الوقت – حسين سبت:
الحادي من أغسطس/آب الماضي كانت البحرين على موعد لتفعيل المادّة (25) من قانون سوق العمل بعد تجميد استمرّ لثلاث سنوات بسبب الاعتراض الشديد الذي أبداه التّجار وأصحاب الأعمال على مضمون الماّدة التي تبيح للعامل الأجنبي حريّة الانتقال من صاحب عملٍ لآخر حسب ضوابط حدّدها القانون نفسه.
ثلاث سنوات مرّت دون الوصول إلى توافق بشأن المادّة، ففي كل مرّة تحدّد الهيئة تاريخاً ”لتفعيل المادّة” يرفع التّجار أصواتهم الاحتجاجية عالياَ محذّرين ممّا يسمّونه العواقب الوخيمة التي ستنتج من التفعيل، الأمر الذي يفضي إلى تأجيل التنفيذ، ولكن الأوّل من أغسطس/آب الماضي كان حاسماً، فعلى الرغم من تكثيف أصحاب الأعمال لفعالياتهم الاحتجاجية التي تمثّلت في الاعتصام الأسبوعي أمام هيئة تنظيم سوق العمل، إلاّ أن الأخيرة أصرّت على التفعيل.
ولكن ضغوط ”أصحاب الأعمال” كانت قد أفضت إلى تشكيل لجنة رباعية من أطراف سوق العمل ”وزارة العمل، هيئة تنظيم سوق العمل، الاتحاد العام لنقابات عمّال البحرين، وغرفة تجارة وصناعة البحرين”، وقد أوكل لها مهمّة الوصول إلى توافقات بين أطراف سوق العمل بشأن وضع ضوابط لانتقال العامل الأجنبي، وحتى نهاية يوليو/تموز لم تتوصّل اللجنة إلى حلول توافقية بشأن ذلك.
تم تفعيل محتوى المادّة على الرغم من احتاجاجات أصحاب الأعمال، وتداولت ”وكالات أنباء أقليمية وعالمية” نبأ ”تحرير العامل الأجنبي” من قبضة ”صاحب العمل”، واعتبره محلّلون اقتصاديون واجتماعيون يوماً لتحرير العمالة الأجنبية من العبودية التي زخر بها المجتمع الخليجي طوال السنوات السابقة، إلاّ أن لأصحاب الأعمال موقفاً آخر في ذلك اليوم، حيث علّق بعضهم شارات سوداء على محالهم التجارية، وذلك بعد أن قاموا بإغلاقها يوماً كاملاً احتجاجاً على ذلك.
بعد شهر كامل على التطبيق اجتمع مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل برئاسة وزير العمل مجيد العلوي، كان على رأس موضوعات الاجتماع النتائج التي توصّلت لها اللجنة الرباعية بشأن ”حرية انتقال العامل الأجنبي”، وقد أفضى الاجتماع إلى إقرار توصية اللجنة الرباعية بشأن ”مراقبة تطبيق قرار حرية انتقال العامل الأجنبي، ووضع مؤشرات لرصد تأثيرات حرية انتقال العامل الأجنبي وتقديم تقرير بشأن الآثار السلبية والإيجابية المترتبة على القرار”.
مرت الآن 3 أشهر على تطبيق القرار، إلاّ أن تغيرات حقيقية في سوق العمل على خلفية القرار لم تتّضح بعد بحسب مدير العلاقات العامة والإعلام بهيئة تنظيم سوق العمل وحيد البلوشي، حيث قال في حديث لـ”الوقت” بشأن ذلك ”حتى الآن فإن القرار لم يغيّر في تدفّق العمّال الأجانب من وإلى أصحاب الأعمال فالمعدّل ثابت، ولا يوجد قراءات تشير إلى عكس ذلك، أو إلى تخلخل أو ارتباك في سوق العمل، ومع ذلك فإن الهيئة تنظر عن كثب عن طريق اللجنة الرباعية وترصد أية تغيّرات وكيفية التعامل معها”.
وحول حركة انتقال العمالة الأجنبية أوضح البلوشي أن ”القرار يضع آليات وطرائق وضوابط تنظّم عملية الانتقال وفق أطر قانونية واضحة، حيث يتوجّب على العامل الذي يرغب في الانتقال إلى رب عمل جديد أن يرسل رسالة بالبريد المسجّل وهي عبارة عن إخطار لصاحب العمل الذي يعمل لديه بشأن إنهاء عقد عمله أو تقديم استقالته، ويجب أن يكون ذلك قبل ثلاثة أشهر من موعد خروجه من العمل”. وأضاف ”في حال وافق صاحب العمل فإن العملية تتم بانسيابية، أما في حال وقوع خلاف فإن إدارة هيئة تنظيم سوق العمل تتدخّل لحسم الموضوع والنظر في موضوع الانتقال ومدى استيفائه للشروط والآليات القانونية المتّبعة”.
