بقلم: حسن محمد زين العابدين
تحاول عناصر الإنتاج في أي مجتمع العمل معا لدفع عجلة النمو والتقدم فيه، ولا يمكن إنجاز أي نمو وتقدم من دون ذلك. وبناء عليه على جميع الأطراف توفير المناخ المناسب ومحاولة إيجاد آلية تستطيع هذه العناصر الإنتاج بكامل قواها بل وإعطاء المزيد من الإنتاج لمصلحة البلاد.
وإذا ما أصبح هناك خلل أو خلاف بين أي عنصر من عناصر الإنتاج فإنه يسبب خسارة كبيرة للاقتصاد الوطني وبالتالي يتأثر النمو والتقدم.
لقد كان قرار انتقال العمالة الأجنبية (إلغاء الكفيل) مثار جدل ونقاش ليس بين عناصر الإنتاج فحسب بل في المجتمع بكل شرائحه وأطرافه في الآونة الأخيرة.
إن مناقشة هادئة وهادفة في هذا الموضوع قد تكون بوابة إلى تفاهم مشترك أو إيجاد آلية مناسبة تراعي جميع المصالح وحقوق الكل.
لقد قيل الكثير وكتب الكثير بل تجنى البعض على الآخرين ليس خدمة للهدف المنشود أو لإثبات الفكرة أو الطرح إنما لغرض في نفس يعقوب.. بل إننا وجدنا في بعض هذه الاطروحات أدبيات ومفردات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي التي عفى عليها الدهر والزمن.
وبالنظر إلى قرار انتقال العمالة الأجنبية (إلغاء الكفيل) فإننا نجد أننا ألغينا وشطبنا بندين أساسيين منذ البداية.
البند الأول: بند قانوني.
البند الثاني: بند اقتصادي.
البند الأول: البند القانوني
يتساءل المرء بل يتعجب من لديه إلمام بالقانون، كيف نلغي مبدءا قانونيا وأساسيا معترفا به عالميا وهو مبدأ دستوري مطبق ومعروف مبدأ (العقد شريعة المتعاقدين).
فإذا وقع صاحب العمل عقدا مع عامل ما أو موظف ما ويحتوي العقد على جميع عناصر العمل والحقوق والواجبات، وعن رضى وإدراك وموافقة الطرفين، كيف يلغي قرار انتقال العمالة الأجنبية (إلغاء الكفيل) هذا المبدأ القانوني الأساسي وهو مبدأ دستوري، فإذا ما أردنا أن نأخذ رأيا قانونيا أو دستوريا حول هذا الموضوع فإن الرد سوف يكون بإثبات العقد الموقع ولا يمكن بأي حال من الأحوال إلغاء هذا العقد طالما ليس هناك غش أو إكراه أو قوة بين الموقعين على العقد.
أما إذا كنا نتكلم عن العقد الذي بنى أساسه على باطل من حيث الغش -القوة- الإكراه فإن هذا يصبح باطلا بحكم القانون وبالتالي أي عقد أبرم وفقا على ذلك يصبح باطلا.
لذا فإن العقد المبرم الصحيح لا يمكن إلغاؤه بأي سبب وفقا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين.
وهكذا تماشيا مع المنطق السابق وحتى تنتظم السوق ويسود القانون فإن جميع العقود عقد الاقراض – عقد الرهن – عقد البيع – عقد الإيجار وغيرها عقود سارية المفعول وسائدة ومعترف بها ولا يمكن إلغاؤها إلا في الحالات التي ذكرتها.
من هنا يمكن القول إن العامل الأجنبي الذي وقع عقدا للعمل من موطنه وبين صاحب عمل بحريني لا يستطيع أحد إنكاره أو إلغاءه إلا بحكم القانون وعندما يخل أي طرف بحق ومسئولية الطرف الآخر، هنا يتدخل القانون ويضع حدا لهذا الخلل مما يستوجب إلغاء العقد ما دون ذلك فإن مبدأ العقد شريعة المتعاقدين يحكم وينظم العلاقة بين الطرفين.
وهنا نجد أن قرار انتقال العمالة الأجنبية (إلغاء الكفيل) غير قانوني يتعارض مع مبدأ قانوني أساسي ليس ذلك فحسب بل يتعارض مع مبدأ دستوري.
البند الثاني: البند الاقتصادي
عندما نتطرق إلى البند الاقتصادي علينا أن نتكلم عن تأثير هذا القرار على الاقتصاد البحريني وكذلك نتكلم عن تطبيق هذا القرار في دولة واحدة من دول مجلس التعاون الخليجي وبناء عليه فإننا نتكلم هنا عن قسمين:
1- هل قرار انتقال العمالة الأجنبية (إلغاء الكفيل) يساهم مساهمة إيجابية في الاقتصاد الوطني وما هي الفوائد والنتائج من جراء تطبيق هذا القرار على الإنتاج الوطني والعمالة الوطنية ومدى الزيادة المتوقعة من جراء ذلك في الناتج المحلي.
أسئلة كثيرة تطرح هنا، ولابد أن تكون الإجابة بلغة الاقتصاد والأرقام وليس عملية إنشاء لغوية نرددها ربما الغالبية منها شعارات سياسية.
