اتجاهات
فيصل الشيخ
لن أتشعب في الحديث هنا عن قرار إلغاء نظام الكفيل الذي يثير جدلاً واسعاً هذه الأيام ويلقى ردود فعل أغلبها متخوف من إقرار هذا القانون، بل الحديث يفرض نفسه هنا عن العمالة السائبة التي باتت سمة بارزة في البحرين وفي بعض البؤر المعروفة بأنها تجمع لعمال ”الفري فيزا”. لدينا وزارة كانت معنية بالقضاء على هذه الظاهرة، وتداخلت معها الآن هيئة تنظيم سوق العمل، إلا أن الملاحظ استمرار هذه الظاهرة، بل تزايدها في بعض المناطق وبطريقة ”عيني عينك”، في وقت نتساءل فيه عن غياب الحملات التفتيشية الصارمة، وعن الإحصائيات الدورية التي تشير أرقامها إلى جدية محاربة هذه الظاهرة.
بالأمس فقط، هاتفني أحد المواطنين متحدثاً بحرقة عما يحصل في ممشى عراد بسبب العمالة السائبة.
يقول الأخ بأن الممشى الذي أنشئ لأجل استخدام المواطنين وعائلاتهم يتحول في المساء إلى نقطة تجمع لهؤلاء العمال الذين يدورون حاملين أدوات غسيل السيارات ويعسكرون في منطقة الممشى بطريقة غير حضارية لاصطياد أي سيارة قادمة يلوحون لقائدها إن كانت لديه نية في غسيل سريع لها لا يتعدى العشرين دقيقة مقابل دينار واحد. تخيلوا الممشى الذي يستخدمه المواطنون يعج بأكثر من عشرين عاملاً، والناس هناك يعتريها الاستياء، وأولياء الأمور يتخوفون من وجود أبنائهم وخاصة فتياتهم في المكان، بل يقول الأخ المتصل بأنه من الاستحالة أن تنعم بأجواء هادئة في ظل تكدس هذا الكم من العمال، والذين بعضهم بالتأكيد يندرجون تحت تصنيف عمال ”الفري فيزا”، وبعضهم الآخر لديهم أعمالهم الصباحية سواء في قطاع الإنشاءات وغيرها، وفي الفترة المسائية يعملون في هذه الصنعة بغية الحصول على المزيد من المال.
يمضي الأخ المتصل ليقول: تخيل عدد الدراجات الهوائية الخاصة بهذه العمالة، والتي تتواجد في هذه المنطقة! ويضيف: بعض الدراجات تجد فيها أشياء غريبة معلقة، إذ هل تتخيل وجود ”منجل” يستخدم في قطع النباتات والأعشاب في أحد الدراجات، بل يتدلى منها بصورة واضحة؟! حملات التفتيش على هذه العمالة لا أثر لها، وهذا الموقع (ممشى عراد) ليس الوحيد الذي يمكن ملاحظة هذه الظاهرة فيه، إذ أغلب المواطنين يعرفون أماكن عديدة ما أن توقف سيارتك حتى يهرع إليك أكثر من عامل آسيوي يسألك إن كنت تريد غسل سيارتك.
حتى دوريات المرور، بحسب المتصل، لا تتواجد بكثافة، ويقول هنا: نتذكر ما كان يحصل في السابق حين كنا صغاراً، يوم كنا نخرج في الشوارع بدراجاتنا الهوائية ونلمح دورية مرورية فنخاف أن تتم مصادرة دراجاتنا.
واليوم أغلب دراجات هذه العمالة تكون مركونة في أماكن تجمع للناس، وبعضها لا اشتراطات سلامة فيها، وبعضها تحمل فيها أدوات غريبة كالمنجل على سبيل المثال.
ويتساءل: ألا يفترض أن تكون الجهات المسؤولة أكثر حزماً في هذا الشأن، خاصة فيما يتعلق بالأماكن العامة.
هذه ملاحظة من قارئ تحدث معي بحرقة بالأمس، وعدته بإيصال صوته للمسؤولين، ثقة بوجود تحركات في هذا الشأن.
إذ تكفي زيارة لبعض المواقع التي تتضمن مثل هذه الظاهرة لمعرفة مدى تفشيها، والصورة غير الحضارية التي تفرزها.
أما بشأن عمالة ”الفري فيزا”، فهنا نتمنى أن تكون هناك بالفعل تحركات جادة من الجهات المسؤولة سواء وزارة العمل أو هيئة تنظيم سوق العمل، إذ من غير المعقول أن نتفاخر بالقضاء على البطالة ونعتبرها إنجازاً يصب في رصيد بعض المسؤولين (رغم أنه ما كان لتتحقق لولا الاستقطاع من رواتب الناس، لا باستراتيجية حقيقية لا تفرض ضريبة على الناس)، أقول من غير المعقول أن نتفاخر بذلك في حين العمالة السائبة واضحة في البلد، بل باتت توجد أحياء معينة في ”دواعيسها” تتكدس شلل وجماعات تعمل في كل الأعمال مخالفة للقوانين.
خذوا على سبيل المثال ظاهرة خدم المنازل، إذ بعد أن كانت الأسر تجلب خادمة من الخارج مقابل مبالغ تبدأ من 40 ديناراً وتصل إلى 75 ديناراً، نجد أن الحال تغير بسبب ظاهرة ”الفري فيزا”، إذ في أحد الأمثلة خادمة أنهت فترتها وعادت لبلادها، لا تمضي فترة حتى تعود مجدداً لتعمل كخادمة ”فري فيزا”، بمعنى أنها لا تستقر في منزل واحد، بل تعمل ”بالساعة”.
وهنا لنأتي لنحسبها، إن كانت الخادمة ستعمل في خمسة بيوت في اليوم بواقع ساعة لكل بيت، وتتحصل مقابل ذلك على 25 ديناراً شهرياً، ذلك يعني أنها ستعمل في 30 بيتاً كل بيت تتحصل منه على 25 ديناراً، ما يعني 750 ديناراً شهرياً، طبعاً مع منحها لنفسها إجازة أسبوعية، ولو عملت فيها لزاد مدخولها إلى 875 ديناراً!! لا أبالغ هنا، أو أخترع أشياء من نسج الخيال، إذ يكفي سؤال الناس عن صحة كل هذا، وهل بالفعل لدينا مشكلة في العمالة السائبة وظاهرة ”الفري فيزا”؟! البطولة بأن نقضي على مثل هذه الظواهر الخاطئة والتي تشوه شكل البلد، والتي تبين بأن حتى القوانين لدينا يمكن القفز عليها، إن ضعف الاهتمام وغابت الرقابة.
معقولة خادمة ”فري فيزا” مدخولها الشهري أكثر من متوسط رواتب الشعب؟! من المسؤول عما يحصل هنا يا جماعة.
اتجاه معاكس: ؟ الدولة مضطرة لأن تقترض ما يقارب الـ450 مليوناً لتغطية العجز في موازنة ,2009 في وقت تم فيه إقرار تقاعد النواب وزيادة كبار مسؤولي الدولة، والقلق الآن من تحريك ملف زيادة رواتب البرلمانيين في دور الانعقاد القادم.
نعاني من عجز واضح لكن مشاريع ”زيادة العبء على الميزانية” تتواصل.
لا نريد أن نكدر المواطنين، لكن نخشى أن تكون مسألة زيادة رواتب الناس حلماً يستحيل تحقيقه في القريب العاجل.