التطبيق بعد ثلاثة أشهر.. والتجار قلقون على المنافسة والأسرار
الوقت – مازن النسور:
اعتبر رجال أعمال وتجار ومقاولون قرار وزارة العمل القاضي بالسماح للعامل الأجنبي بحرية الانتقال من مؤسسة إلى أخرى من دون الحاجة إلى موافقة ”الكفيل”، مجحفا بحقهم، وسيضر بالسوق المحلية ويؤثر على مستوى التنافسية، ويجعل أسرار الشركات مستباحة أمام الجميع.
وقالوا إن الوزارة تتخذ قراراتها من دون النظر إلى رأي القطاع الخاص في المملكة، رغم أنه الذراع الرئيسي في التنمية، وهي بذلك تزيد على كاهله أعباء جديدة تضاف إلى رسوم سوق العمل، وآثار الأزمة المالية.وسيبدأ تطبيق القرار بحسب وزير العمل مجيد العلوي مطلع آغسطس/آب المقبل، وهو يهدف إلى تأكيد التزام البحرين بمعايير حقوق الإنسان، وخلق بيئة أفضل لمطابقة المهارات المتوافرة بالمهن المطلوبة، وتعزيز خفض فجوة الكلفة بين العمالة البحرينية والوافدة.
وكانت هيئة سوق العمل البحرينية فرضت على العمالة الأجنبية رسوما تبلغ 10 دنانير شهريا، و200 دينار تدفع كل سنتين، وقد طبق ذلك مطلع يوليو/حزيران الماضي.
وفي الوقت الذي حاول فيه وزير العمل، رئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل في مؤتمر صحافي أمس الأول توضيح الصورة وإظهار الجوانب الإيجابية من القرار، اعترض أصحاب العمل بشدة وفي معظم القطاعات، معتبرينه سيضر مصالحهم ويكلفهم الكثير من الجهد والوقت والمال.
قرار يضر بالمنافسة
وقال رجل الأعمال ورئيس شركة ناس للمقاولات سمير ناس إن ”القرار غير منطقي ويتناقض مع حجم وإمكانات سوق البحرين الصغيرة، التي تخلو من العرض”.
وأوضح أن ”ذلك سيكبد الاقتصاد وقطاع الأعمال الكثير من الأموال، فضلا عن أنه سيضر بالمنافسة حيث ستنقل العمالة أسرار شركاتها، ويؤدي إلى عدم استقرار في المشروعات خصوصا العقارية”.
وتعتمد السوق البحرينية بنسبة 70% إلى 80% على العمالة الوافدة، التي قال ناس إنها متخصصة ويتم استقدامها لغاية محددة، وبالتالي لا يمكن تطبيق القرار بهذه السهولة.
وتوقع ناس إن يؤدي القرار في حال تطبيقه تعطل بعض المشروعات، بعد أن يتم إغراء العمالة والموظفين برواتب أعلى، حيث استقدام بدلاء لهم يستغرق وقتا طويلا، وبالتالي تحمل المقاولين نسبة الغرامة البالغة 10%.
وطالب بإلغاء القرار من أصله، أو تقنينه على أقل تقدير، مقترحا اشتراط خروج العامل من البلاد لمدة لا تقل عن سنه إذا ما أراد الانتقال إلى شركة أخرى.
واعتبر ناس ربط القرار بدفع السوق إلى الاستقرار، بدعوى أن البحرينيين لا يستقرون بأعمالهم حجة ”واهية”، لأن السوق تعتمد على الأجانب بشكل كبير، فضلا عن أن البحرينيين غير المستقرين يمثلون الوظائف الدنيا، فالإدارات العليا والمتوسطة عادة ما تكون مستقرة.
وأضاف ”لا يوجد بحرينيون يعملون في الوظائف التي نحتاجها، كمديري المشروعات، وحاسبي الكميات، وفنيي الأليات وغيرها”، في إشارة إلى عدم صحة ربط البحريني بالأجنبي، كونه لا يوجد توازن.
المطالبة بوضع ضوابط
من جهته يؤيد الخبير الاقتصادي حسن العالي القرار، ولكنه طلب تقنينه ومنحه مزيدا من الراقبة والضوابط التي تحد من سلبياته، مع ضمان حقوق أصحاب الأعمال ونسبة البحرنة.
وبين أنه ”سيحدث نوعا من عدم الاستقرار في سوق العمل، مبديا تخوفه من استغلال الخبرات، ونقل الأسرار، ما يؤدي على ضعف القدرة التنافسية”.
ويأتي التطبيق بحسب العالي في وقت صعب بسبب الأزمة المالية، وهو سيوقف خطط الكثير من الشركات التي تهدف إلى تقليص النفقات، إذا ما فكرت بتخفيض الحوافز فإن ذلك سيدفع العامل للبحث عن شركة أخرى”.
وقال إن ”للقرار سلبيات وايجابيات، فهو سيزيد الكلفة على الشركات من خلال ضياع الأموال التي صرفتها على التدريب، فضلا عن زيادة حركة دوران العمل في الشركات (الاستقالات والتوظيف)، وهو سيضر بها”.
أما إيجابياته، فهي من وجهة نظر العالي، رفع رصيد المملكة أمام المنظمات الدولية التي طالما طالبت بتسوية العمالة الأجنبية بالوطنية، واعتبرت هذا الشرط نوعا من العبودية”.
كما أنه سيشجع أصحاب الأعمال على معاملة العمالة الأجنبية بعدالة وبطريقة حسنة، فضلا عن إعطائهم حقوقهم كافة.