وبنظرة تحليلية موجزة نستخلص إلى أن هذا القرار لا يعطي أي قوة دفع أو نمو في الاقتصاد بل نجد ان ذلك يؤدي حتما سلبا وخسارة في جميع المجالات، حيث يسبب هذا الانتقال ميزة فريدة للعمالة الأجنبية في التفاوض والتغالي على أصحاب الأعمال ومن ثم يرتبك قطاع الأعمال من جراء عدم انضباط وجدية العمل لهذه الفئة كأننا في نهاية المطاف نؤدي لهم خدمة كبيرة.
كما أن الانتقال يؤدي إلى تفشي أسرار المهنة في التجارة والصناعة بين المتعاملين وخاصة البيوت التجارية والشركات العاملة في البلاد.
ونضيف أننا نعطيهم قوة تفاوضية تصل إلى حد الابتزاز ومن الذي يتحمل كل هذه الخسائر الشركات والمحلات التجارية وفي النهاية الاقتصاد الوطني.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نرى أي دعم للعمالة الوطنية لا من قريب أو بعيد. لماذا؟ لأننا بصدد نوعية معينة من العمالة لا نتكلم عن العمالة السائبة وعن فري فيزة وغيرهما.
كان المشرع البحريني في القوانين السابقة يراعي ويحمي خصوصية العمل التجاري، بل إن هذه القوانين تتطرق إلى حماية أسرار المهنة وعدم إعطاء مجال للإفشاء، المادة رقم 62 من قانون التجارة البحريني لعام 1987 (النص حرفيا) “لا يجوز لتاجر أن يغري عمال تاجر آخر أو مستخدميه ليعاونوه على انتزاع عملاء هذا التاجر أو ليخرجوه من خدمة هذا التاجر، ويدخلوا إلى خدمته ويطلعوه على أسرار مزاحمته، وتعتبر هذه الأعمال مزاحمة غير مشروعة تستوجب التعويض”.
هل هناك أوضح من هذه المادة حماية وانضباطا للقطاع التجاري، بل ان المشرع استوجب التعويض في مثل هذه الحالات ونحن الآن بصدد انتقال العمالة الأجنبية من دون حماية للمهنة وأسرارها ومصادرها وعن ماهية هيكلية الأسعار وغيرها.
وكما هو معروف فإن أسرار مهنة التجارة لا تعوض بأي ثمن، وعلينا أن نتصور مدى الأضرار من جراء ذلك.
2- مملكة البحرين- السوق الخليجية المشتركة
إن مملكة البحرين عضو في دول مجلس التعاون الخليجي مع بقية الأشقاء (الدول الأعضاء) وبالتالي أي قانون وأي قرار يجب أن يراعي وينسجم مع هذه الخصوصية، وإلا كيف نتصور أن تقوم مملكة البحرين بمفردها بتطبيق هذا القرار وإلغاء الكفيل من دون بقية دول المجلس.
وتزداد هذه الأهمية والخصوصية مع بداية عام 2009 بإنشاء السوق الخليجية المشتركة.
إن المسئولية تحتم علينا أن نكون واقعيين مدركين بأننا لسنا القوة الاقتصادية الأكبر في دول المجلس ولسنا أيضا المؤثرين في منظومة السوق الخليجية المشتركة، بل نتأثر بما يجري من حولنا في هذه السوق، فإذا كانت الحالة كذلك كيف نغرد لوحدنا خارج السرب؟!
عندما أذكر هذه الحقائق فإنني أبين أن نكون أكثر واقعية وأمانة واضعين قدرتنا وإمكانياتنا متحركين وفقا لمعطيات اقتصادنا ومصالحنا.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هل نستطيع منافسة بقية دول المجلس بعد تطبيق قرار انتقال العمالة الأجنبية (إلغاء الكفيل) ومما يتبعه من زيادة في التكلفة الإنتاجية؟ وهل لدينا القدرة التنافسية على التصدير؟
منظمة العمل الدولية وقرار الانتقال
يقول البعض إن قرار انتقال العمالة الأجنبية (إلغاء الكفيل) يتماشى مع متطلبات منظمة العمل الدولية وان ذلك من ضمن التوصيات والقرارات التي اتخذتها المنظمة.
لقد صدرت منظمة العمل الدولية توصيات وقرارات عديدة وكثيرة طوال الفترة الماضية ولم تصدق مملكة البحرين عليها وكثير من دول العالم؟ بل هناك العديد من التوصيات والقرارات التي تعد أهم من قرار انتقال العمالة الأجنبية (إلغاء الكفيل) لم تتم الموافقة والتصديق عليها.
فلماذا هذا القرار؟ ولماذا هذا الوقت؟ ولماذا مملكة البحرين من دون بقية دول مجلس التعاون؟
إنني إذ أبين كل ما ذكر وما ورد، فإن الهدف الأول والأخير مصلحة البحرين وتقدم البحرين وليس هناك أي هدف آخر.
قد نختلف في الرأي والطرح ولكننا جميعا نسعى لازدهار وتقدم المجتمع البحريني.