لطفي نصر
يرى البعض في مسألة اللجوء إلى تطبيق نظام حرية تنقل العمال الأجانب بين أصحاب العمل داخل البحرين وسيلة ناجعة لعلاج ظاهرة هروب العمال الأجانب.. وقد جاء هذا الرأي معبرا عن موقف هيئة تنظيم سوق العمل من خلال الرسالة التي بعث بها وزير العمل إلى مجلس النواب ردا على سؤال للنائب عادل العسومي حول العمالة الهاربة.
هذا الرأي يجسد بالضبط موقف من يريد علاج داء بدواء يحوى سُما قاتلا.. أو على الأقل يتسبب في إصابة أجزاء أخرى من الجسد بالسقم والإعياء.. حيث من المؤكد أن حرية تنقل العمالة الأجنبية سوف تُحدث نوعا من الفوضى والاضطراب في كل مواقع العمل.. كما أنه لعلاج ظاهرة العمالة الهاربة أسلحة وأدوات أخرى يعرفها سعادة وزير العمل وتعرفها معه هيئة تنظيم سوق العمل من غير اللجوء إلى نظام حرية تنقل العمالة الأجنبية داخل سوق العمل.ومن بين أدوات علاج ظاهرة هروب العمال هو تفعيل نظام التفتيش العمالي وأجهزة الضبط والتسفير للعمالة الهاربة، حيث إن النسبة العظمى من هذه العمالة تنتشر في كل مكان وبشكل ظاهر أمام الجميع.. ومن يريد أن يتحفظ عليهم فإنه باستطاعته ذلك بسهولة متناهية.. لكن يبدو أن أحدا لا يريد ذلك.. إلى درجة أن البعض يرى في وجود أو حتى في تفشي العمالة الهاربة ظاهرة صحية.. كما يرى هذا البعض أن العمال الهاربين يستفيد منهم المواطنون غير القادرين على جلب عمالة أجنبية بالطرق القانونية.. كما ان استخدامهم أقل تكلفة وجهد، أو بغير التزامات قانونية تستعصي على الكثيرين وخاصة في ظل الأوضاع الراهنة. كما يرى البعض أن الجهات المعنية بمكافحة ظاهرة العمالة غير جادة في ممارسة المهمة المنوطة بهم.. وأن اللجنة المشكلة من ممثلي عدة جهات من أجل المكافحة لا تجتمع ولا تقوم بواجبها.. باستثناء القدرة على رصد عدد الهاربين من خلال البلاغات التي يقدمها أصحاب الأعمال.. والقول إنه يوجد أكثر من (15) ألف عامل هارب!
إن 15ألف عامل هارب في دولة مثل البحرين.. اعتقد ان هذا يجعل حصرهم ومحاصرتهم مسألة ميسورة على الأقل من أجل البدء في خطة جادة للمكافحة.. هذا إذا أردنا ذلك أو كنا جادين حقيقة..!
آلية أخرى معروفة وسهلة من أجل المكافحة.. وهي انه ما دمنا نخلط بين العمالة الهاربة والعمالة السائبة.. وما دمنا لا نريد أن نفرق بين الحالتين.. فإنه من أجل الاجهاز على ظاهرة العمالة الهاربة والسائبة فإن الذين جلبوا هذا النوع من العمالة معروفون ويمكن اللجوء إليهم وإلغاء التصاريح الممنوحة لهم هذا إذا أردنا أو قدرنا.!
أما أن نغضب قطاع الأعمال بأكمله ونقلب كيانه رأسا على عقب من خلال إعمال نظام حرية تنقل العمالة الأجنبية بدون قيد أو شرط فهذا يمكن الابتعاد عنه لنريح ونستريح من خلال ترك الأمر للقانون يأخذ مجراه.. أي من خلال العقود والتعاقد بين طرفي العمل.. فالعقد شريعة المتعاقدين.. كما أن حرية التنقل لا تجوز مع وجود عقود موقعة ومسجلة.. لذا فإن العقود أكثر قدرة وفعالية على ضبط السوق من نظام لحرية تنقل العمالة مهما كانت الضوابط التي يمكن وضعها من أجل انجاحه.
والكثيرون يرون أن إصدار نظام حرية تنقل العمالة الأجنبية في سوق البحرين هو بمثابة سكب للكيروسين علي النار المشتعلة لتزيدها اشتعالا ودمارا.. والنار المشتعلة هذه الأيام هي هذه الأزمة العالمية التي تلقي بأوزارها على الأوضاع في السوق وتزلزل كيان أصحاب العمل وتهدد مستقبلهم بأكمله.
وهذه النار لا تريد أن تنطفئ بعد أن سكبنا كيروسينا عليها، ونواصل سكبه من خلال رسوم العمل التي تحرق أجساد الكثيرين من أصحاب العمل.. وخاصة أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.