لا اعتراض من حيث المبدأ
من جهته قال نائب رئيس غرفة الصناعة والتجارة عادل المسقطي أمس الأول إن ”رجال الأعمال لا يعترضون على القرار من حيث المبدأ، لكنهم يطالبون بوضع معايير وشروط تضمن حقوقهم من الأضرار المتوقعة”.
وأوضح أن ”الغرفة طالبت بإمكان اشتراط صاحب العمل عند توقيع العقود على أن يستمر العامل لدى مؤسسته لفترة معيّنة، كأن تكون سنة واحدة أو سنتين بحيث تكون الاتفاقية ملزمة للطرفين”.
وأضاف ”اقترحنا أيضاً اشتراط عدم السماح للعامل بالانتقال إلى شركة منافسة، لمنع نقل المعلومات الخاصّة والسرية للحفاظ على المنافسة”.
وتابع ”اقترحنا أن تتولّى هيئة تنظيم سوق العمل النظر في طلب العامل الوافد قبل الانتقال إلى شركة أخرى، وهو الأمر الذي لم يؤخذ به، كون القانون يترك الموضوع للقضاء”.
إلى ذلك اعتبر الأمين العام لاتحاد نقابات عمال البحرين سلمان المحفوظ اعتماد القرار جاء مفاجئا وسريعا”، مؤكدا أن ”الاتحاد، ليس ضدّ انتقال العمالة الأجنبية من حيث المبدأ”.
وأبدى تحفظه حيال النتائج السلبية المحتملة للقرار، موضحا أنه لا يستطيع بناء رأي تجاه القرار حاليا، (…) سنمنحه فرصة التطبيق مع المراقبة، ومن ثم نقرر، ومتى وجدنا سلبية سيكون لدينا موقف”.
وبين المحفوظ أن ”التطبيق يمكن أن ينعكس سلباً على المؤسسات الصغيرة التي يعتمد الكثير منها على العمالة الماهرة والتي تتكلف أموالا من جراء جلبه وتدريبه، حيث سيفتح القرار المجال أمام الشركات الكبيرة لاستقطابها عند دفع رواتب أعلى”.
زرع الأشواك
ووصف رئيس جمعية المقاولين نظام كمشكي القرار بأنه ”الطامة على رأس التجار والمقاولين”، وزاد ”الوزارة تزرع شوك أمام بيت التجار”.
وأضاف أن ”أصحاب الأعمال يقضون أكثر من 90% من وقتهم في حل المشاكل التي تسببت بها قوانين هيئة تنظيم سوق العمل، بدلا من الالتفات إلى مصالحهم”.
وعبر رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين عصام فخرو في بيان عن أسفه تجاه مجريات الواقع الراهن الباعثة على قلق حقيقي.
وذكر أن ”أصحاب الأعمال لا يعترضون إطلاقا على أية مكتسبات تتحقق لصالح العمال”، إلاّ أنه وصف المادة التي تجيز للعامل حرية الانتقال والتي تضمنها القانون بأنها ”لا تخلو من إجحاف واضح في حق صاحب العمل الأول”.
واعتبر أنها ستفضي في حال تطبيقها إلى ”الإضرار بصاحب العمل ومصالحه، وتعطيل أعماله أو إرباكها على أقل تقدير، كما ستفتح الطريق أمام الوافدين لمنافسة العمالة الوطنية في الوظائف”.
وطالب بإعادة النظر في هذه المادة من قبل السلطة التشريعية لكي تكون أكثر توازنا في حفظ حقوق طرفي العمل، وأن تراعى حقوقهما ومصلحتهما على نحو متبادل، بدلا من ميلانها لمصلحة طرف على حساب آخر.
ووصل عدد السجلات الجارية في البحرين نهاية العام الماضي نحو 82 سجلا في مختلف القطاعات، في حين يبلغ عدد أعضاء الغرفة نحو 9300 عضو.
وزير العمل يبرر
وأكد العلوي في المؤتمر الصحافي أن ”القانون يحتم التعامل مع العمالة الأجنبية وفق أسس إنسانية”، مذّكرا بالمادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أنه ”لكل شخص حرية اختيار عمله بشروط عادلة”.
وقال ”إننا نتعامل مع العامل الوافد بوصفه إنسانا لا بضاعة، ويستلزم ذلك أن نحترم حقوقه الإنسانية ومنها حقه في اختيار عمله”.
ويعتقد الوزير بأن القرار سيفيد صاحب العمل والعامل على حد سواء، فهو سيفتح قنوات السوق المحلية في توفير العمالة التي تحتاجها الشركات، وبالتالي التغلب على نقص المهارات والكفاءات في بعض المهن، في حين سيحسن العمالة شروط وظروف عملهم. وأشار إلى أنه ”عندما يسود ظرف لا يستطيع في ظله العامل أن يختار وظيفته بحرية، فإن مستويات الأجور ستتجمد ما يؤدي إلى عزوف البحرينيين عن قبول هذه الأعمال”.
ونفى الوزير في مؤتمره الصحافي، أن تعني هذه الحرية ”إفلات الأمور من زمامها كما يخشى البعض، حيث نصت المادة 25 على حق الانتقال (وذلك من دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب أحكام القانون) في إشارة صريحة إلى مراعاة القانون لمصالح أصحاب الأعمال”.
واشترط القرار تسعة بنود أهمها إخطار صاحب العمل الأول بخطاب مسجل تمنح العامل 30 يوماً للانتقال.