كما أشار إلى ”أن العامل الذي يرغب بالانتقال إلى صاحب عمل جديد فيجب أن يكون ذلك قبل 30 يوماً من تاريخ انتهاء عقد تصريح عمله في البحرين، فلا يجوز لعامل أن يأتي في الشهر الأخير من انتهاء تصريح عمله ويطلب الانتقال إلى صاحب عمل جديد”.
ونوّه البلوشي إلى حالةٍ أخرى يجوز للعامل الأجنبي الانتقال فيها إلى صاحب عمل جديد، وذلك في حال تم إلغاء تصريح عمله قبل انتهاء مدة التصريح، ففي هذه الحالة ينبغي للعامل أن يأتي للهيئة خلال خمسة أيام عمل من علمه بالإلغاء، ويبدي رغبته في الانتقال، وبدورها تعطيه الهيئة مهلة 30 يوماً للانتقال إلى صاحب عمل جديد حسب القانون.
كما أكّد في ذات السياق على عدم وجود أي ”تغيير حقيقي في وضع سوق العمل بعد تطبيق القانون (…) فمثلاً بلغ عدد تراخيص العمالة منذ1 أغسطس/آب وحتى الخامس من الشهر الماضي 12895 ترخيصاً، وهو عدد اعتيادي وطبيعي في سوق العمل”.
ونوّه البلوشي إلى أن ”القرار ما زال غير واضح بالنسبة للكثير من العمّال الأجانب، حيث يجهل أغلبهم آليات الانتقال”.
كما أوضح بأن ”الكثير من العمالة السائبة التي لا تملك ترخيصاً للعمل أو انتهى ترخيصها ظنّت أن باستطاعتها أن تأتي للهيئة وتطلب الانتقال إلى صاحب عمل جديد، ولكن ذلك غير ممكن فوجود هؤلاء في البحرين غير قانوني”.
اللجنة الرباعية لم تجتمع
من جهتها فإن اللجنة الرباعية ومنذ تكليفها في 31 أغسطس/آب الماضي بوضع مؤشرات لدراسة وضع سوق العمل عقب تطبيق ”حرية انتقال العامل الأجنبي” لم تجتمع بعد، ولا يتوقّع الكثير من المتابعين أن تخرج اللجنة بعد المهلة التي أعطاها إيّاها مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل (حتى نهاية ديسمبر المقبل) بأي جديد على مستوى الضوابط التي يطالب التّجار بتضمينها في القانون بشأن انتقال العامل الأجنبي.
أما أهم الضوابط التي يطالب بها التّجار فتتمثّل في ”أن تكون نصوص عقد العمل المبرم بين الطرفين هي المعيار الذي تستند عليه الجهات المعنية في هيئة سوق العمل ووزارة العمل للسماح بتنقل العمالة (…) مع وجود عقد عمل موقع بين الطرفين ومحدد المدة بسنتين فيجب رفض طلب الانتقال تلقائياً من قبل هيئة تنظيم السوق على أن يسمح بالانتقال بعد ذلك بشرط إخطار صاحب العمل كتابياً بمدة 3 أشهر”.
كما يطالب التّجار بأن ”تشمل قواعد السماح لانتقال العمالة حق صاحب العمل باسترداد ما صرفه من رسوم ومصاريف استقدام وغيرها، نسبة وتناسباً متى ما وجد في عقد العمل تفصيل محدد لهذه الكلفة”، وبـ”ألاّ يسمح بالانتقال إلى صاحب عمل جديد منافس إلا بعد مضي ما لا يقل عن 12 شهراً من تركه العمل الأول، على أن يتم الاتفاق على وضع قواعد للمهن والمؤسسات التي يمكن اعتبارها عملاً منافساً”.
ويطالبون أيضاً ”بأن يكون صاحب العمل الجديد الذي ينتقل إليه العامل مرت على مزاولته للعمل حسب السجل التجاري فترة لا تقل عن 12 شهراً، وذلك لحماية السوق المحلي من مزيد من التستر التجاري واحتمال زيادة عدد العمالة السائبة”.
كما اقترحوا ”ضرورة وجود سجل عن كل عامل ينتقل من صاحب عمل إلى آخر بحيث لا يسمح بتكرار عملية الانتقال عدة مرات في فترات متقاربة وفي السنة الواحدة لضمان عدم الإخلال بسوق العمل”.
من جانبهم أقرّ النوّاب مؤخراً مقترحاً برغبة بصفة الاستعجال يقضي بتأجيل البت في قرار انتقال العامل الأجنبي، وهو الأمر الذي تحفظت عليه هيئة تنظيم سوق العمل، حيث أشارت إلى أن القانون رقم ””19 للعام 2006 بشأن تنظيم سوق العمل كفل حق العامل الأجنبي في الانتقال من دون موافقة صاحب العمل للعمل لدى صاحب عمل آخر، وألزم مجلس إدارة الهيئة إصدار قرار ينظم إجراءات هذا الانتقال.