كلمة أخيرة
سوسن الشاعر
واحد من أجنحة المشروع الإصلاحي الاقتصادي هو صندوق العمل، والفكرة الأولية كانت تقضي باستقلالية هذه المؤسسة تماماً مثل هيئة ضمان الجودة وغيرها من الهيئات التي ستنشأ لإدارة السوق بعيداً عن المظلة الحكومية، لكن الممانعة كانت أقوى من اتجاه الاستقلالية ونجحت في إقحام التأثير الحكومي في هذه المؤسسة وبقية المؤسسات، ونجح لوبي النواب الموالي للحكومة بإقحام وزير في كل هيئة وبصندوق العمل بالذات بحجة الرقابة المالية على أموال الصندوق رغم أن أموال الصندوق معظمها إن لم تكن كلها من السوق لا من مال الحكومة وبالتحديد من الرسوم المحصلة من هيئة تنظيم سوق العمل، ثم نجح اللوبي في منح مقعدين من المقاعد التسعة المخصصة لمجلس الإدارة للحكومة، وأخذ مجلس التنمية مقعداً من التسعة والستة الباقية توزعت بين ثلاثة لغرفة التجارة واثنين للنقابة العمالية وواحد لجمعية المصرفيين. وحتى مع هذا التراجع بقيت الكلمة الأخيرة لمجلس إدارة الصندوق في كيفية صرف الأموال وتخصيصها للبرامج التي تحقق الأهداف الأساسية واحتياجات السوق، وهي جعل البحريني مرغوباً في العمل لا مفروضاً على جهة العمل، ولأنها -بصراحة- أموال التجار والمقاولين والشركات والمؤسسات وهم من لهم الحق في كيفية صرفها، فإن سمحنا اليوم لوزير أن يتدخل في كيفية الصرف -حتى وإن كان محقاً في تلك الكيفية- إلا أن مبدأ تدخله مرفوض، وفيه تجاوز للقانون (ما أكثر ما نتجاوز القانون يا دولة القانون)!! فإننا سنسمح لغيره أيضاً أن يتدخل وتنعدم الثقة وينعدم المفهوم العام للاستقلالية. إذ حتى لو كانت نوايا الدكتور مجيد العلوي حسنة حين طلب ميزانية من أجل توظيف الجامعين العاطلين في محاولة لإيجاد مخارج لهم وسعى لتوظيفهم -ونحن معه في ضرورة البحث عن حل لمعضلتهم- إنما لا يجوز أن يتم ذلك بتجاوز القانون وفرض الكيفية التي يراها الوزير مناسبة على مجلس الإدارة بقرارات فوقية. لا يجوز أن يستخدم الوزير سلطته من أجل فرض رؤيته على المجلس ويرغمهم على قبولها؟ غداً وزير التربية له رؤية وعنده مشاكل يريد حلها والميزانية لا تسعفه، ومن بعده وزير المواصلات ومن ثم وزير الإعلام والحبل سيجر، فإذا قبلناها من وزير فإننا سنفتح الباب للبقية. كافٍ ما لحق بالمشروع الاقتصادي من تراجع أرغم على قبوله تحت ضغط وشدة المقاومة، فلا نأتي على البقية الباقية من فلسفة ومفهوم المشروع الذي يرتكز على أن يكون السوق هو المحرك الأساسي للاقتصاد ويعتمد على استقلالية قراره وعدم التدخل فيه وننسفه من أساسه. لم يقل أحد أن يبعد الدور الحكومي ويستبعد تماماً، ليكن له دور المنظم ودور المراقب، إنما لا نريد أن نعود للمربع رقم واحد حيث الدولة هي التي تسقينا وتشفينا وترعانا وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة.