عدنان بسيسو
وجهة نظر
2009-05-25
موضوع الساعة في البحرين والذي يمكن اعتباره ساخناً هو قرار وزير العمل بإعفاء العامل الأجنبي من الحصول على موافقة صاحب عمله للانتقال إلى عمل لدى كفيل آخر.
ساد هذا الموضوع لغط شديد وأثار العديد من أصحاب الشأن ما بين مؤيد ومعارض وتبارت أجهزة الإعلام المحلية وحتى الأجنبية معاً على متابعة السجال وتسجيل مواقف كل فريق.
لا يهمنا هنا الدخول في هذا السجال بقدر ما يهمنا تناول الموضوع من ناحيته العلمية والمنهجية وأن تعارض أو اتفق مع هذا أو ذاك.
حرية انتقال العامل في البحرين جزء من إستراتيجية عامة سادت في العالم منذ أواخر القرن المنصرم عندما ساد تيار العولمة والتخصيص وإنشاء منظمة التجارة الحرة، وبرز إلى السطح تيار حقوق الإنسان وتوقيع العديد من الدول على اتفاقيات اهتمت بكل هذه الهيئات والحقوق. وقد كانت البحرين من ضمن الدول الموقعة على تلك الاتفاقيات مما يجعل قرار حرية انتقال العامل منسجماً مع هذه الالتزامات الدولية للبحرين.
هذا مهم، ولكن الأهم تناول القرار من جانبه الاقتصادي وتداعياته على الاقتصاد البحريني بصورة شاملة لا بصورة مجزئة كما بدا تأثير ذلك القرار. ولنا في هذا الصدد الملاحظات التالية:
أولا: يبدو أن القرار قد اتُخذ بمعزل عن خطة شاملة تغطي الحاجة إلى تخطيط مدروس ومعد إعداداً واقعياً يتناول جميع القطاعات الاقتصادية ويجنّب الاقتصاد السلبيات التي قد تنتج عن ذلك التخطيط.
ثانياً: انطلاقاً من ذلك فإن القرار يتماشى مع الحرية الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد البحريني، إذ لا يعقل أن يكون انسياب رؤوس الأموال واجتذاب الاستثمارات حرا في الوقت الذي تكون هناك قيود على تحرك العمالة. فإما أن تكون الحرية عامة وشاملة وإلا فلا. فصاحب الاستثمارات الأجنبية يرغب عادة في جلب عمالته الفنية وغير الفنية عند دعوته للقيام بمشاريع إنتاجية كبيرة. فهو من ناحية لا يجد أي قيد أو ضريبة تفرض على استثماراته وتحويل أرباحه في الوقت الذي يجد قيوداً أو حواجز على طلب العمالة التي يعتقد أنها مؤهلة لإتمام مشاريعه الاستثمارية. هذا جانب مهم يسد ثغرة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي لها فوائد جمة ورعتها الدولة وشجعت عليها واتخذت الإجراءات والحوافز لتشجيعها.
ثالثاً: لم تقم الحكومة -على ما نعلم-بإجراء دراسة ميدانية لتقييم هذا القرار وتشخيص سلبياته وإيجابياته لأطراف العمل الثلاثة. ولكن يبدو أنه وجد معارضة قوية من أصحاب العمل ممثلين لغرفة التجارة والصناعة، ولكن اعتراضهم لم يكن مدروساً بصورة كافية مما عكس بدون شك مصالح رجال الأعمال دونما اعتبار لمصالح العمالة الوطنية. كما أننا لم نسمع بصورة واضحة أي اعتراض لممثلين العمالة الوطنية وفيما إذا كان القرار سيخدم مصالحهم أم لا، سواء في المدى القصير أو الطويل. هذا القرار على ما يبدو كان منفرداً أخذه الطرف الثالث (الدولة)، ودونما تنسيق فعال وتوافقي مع الطرفين الآخرين.
رابعاً: الحجة التي ارتكزت عليها الدولة في تفسير القرار أنه سيُمّكن العمالة الوطنية من التنافس بحرية مما سيؤدي إلى حصولها على رواتب ومميزات أفضل من العامل الأجنبي غير مقنعة. الجدير بالذكر أنه لم تنشر أي إحصائيات عن مكونات وفئات ومهن العمالة الأجنبية التي ستتمكن العمالة الوطنية من الحلول محلها ومنافستها. فالواقع المنظور يدل على أن العمالة البيضاء (الأوربيين ومن في حكمها) ليست محل منافسة وذلك لغياب العمالة الوطنية المدربة للحلول محلها. أما العمالة السمراء (الأسيويين ومن على شاكلتها) فهي في غالبيتها العظمى تشغل مهنا غير فنية برواتب متدنية يجعل من الصعب للعمالة الوطنية منافستها لأسباب عدة منها تكاليف معيشة العامل البحريني ومتطلباته لا تساعده على القبول بأجور تلك العمالة بحيث يظل العامل الأجنبي وإن انتقل من كفيل لآخر يقبل برواتب لا تناسب العامل البحريني علاوة على عزوف العامل البحريني لأسباب ثقافية واجتماعية عن القبول بمهن يعتبرها دونية.
خامساً: لا نعتقد أن الحلول الوسط بوضع قيود وشروط في عقد العمل وعلى العامل الأجنبي من شأنها حماية العمالة الوطنية إذ لم تُعَدْ أي لائحة أو توصيف وظيفي يمكن القبول به لتلك الشروط والقيود مما قد تعتبره المؤسسات الدولية المختصة مُحداً لحرية وحقوق الإنسان. علاوة على أنه يبقي نظام الكفيل السابق ولكن بلباس جديد قد لا يكون مقبولاً إن لم نقل مرفوضاً.
الأكثر أهمية مما تقدم هو القبول والأخذ باستراتيجية لحرية الاقتصاد بكل جوانبه أو رفضها إذا كانت لا تخدم المصلحة الاقتصادية العليا للبحرين وهو ما يمكن الوصول إليه إذا ما تمت دراسة الموضوع دراسة ميدانية منهجية تظهر السلبيات والإيجابيات وهو ما نأمل أن يتم ولو بعد حين تجنباً لاختلالات واضطرابات نحن في غنى عنها.