد العلوي صرح هذا العام خلال تدشين تقرير التنمية البشرية لعام 2009 بأن مفهوم العمالة المهاجرة لا ينطبق على البحرين باعتبار أن العمالة الوافدة لها عدد من الحقوق المدنية والسياسية في الدولة المستقبلة، في حين أن العمالة الأجنبية في البحرين هي عمالة وافدة تنتهي أحقيتها في البقاء مع انتهاء عقد عملها.
ما يفهم من حديث المسئول بأن عدد العمالة الوافدة الذي تجاوز عدد سكان البحرين هو عدد مؤقت يفترض أن ينقص باعتبار أن هذه العمالة مؤقتة، لكن ما يلمس على أرض الواقع بأن بعض القوانين تمضي لتعزز مسألة بقاء العمالة لأطول فترة ممكنة، إذ قانون انتقال العامل يمكن من خلاله تأمين بقاء العامل الذي يريد أن يعمل حتى يشيخ ويموت في البحرين لأطول فترة ممكنة، في مقابل ذلك لا أحد يلحظ نقصان الأعداد بل زيادتها، الأمر الذي مازال يبعث الإحباط في قلوب المواطنين خاصة من يبحثون عن فرص عمل تتوافق مع مؤهلاتهم وتؤمن لهم العيش الكريم. حين يصل عدد العمالة لأكثر من عدد السكان، وحين تتبوأ البحرين المرتبة الأولى على مستوى الدول المرحبة بالعمالة الوافدة، فإن ناقوس الخطر لابد وأن يدق، إذ كل هذا يحصل على حساب المواطن البحريني المفترض أن تكون له الأولوية في تحسين مستواه المعيشي عبر تعدد فرص التوظيف والحصول على عمل لائق. هنا على المعنيين بهذه المسألة أن تتلاقى خطوات عملهم مع ما يدعو له قادة البلاد بشأن وضع البحريني في موقع الأولوية في كل شيء وعدم تفضيل أحد آخر عليه، فأهل البلد هم الأولى بخيراتها.
حين نقول بأننا قضينا على البطالة هل نعني بذلك أننا وظفنا كل عاطل عن العمل في الموقع الذي يناسبه، أم أننا سددنا الشواغر أياً كانت بالعاطلين بغض النظر عن موائمتها لهم لتكون لدينا نسبة قريبة من الصفر؟! إجابة هذا السؤال تشكل فارقاً كبيراً هنا.